مجتمع

حين يخرج الفاشلون من جحورهم.. بين إصلاح الدولة وتجييش الشارع

حين يخرج الفاشلون من جحورهم.. بين إصلاح الدولة وتجييش الشارع

من حسنات التعبيرات الشبابية أنها أخرجت مجموعة من الفاشلين النائمين من جحورهم، وبعض ممن انتهت مدد صلاحيتهم، فوجدوها مناسبة لإعادة التموقع في سياق مغربي يعرف إصلاحات حقيقية قد تقطع مع مصالح البعض، خاصة في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية.

وهي مناسبة لطرح مجموعة من الأسئلة:

من ليست له مصلحة في ضبط حكامة القطاع الصحي وتأهيل قطاع الصحة العمومية المهترئ منذ عقود وليس اليوم؟

من سيفقد امتداداته إذا ما نجح تعميم تجربة مدارس الريادة وأصبحت المدارس العمومية قبلة للآباء؟

من يفقد سيطرته من خلال السجل الاجتماعي ورقمنة المؤشر الذي يستفيد من خلاله المواطنون من الدعم الاجتماعي والتغطية الصحية المجانية؟

إن مجموعة من الأطراف ترى في الإصلاحات العميقة التي تشهدها المنظومة الاجتماعية اليوم نهاية لعهد كانت تقتات فيه في صمت مطبق على مصالحها، وترعى من يدافعون عن عائدها الريعي الحقيقي. والحال اليوم أن هؤلاء، وإن لم يدفعوا بالتعبيرات الشبابية، فقد ركبوا على أمواجها، فخرجوا وكأنها سفينة الإنقاذ التي ستعيدهم إلى نقطة البداية.

فخرج لنا مسؤولون سابقون راكموا الفشل تلو الآخر، وكانوا سببا مباشرا فيما نعيشه اليوم بفعل براعتهم في التعطيل التنموي. وخرجت لنا صفحات ومواقع مأجورة، حتى الأطفال يعلمون من يدفع لها، كي تلمّع صورة أسيادها الذين ساهمت تناحراتهم في تأجيج الفوضى الرقمية التي تُصنع بعناية، حيث يُراد لها أن تكون صوت “البديل” و”الضمير الشعبي”، بينما هي في الحقيقة أداة بيد من خسروا مواقعهم في المشهد السياسي والإداري الجديد.

الذين يتحدثون اليوم باسم الشباب، هم في الأصل من صمتوا حين كانت الأبواب مفتوحة للإصلاح، ومن تفرّجوا على الوطن يُبنى لبنة لبنة، ولم ينبسوا بكلمة يوم كانت الحكومات السابقة تزرع الفشل في قطاعات التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية. واليوم، يطلّون علينا بوجه “المعارض الغاضب” بعد أن فاتهم القطار، يحاولون ركوب الموجة، غير مدركين أن الزمن تغيّر وأن المغاربة أصبحوا أكثر وعياً وتمييزاً بين النقد الصادق والتجييش الموجّه.

من المضحك أن بعض من يتبنون خطاب “العدالة الاجتماعية” اليوم هم أنفسهم من أفشلوا صناديق الدعم، ومن اختزلوا العدالة في امتيازات شخصية ومصالح ضيقة. كيف لهم أن يتحدثوا اليوم عن الشفافية وهم من خبأوا الحقائق لعقود؟ كيف لهم أن يتحدثوا عن الشباب وهم لم يفتحوا أمامهم باباً واحداً للمشاركة السياسية حين كانوا في موقع القرار؟

الإصلاحات التي يشهدها المغرب اليوم ليست مجرد عناوين حكومية؛ إنها إعادة بناء شاملة لمنظومة اجتماعية أراد البعض أن تبقى مريضة لكي يظلوا أوصياء عليها. الإصلاح الصحي يهدد لوبيات الأدوية والصفقات، والتعليم العمومي حين ينهض يقطع الطريق أمام المدارس الخاصة التي كانت بئراً لا تنضب للربح السهل. أما السجل الاجتماعي الموحد، فهو كابوس لكل من كان يتاجر في حاجة المواطن.

في نهاية المطاف، لا يمكن لمن خسر رهانه على الفوضى أن ينتصر على من آمن بالإصلاح. المغرب يسير في مسار واضح، تحت قيادة إصلاحية تؤمن بالعمل الهادئ والمسؤول، وليس بالصراخ أو الارتزاق الرقمي. هذه ليست “موجة” عابرة كما يريد البعض تصويرها، بل لحظة فارقة تُفرز من يريد البناء ومن يريد العودة إلى الماضي.

وما بين من يُصلح ومن يُحرض، سيظل التاريخ منصفاً. سينسى المغاربة أسماء الصفحات والمهاجمين، لكنهم سيتذكرون جيداً من وقف في صفهم، من أصلح مدرستهم ومستشفاهم، ومن وفر لهم حماية اجتماعية تحفظ كرامتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News