صحافة وإعلام

العلالي: الإعلام العمومي أمام معادلة صعبة ويعيش تمرينا ديمقراطيا

العلالي: الإعلام العمومي أمام معادلة صعبة ويعيش تمرينا ديمقراطيا

يواصل الإعلام العمومي في المغرب تغطيته التفاعلية للاحتجاجات التي يقودها ما بات يُعرف بـ”جيل زد”، في خطوة لافتة اعتبرها بعض المتابعين بمثابة “انفراجة إعلامية” تعيد إلى الأذهان مشاهد مماثلة شهدها المشهد السمعي البصري خلال حراك 20 فبراير سنة 2011.

وبعد سنوات من الجمود أو الانتقائية في التناول، بدأت القنوات العمومية تفسح حيزا أكبر لمناقشة القضايا المرتبطة بالشباب والتعبير عن الغضب الاجتماعي، ما دفع بعض المتابعين إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الدينامية تعبر عن تحول حقيقي في وظيفة الإعلام العمومي نحو مزيد من الانفتاح والتعددية، أم أنها مجرد استجابة ظرفية لسياق اجتماعي ضاغط يروم احتواء الاحتجاج وامتصاص التوتر.

ويرى الخبير في الإعلام والاتصال وأستاذ التواصل السياسي، محمد عبد الوهاب العلالي، في قراءة تحليلية، أنه من السابق لأوانه الحديث عن تحول شامل في الإعلام العمومي نحو الانفتاح على مناقشة الأوضاع الراهنة التي يعيشها المغرب، وخاصة ما يتعلق بحركة “جيل زد”، لكنه يعتبر أن هذا النقاش يُعد مؤشرا إيجابيا وجديدا، إذ أصبحت وظائف الإعلام العمومي تتجه أكثر نحو تناول قضايا الشأن العام وهموم المواطنين، وأن يكون فضاء للحوار بين مختلف الفاعلين ومن زوايا نظر متعددة.

وأكد العلالي في تصريح لجريدة “مدار21” أن وسائل الإعلام العمومية، خاصة الإذاعات والقنوات التلفزيونية الكبرى، قادرة على أن تساهم بفاعلية في إغناء النقاش العمومي، وإبراز الحقائق، وتبادل الرؤى، والقيام بدور الوساطة متعددة المستويات، مبرزا أن انفتاح الإعلام العمومي على مناقشة الشأن العام هو الوضع الطبيعي والمنطقي في أي نظام ديمقراطي، بخلاف الانغلاق أو الخضوع للاعتبارات غير المهنية.

ويعتقد الخبير في الإعلام والاتصال أن هذا الانفتاح يمثل تمرينا ديمقراطيا مهما لكل من المؤسسات الإعلامية والصحفيين، خاصة وأن هناك هيئات مهنية مخولة بمتابعة أداء الإعلام العمومي وتطويره بحكم اختصاصها وخبرتها، غير أنه يرى أن الأهم هو أن يناقش المغاربة قضاياهم داخل تلفزيونهم العمومي، لا في القنوات الفضائية الدولية، ولا في “علب مغلقة” أو على منصات التواصل الاجتماعي فقط، مضيفا: “فنحن اليوم نعيش عصرا مختلفا يقتضي أن يكون الإعلام العمومي مرآة للنقاش الوطني، لا مجرد ناقل له من الخارج”.

وبشأن ما إذا كانت هذه الانفراجة في الإعلام العمومي ظرفية ومؤقتة، يوضح أنه “يجب التوقف بعناية عند استخدام مفهومي المرحلة المؤقتة والانفراجة، لأن اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم تكشف عن تحول مهم في مسار الإعلام العمومي المغربي، إذ إن هذا الإعلام بدأ يعزز طاقاته وإمكاناته الكامنة ليصبح فضاء عاما خصبا للنقاش والتداول والوساطة حول القضايا الحيوية التي تهم المواطنين، وليعكس تعدد الأصوات والمواقف داخل المجتمع وفق ما تحدده دفاتر التحملات والمواثيق المهنية، لا أن يكون مجرد منبر دعائي للقوى القائمة في مواقع السلطة، لأن ذلك النمط من الإعلام تجاوزه الزمن، إذ أصبح المغرب جزءا من فضاء جديد مفتوح يؤمن بالديمقراطية والتعددية والانفتاح، ويعتبر الإعلام العمومي، بمعناه القائم على الخدمة العمومية، أداة لخدمة المواطنين لا للوصاية عليهم”.

