بين المهنية وفتح المجال للشباب.. هل سقط الاعلام العمومي في التحريض ضد الحكومة؟

أثار تعاطي القنوات العمومية المغربية مع موجة الاحتجاجات الأخيرة لجيل “زد”، نقاشا واسعا حول طبيعة الإعلام العمومي وحدود استقلاليته، إذ أعاد هذا “التحوّل” المفاجئ في الخط التحريري، والذي تجلى في استضافة شخصيات ومسؤولين سياسيين وشباب، لطرح قضايا كانت إلى وقت قريب من “محظورات” الإعلام الرسمي، إلى الواجهة التساؤلات القديمة حول ما إذا كان الإعلام العمومي يعكس فعلا صوت المجتمع أم يظل أداة تُفعّل ظرفيا حسب الحاجة السياسية.
وفي هذا السياق، يقدم أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، عبد الرحيم العلام، قراءة نقدية لوضعية هذا الإعلام، مشددا على أن ما نعيشه اليوم لا يتجاوز كونه استثناء ظرفيا سرعان ما سينتهي.
وأكد العلام في تصريح لجريدة “مدار21” أن الدولة، في فترات الأزمات، تتجه عادة إلى فتح المجال أمام الإعلام العمومي لإنجاز أعمال سياسية، تشمل استضافة شخصيات بارزة، بما فيها معارضون، كما حدث سنة 2011 خلال حراك 20 فبراير، والتي تم خلالها استدعاء شخصيات كانت مرفوضة في الإعلام العمومي في السابق، من بينها معارضون وراديكاليون.
ويرى أن هذه الانفراجة الإعلامية التي نشهدها حاليا، والتي تتيح تناول ما يجري في الساحة الوطنية بحرية نسبية، ليست سوى “مرحلة مؤقتة”، مبرزا أن الإعلام العمومي في المغرب لا يرقى إلى مفهوم “العمومية” كما هو الحال مع “بي بي سي”، بل هو في جوهره إعلام حكومي، تابع للسلطة التنفيذية، ويشتغل غالبا وفق توجيهاتها، وأحيانا حتى دون أوامر مباشرة، بل بناء على استشعار ما يُتوقع أن يقبل أو يرفض من قبل الحكومة.
ويؤكد أن الوصلات والبرامج التي تُبث اليوم عبر القنوات العمومية، لو تم عرضها قبل عشرين يوما فقط، لاعتبرت بمثابة تحريض ضد الحكومة، مشددا على أن ما تقوم به القنوات العمومية خلال الأيام الأخيرة يعد من صميم وظيفتها الأساسية، لأن الإعلام العمومي من المفترض ألا يكون في صف الحكومة أو المعارضة، بل أن يحافظ على استقلاليته وموضوعيته، وهي أدوار لا يظهرها إلا في لحظات الأزمات، بينما يغيب عنها في الظروف العادية.
وسجل العلام أن هذه الانفتاحة الإعلامية مؤقتة، وستعود الأمور إلى سابق عهدها، مستشهدا بالاستثناء الذي حدث خلال جلسة لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، مع وزير الصحة، أمين التهراوي، إذ عقدت بشكل علني، بخلاف باقي الجلسات التي ظلت سرية خلال ولاية الحكومة الحالية.
وأشار إلى أن الإعلام العمومي يتوفر على كفاءات مهمة، مشيرا إلى أن العديد من الكفاءات التي تشتغل اليوم في القطاع الخاص هي من خريجي الإعلام العمومي، إلى جانب وجود طاقات قوية داخل هذا القطاع، لكنها مع الأسف “غير محررة”.
ويضيف العلام أنه عندما تُمنح لهذه الكفاءات الفرصة للعمل على قضايا سياسية، تقدم عملا جيدا، غير أن تغير القرار السياسي قد يؤدي إلى تراجع جودة هذا الإعلام، مما ينتج عنه محتوى ضعيف، ليس فقط على مستوى الأخبار، بل أيضا في الأعمال الفنية، عادّا أنه لو مُنحت حرية أكبر لكتاب السيناريو والممثلين، لكان بالإمكان إنتاج محتوى فني أفضل.
وتناولت القنوات العمومية، في الآونة الأخيرة، أزمة الاحتجاجات التي يقودها جيل “زد”، المرتبطة بمطالب اجتماعية تتعلق بقطاعي الصحة والتعليم العموميين، وما يشهدهما من إخفاقات في تقديم الخدمات، إلى جانب مطالب أخرى.
ويبدو من خلال البرامج الخاصة التي أطلقتها القنوات العمومية، أنها أظهرت جرأة ملحوظة في التناول والمعالجة، بخلاف ما طبع أداءها خلال السنوات الماضية، خصوصا بعد حراك 20 فبراير، الذي شهد آنذاك تغطية إعلامية جريئة، قبل أن تعود القنوات العمومية لاحقا إلى تقديم الأخبار الرسمية فحسب.
واعتبر بعض المتابعين أن طريقة إدارة بعض الإعلاميين للبرامج والحوارات خلال هذه الفترة تميزت بجرأة غير معهودة، وصلت أحيانا إلى حد انتقاد الحكومة والهجوم عليها، أو الدفاع عن القضايا التي يتبناها شباب المغرب اليوم، في محاولة لإحراج بعض المسؤولين، ما يخرج التغطية الإعلامية من موضوعيتها وانزياحها إلى خطاب تعبوي أكثر منه أعلامي.