رأي

جيل Z.. ثمار رؤية بدأت في الصخيرات وتُوّجت بكأس العالم

جيل Z.. ثمار رؤية بدأت في الصخيرات وتُوّجت بكأس العالم

لم يكن تتويج أشبال المغرب بكأس العالم لأقل من 20 سنة في تشيلي حدثًا رياضيًا عابرًا ولا صدفةً كروية، بل كان لحظةً مفصلية في مسارٍ بدأ قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، منذ أن وُضعت بوصلة الرياضة الوطنية في الاتجاه الصحيح خلال مناظرة الصخيرات سنة 2008. في تلك المحطة التاريخية، وجّه الملك محمد السادس خطابًا صريحًا دعا فيه إلى تحويل الرياضة من نشاطٍ هامشي إلى مشروع دولة، ومن ترفٍ جماهيري إلى رافعة للتنمية وبناء الإنسان.

من رحم تلك الرؤية، وُلدت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي لم تُنشأ لتخريج لاعبين فحسب، بل لصناعة جيلٍ جديدٍ يجمع بين الموهبة والانضباط، ويجعل من كرة القدم مدرسةً للوطنية والاحتراف. واليوم، حين يرفع الأشبال الكأس الذهبية عاليًا، فإنهم يرفعون معه توقيع رؤية استراتيجية طويلة المدى، آمنت بأن النجاح لا يُشترى في لحظة، بل يُبنى عبر الزمن بالصبر والتخطيط.

لكن الأجمل في هذا التتويج أنه يتقاطع مع ظاهرة اجتماعية جديدة يقودها جيل Z المغربي. هذا الجيل الذي خرج إلى الشارع مطالبًا بصحة أفضل وتعليم يليق بكرامة الإنسان، هو نفسه الذي يرفع الآن راية المغرب في سماء العالم. جيلٌ يُغيّر السياسات بـ”ترند” ويهزّ الوزارات بتعليق ساخر، وها هو اليوم يهزّ شباك الخصوم بلمسة موهبة وعزيمة وطنية.

لقد أجبر هذا الجيل الدولة على مراجعة حساباتها، فرفعت ميزانية الصحة والتعليم في مشروع قانون المالية لسنة 2026 بنسبة %25، في استجابة واضحة لصوت الشارع. ثم عاد الجيل نفسه ليُحرج الكبار في ملاعب تشيلي، مؤكّدًا أن الاحتجاج ليس فقط في الساحات، بل في الملاعب أيضًا، وأنّ التغيير لا يحدث بالشعارات وحدها، بل بالإنجازات.

هكذا يلتقي صوت الشارع مع رؤية الدولة على منصة واحدة، في لحظة نادرة تصنع التاريخ. وهكذا يثبت المغرب أن الاستثمار في الإنسان – فكرًا وبدنًا، تعليمًا وتكوينًا – هو الطريق الأجدى لصناعة المستقبل. مناظرة الصخيرات لم تكن حدثًا عابرًا، بل كانت بذرة أثمرت جيلًا مختلفًا في أدواته وأحلامه، جيلًا لا ينتظر الغد، بل يصنعه بيده ويصوّره بـ”ستوري”.

فوز الأشبال ليس نهاية الحكاية، بل بدايتها. إنه الدليل على أن المغرب حين يخطط بعقل الدولة ويستمع لصوت الجيل الجديد بعين الحكمة، يمكنه أن يحوّل الغضب الشعبي والطموح الوطني إلى طاقة خلاقة تدفع البلاد إلى الأمام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News