دراما أمازيغية بعيون مخرجين لا يتحدثونها يُهدّد الهوية بالأعمال التلفزية

تثير قضية إسناد مهمة إخراج الأعمال الدرامية الأمازيغية لمخرجين غير ناطقين بها، يستعينون بمترجمين للتواصل مع الممثلين داخل بلاطوهات التصوير، موجة استياء في أوساط مهنيي الدراما الأمازيغية، الذين يعتبرون هذا التوجه إقصاء للكفاءات الإخراجية الأمازيغية، وتفويتا لفرص الشغل أمامهم.
ويُشرف عدد من المخرجين غير ناطقين بالأمازيغية في الفترة الأخيرة على إخراج مشاريع درامية ناطقة بـ”تيفيناغ”، تنجز لفائدة القناة الثامنة، والذين تُفتح أمامهم فرص الاشتغال أيضا في قنوات تلفزية مغربية أخرى، ما يثير تساؤلات في صفوف الفاعلين الأمازيغيين حول مدى احترام خصوصية هذه الدراما وهويتها الثقافية.
وفي هذا السياق، يرى فاعلون في المجال أن اللغة الأمازيغية ليست مجرد أداة تواصل، بل مكون أساسي من مكونات الهوية الفنية والثقافية التي يفترض أن يكون المخرج متمكنا منها، لضمان انسجام الرؤية الإخراجية مع خصوصية النص والمحيط واللغة.
وفي هذا الإطار، قال الناقد الفني والسيناريست والإعلامي محمد بلال إن هذه المسألة تتردد كثيرا في كواليس المخرجين والممثلين الأمازيغيين، خاصة عند اقتراب موعد تصوير الدراما التلفزيونية، وبعد الإعلان عن نتائج طلبات العروض.
وأضاف بلال أن الموضوع أصبح يثير جدلا واسعا في الوسط الفني، إلى جانب امتعاض لدى المخرج الأمازيغي على وجه الخصوص، الذي يرى أنه الأجدر بإخراج الأعمال الدرامية الأمازيغية، لكونه الأقرب إلى الثقافة الأمازيغية، التي يمتلك مفاتيحها، ولأنه الأقدر على التعبير عن الهوية الأمازيغية، التي يتشبع بها بكل حمولتها الفنية والثقافية والتاريخية.
ويرى بلال، في تصريحه لجريدة “مدار21″، أن المخرج الأمازيغي يعتبر إسناد إخراج الدراما الأمازيغية إلى مخرجين غير أمازيغيين تفويتا لفرص الشغل وتضييقا على الكفاءات الأمازيغية، إضافة إلى أن عدم تمكن المخرج غير الأمازيغي من اللغة الأمازيغية يخلق، في نظره، نوعا من الهوة بينه وبين الممثلين، الذين يتمسكون بموقف مبدئي مفاده أن المخرج الأمازيغي هو الأحق بهذا الدور.
ويؤكد بلال أن اللغة الأمازيغية، إلى جانب أهميتها في التواصل مع المحيط، تُعد ضرورية في مراحل المونتاج، وتُمثل أداة لا يمكن الاستغناء عنها، وهي مهمة منوطة بالمخرج نفسه، لا بالكوتش أو المترجم، خاصة خلال هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة من العملية الإنتاجية، وأن الحفاظ على مضمون العمل وضمان تقبله من طرف المشاهد، يتطلب إلمام المخرج ببيئة العمل الأمازيغية ومكوناتها الثقافية.
ويشير بلال، انطلاقا من تجربته في كتابة السيناريو، إلى أن إسناد إخراج الدراما الأمازيغية لمخرج أمازيغي يُعبر في الأصل عن احترام المنتج لهذه الدراما بكل تجلياتها.
وأضاف في السياق ذاته: “لا ننكر أن بعض المخرجين غير الأمازيغيين قدموا تجارب مقبولة، مستعينين بالمترجم أو الكوتش، لكنها لم تخلُ من منوشات ونقاشات، بل وأحيانا من السخرية داخل بلاطو التصوير، لأن الممثل الأمازيغي يرى أن المخرج الأمازيغي هو الأجدر، لعدة اعتبارات، من بينها إلمامه بالفن والتراث والثقافة الأمازيغية، وقدرته على التواصل المباشر مع الممثلين بلغتهم الأصلية، إلى جانب الإحساس المشترك الذي يجمعهم جميعا، وهو الانتماء إلى البيئة الأمازيغية بكل مكوناتها”.
وشدد بلال على أن الأهم من كل ذلك هو أن يمتلك المخرج الأمازيغي موهبة الإبداع والقدرة على تقديم رؤية إخراجية متكاملة، تتسم بالجمالية الفنية والابتكار، بما يليق بمستوى وذكاء المشاهد.
واختتم بلال تصريحه بالتأكيد على أن المشاكل الحقيقية غالبا ما تظهر بعد الانتهاء من التصوير، وتحديدا في غرفة المونتاج، إذ يتحمل المخرج المسؤولية الكاملة عن العمل، وليس الكوتش أو المترجم، لأنه هو من يضع اللمسة النهائية ويوقع على المشروع ككل.