حراك بطعم حب الوطن: جيل زد، الفكر والأسلوب الجديد

شهد المغرب في الآونة الأخيرة بروز جيل جديد من الشباب يُسمي نفسه (جيل زد)، وهو الجيل الذي وُلد في زمن التكنولوجيا والانفتاح على العالم الرقمي منذ نعومة أظافره. جيل لا يصمت أمام الأوضاع التي يعيشها، بل يختار أن يُعبّر عن رأيه ويُطالب بالتغيير بأسلوبه الخاص، بعيدًا عن الأسلوب التقليدي للشبيبات الحزبية، مستعملًا لغته الحديثة ومنصّاته الرقمية.
إن شباب “زد” في المغرب، بحركتهم ومطالبهم ورؤيتهم، يُمثّلون روحًا جديدة تنبض بالحياة في جسد الوطن. فهم شباب يؤمنون بأن الإصلاح ليس حلمًا بعيد المنال، ما دام منصوصًا عليه في ديباجة الدستور، بل يعتبرون أن الإصلاح والمطالبة به مسؤولية جماعية تبدأ من رفع الصوت والمطالبة بالحق.
خروج هؤلاء الشباب في مظاهرات سلمية، يرفعون شعارات تُنادي بإصلاح التعليم، وتحسين الخدمات الصحية، وتوفير فرص العمل، ومحاربة الفساد، لم يكتسِ طابعًا سياسيًا بقدر ما كان صرخة من القلب تعكس حبًّا صادقًا للوطن، ورغبة في العيش بكرامة تحت شعار الله، الوطن، الملك، وهو ما تُترجمه دعواتهم لجلالة الملك بإقالة الحكومة.
لقد أظهر هذا الجيل وعيًا كبيرًا في لحظاته الأولى من الإضراب، إذ اختار وسائل التواصل الاجتماعي كمنصّة لإيصال صوته، بعيدًا عن الأساليب التقليدية. فـ”تيك توك” و”إنستغرام” و”ديسكورد” أصبحت ساحات للنقاش والتعبئة، ومجالًا لإبداع أفكار سلمية وحضارية، متشبّعة بقيم التمغربيت، وتُترجم ليس فقط صوته بل صوت الأجيال التي سبقته. ورغم بعض الأحداث المؤسفة التي رافقت بعض الاحتجاجات، فإن الرسالة الجوهرية التي حملها شباب زد كانت واضحة: نحن نحب وطننا، ونريد أن نعيش فيه بكرامة وعدل ومساواة، بعيدًا عن أي حسابات سياسية، ورفضًا قاطعًا لتبنّي حراكهم من أي مؤسسة سياسية كانت أو جمعوية أو نقابية.
غير أن الطريق أمام هذا الجيل ليس سهلًا كما يظن البعض، فالتغيير يحتاج إلى صبرٍ وحكمةٍ وحوارٍ بنّاء بين الدولة والشباب. فالحكومة مطالبة بالإنصات الجاد، وتبنّي الإصلاحات التي تُعيد الثقة في المؤسسات، كما أن الشباب مطالبون بالحفاظ على سلمية حركتهم، وإظهار نضجهم في التعبير عن آرائهم.
إنّ جيل زد المغربي ليس جيل الرفض فقط كما أراد البعض تصويره، بل هو جيل الأمل والعمل والإبداع، يحمل أحلامه من الواقع إلى العوالم الافتراضية. فهم طاقة وطنية هائلة قادرة على دفع عجلة التنمية إذا وُضعت في المسار الصحيح. ولأنه من واجبنا جميعًا أن نُصغي إليهم، فإن مستقبل المغرب يُكتب اليوم بأيديهم وأحلامهم، فقط يجب فهم لغتهم وتعبيراتهم الجديدة التي تستمد قوتها من مطالبهم المشروعة.