ويضيف الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط في السياق ذاته أنه “إذا تأملنا تاريخ المغرب المعاصر، نجد أن الإعلام العمومي لعب أدوارا إيجابية وفعالة في إدارة الأزمات الكبرى التي مرت بها البلاد، إذ شكل، خلال تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة مطلع الألفية، منبرا للمصالحة مع الذاكرة الجماعية، حين أُتيح المجال لبث شهادات الضحايا والاعترافات، في خطوة غير مسبوقة نحو بناء الثقة على شاشات التلفزيون، كما أن انفتاح القنوات التلفزيونية العمومية سنة 2011 على نشطاء حركة 20 فبراير وفاعلين آخرين، مكن من احتواء التوترات الاجتماعية والسياسية، وحوّل مخاطر الأزمة إلى فرصة للحوار الوطني والإصلاح”.

وعن تقييمه لطريقة تعاطي بعض الإعلاميين مع الظرفية الحالية، وما إذا كانت تنطوي على نوع من الهجوم أو الانتقاد المباشر للحكومة، يوضح العلالي أن الإعلام العمومي المغربي يواجه اليوم معادلة صعبة: فإما أن يستعيد مصداقيته ويحقق التحول نحو فضاء للنقاش العمومي الفعّال حول القضايا الراهنة التي تهم المجتمع المغربي، وإما أن يتحول إلى إعلام بلا جمهور، يفضّل المشاهدون الابتعاد عنه والهجرة إلى قنوات وأوعية ومنصات أخرى يجدون فيها ما يتطلعون إليه من خدمة صحفية مهنية.

ويضيف العلالي في السياق ذاته أن “ليس من مهمة الصحافي أن يدافع عن الحكومة أو أن يعارضها، بل تكمن مهمته الأساسية في كونه وسيطا بين السلطة بمختلف مستوياتها والمجتمع، إذ ينقل الرسائل في الاتجاهين: من أعلى إلى أسفل، من الحاكمين إلى المواطنين، ومن أسفل إلى أعلى، من المواطنين إلى الحاكمين، لتبرز إشكالية الولاء المهني: لمن يكون الصحافي وفيّاً؟ للحاكمين، أم للمحكومين، أم للمهنة ذاتها؟”.

ويعتبر العلالي أن الصحافي الجيد هو الصحافي الذي لا يقول شيئا، بل يتيح للآخرين أن يعبروا عن آرائهم وينقلها بمصداقية إلى الناس، إذ بمجرد نقله لوجهات النظر المختلفة بموضوعية ومهنية، يكون قد أدى واجبه كاملا في ولائه للجمهور، في إطار من النزاهة والحياد والمسؤولية، ويترك للناس تشكيل قناعاتهم دون أن ينوب عنهم، ويتحول إلى داعية أو وكيل إعلامي أو موظف في خدمة الإشهار والدعاية.

ويشير الخبير ذاته إلى أن تعامل الصحفيين مع نقد الحكومة أمر طبيعي في الحياة الديمقراطية، لكون الصحافي إنسانا يعيش في مجتمعه ويتأثر بمناخه، وبالمزاج العام، حيث إن هذا المناخ في المغرب حاليا ليس في صالح الحكومة، ليس لأسباب غير وجيهة، بل لأن الناس يرون على أرض الواقع أن التطلعات التي أعلنتها الحكومة في بداية ولايتها لم تتحقق بالقدر نفسه من الحماس الذي عبّرت عنه، مبرزا فجوة واضحة بين ما تقدمه الحكومة في خطابها الرسمي وما يعيشه المواطنون فعليا، ويرى أنه إذا ما عكس الصحفيون بمهنية هذه الحقيقة فليست نهاية العالم.

ولفت المتحدث ذاته إلى أنه في الأنظمة الديمقراطية الناضجة، يُعد نقد الحكومة وحرية التعبير عن الرأي أمرا طبيعيا بل ضروريا يُمارس يوميا، لأنه يعزز المسار الديمقراطي ويدعم الدولة نفسها، متسائلا عما إذا كان التحدي الكبير اليوم هو ما إذا كان المغرب قادرا على أن يكون استثناء في المنطقة العربية، بل وفي جزء واسع من إفريقيا، من خلال جعل إعلامه العمومي في خدمة المجتمع، وجزءا من الفضاء الديمقراطي العام، وأداة للوساطة التي يمكن عبرها تدبير مسارات تطورنا في التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، في إطار من استقرار المؤسسات وتنمية اجتماعية متفاعلة مع تطلعات المواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News