تجاهل بند “التحكيم” في عقد الشغل يُلغي حُكما قضائيا بتعويض أجير عن الطرد التعسفي

أقر قرار حديث لمحكمة النقض قاعدة تنص على أن وجود شرط تحكيمي صريح في عقد الشغل، يلزم الطرف الذي يبادر بالدعوى أن يلتزم بهذا الشرط ويلجأ إلى التحكيم أولاً قبل اللجوء للقضاء العادي، ملغية بذلك حكماً ابتدائياً، تم تأييده استئنافيا أيضاً، يقضي بتعويض أجير عن الطرد التعسفي وأعادته للمحكمة صاحبة الحكم.
ويستفاد من وثائق القضية أن المطلوب في النقض تقدم بتاريخ 2021/03/08 بمقال افتتاحي لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء يعرض فيه أنه عمل لدى طالبة النقض منذ تاريخ 2015/06/22 بأجرة إجمالية شهرية قدرها 40466,23 درهما، إلى أن تعرض للطرد بصفة تعسفية بتاريخ 2021/02/21، ملتمسا الحكم له بالتعويضات المترتبة عن ذلك.
وبعد جواب المدعى عليها و فشل محاولة الصلح بين الطرفين وانتهاء الإجراءات المسطرية صدر الحكم الابتدائي وقضى بالتعويضات عن الضرر والفصل والإخطار ورفض الباقي، استأنفته الطالبة فقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف وهو القرار موضوع الطعن بالنقض.
وتعيب الطاعنة على القرار المطعون فيه أنه من جهة، استبعد مسطرة التحكيم المنصوص عليه في البند 15 من عقد العمل، فالثابت من وثائق الملف أن المشغلة التي لم تحترم البند المذكور لما شرعت بتطبيق مسطرة الفصل المنصوص عليها في المواد 62 إلى 64 من مدونة الشغل والتي انتهت بقرار فصل الأجير دون أن تسلك مسطرة التحكيم أولا.
وذكرت محكمة النقض بأن التحكيم يعد وسيلة بديلة لفض المنازعات بين الأطراف يتم بموجبه سلب الاختصاص عن قضاء الدولة على أن تبت في النزاع هيئة تحكيمية يختارها الطرفان بموجب عقد أو شرط التحكيم.
واعتبرت المحكمة أنه “لئن تم اختيار التحكيم كوسيلة بديلة لفض المنازعات بين الطرفين، فإن ذلك لا يلغي البتة إجراءات مسطرة الفصل التأديبي المنصوص عليها في المواد 62 وما يليها من مدونة الشغل والتي يعتبرها المشرع المغربي قواعد آمرة من النظام العام، لا يجوز مخالفتها الغاية منها فتح المجال للطرفين من أجل الوقوف على حقيقة الأخطاء المرتكبة من طرف الأجير ومنحه الفرصة للدفاع عن نفسة.
ورأت من ثم، أن المشغل ملزم باتباعها في جميع الحالات، سواء عرض النزاع فيما بعد على قضاء الدولة أو قضاء التحكيم تحت طائلة اعتبار الفصل تعسفيا. كما أن البند 15 من عقد العمل ينص صراحة أن جميع النزاعات المتعلقة بتنفيذ أو إنهاء العقد يتم البت فيها طبقا لنظام التحكيم المعمول به لدى محكمة التحكيم المغربية، و”من ثم فإن واقعة نشوب النزاع في نازلة الحال تتحقق فعليا انطلاقا من مرحلة منازعة الأجير في قرار الفصل، أي بعد أن تكون مسطرة الفصل قد استنفذت بكاملها، و من غير المنطقي اعتبار مجرد الشروع في إجراءات الفصل قرينة على تحقق النزاع”.
وعاب القرار على محكمة الاستئناف اعتبارها ضمنيا أن تاريخ نشوء النزاع ينطلق من تاريخ استدعاء الأجير لحضور جلسة الاستماع، والحال أن الغاية من الاستدعاء هي استفسار الأجير عن الأخطاء المنسوبة إليه أثناء جلسة الاستماع مع تحرير محضر بذلك. و”بالتالي، فإن القرار يتخذ بشكل لاحق بعد أن يستجمع المشغل جميع المعطيات اللازمة بحيث يقرر فصل الأجير أو التخلي عن المسطرة في حالة عدم ثبوت الخطأ، كما أن الأجير يمكنه الإذعان لقرار الفصل والتخلي عن المنازعة فيه متى كان مبررا ومستندا على أخطاء ثابتة” تقول محكمة النقض.
واعتبرت محكمة النقض أن محكمة الاستئناف خرقت مقتضيات الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود حين استبعدت مسطرة التحكيم لهذه العلة، وذلك ضدا على إرادة طرفي العقد المعبر عنها صراحة في البند 15 من عقد العمل، كما خرقت مقتضيات المواد 62-63-64 من مدونة الشغل التي تعتبر إجراءات مسطرة الفصل من القواعد الآمرة ومن النظام العام لا يجوز مخالفتها ولو باتفاق الأطراف.
وحيث أنه باستقراء تعليل محكمة الاستئناف، يتضح بجلاء أنها استلهمت موقفها من قراءة خاطئة و ترجمة حرفية لنص رسالة الفصل المحررة باللغة الفرنسية. بحيث اعتبرت خطأ أن ورود مصطلح tribunal competent برسالة الفصل يعتبر تنازلا عن الشرط التحكيمي لفائدة قضاء الدولة. والحال ان هذه العبارة tribunal أو ترجمتها باللغة العربية للمحكمة لا تنسحب فقط على القضاء الرسمي أو ما يعرف بقضاء الدولة و إنما يشمل أيضا قضاء التحكيم أو المحكمة التحكيمية متى تضمن العقد شرطا تحكيميا صريحا.
وخلصت المحكمة إلى أنه “حيث إن حسن سير العدالة ومصلحة الطرفين يقتضيان إحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى، وبغض النظر عن باقي ما أثير؛ ولهذه الأسباب قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه و إحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها للقانون، و تحميل المطلوب في النقض الصائر”.