تخفيض أسعار الأدوية يُشعِل مواجهة بين الصيادلة وجمعيات حماية المستهلك

دخلت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك على خط احتقان بين الصيادلة ووزارة الصحة، داعية الحكومة المغربية إلى عدم الرضوخ لأي “ابتزاز مهني أو نقابي” بخصوص تخفيض أسعار الأدوية، داعية هيئات الرقابة إلى فتح تحقيق معمق للتصدي لأي مظاهر الاحتكار أو التواطؤ السعري في القطاع.
وأبدت جمعيات المستهلك، في بيان توصلت جريدة “مدار21” بنسخة منه، قلقها البالغ إزاء بلاغ احتجاج كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب على مشروع المرسوم الذي أعدته وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بخصوص تخفيض وتحديد أثمنة الأدوية.
وأكدت دعمها الكامل واللا مشروط لمشروع وزارة الصحة الرامي إلى تخفيض أسعار الأدوية، باعتباره “خطوة إيجابية في اتجاه تعزيز الحق الدستوري للمواطن في العلاج والرعاية الصحية”.
ورفض البيان ما وصفه بـ”محاولات للضغط على الحكومة أو تعطيل المرفق الصحي الحيوي للصيدليات، عبر التلويح بالإضراب”، مشددة على أن ذلك يشكل “تهديدا مباشرا للأمن الدوائي وصحة المواطنين”.
وأبرزت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك أن تخفيض أثمنة الأدوية “لا يمس بكرامة الصيادلة، بل ينسجم مع أخلاقيات المهنة ومبدأ الخدمة العمومية، ويدعم الثقة بين الصيدلي والمستهلك”.
وطالبت السلطات الحكومية بـ”عدم الرضوخ لأي ابتزاز مهني أو نقابي، والتسريع بتنزيل آليات مراقبة ومراجعة أثمنة الأدوية بما يضمن الشفافية وعدالة الأسعار”.
وناشدت الجامعة مجلس المنافسة والهيئات الرقابية المختصة بفتح تحقيق معمق حول مدى احترام مبادئ المنافسة الحرة والنزيهة داخل القطاع الصيدلي، والتصدي لأي مظاهر الاحتكار أو التواطؤ السعري”.
وشدد المصدر ذاته على أن “كرامة المواطن لا تقل عن كرامة المهني، وأن كلفة العلاج المنخفضة ليست امتيازا، بل حقا مكتسبا وجب الدفاع عنه بقوة القانون والمجتمع”.
وأشارت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك إلى أن “صحة المواطن المغربي فوق كل اعتبار، وزمن القرارات الأحادية لصالح مصالح ضيقة قد ولى، والمرحلة الراهنة تقتضي التوازن بين استقرار المهنيين وضمان حق المواطنين في الولوج للدواء بأثمنة معقولة مما يتماشى مع التوجهات الملكية السامية الرامية إلى تعميم التغطية الصحية”.
وأثار مشروع المرسوم الذي أعدته وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بخصوص تخفيض وتحديد أثمنة الأدوية غضب كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، التي أعلنت رفضها القاطع له في بلاغ أول أمس الخميس.
وترى الكونفدرالية أن الصيغة الجديدة تمثل “تراجعا خطيرا” في إصلاح القطاع الدوائي، مشيرة إلى أن القرار اتخذ بشكل “أحادي، دون أخذ ملاحظات المهنيين بعين الاعتبار، ما يشكل إخلالا بمبدأ المقاربة التشاركية”.
وعدت للكونفدرالية المرسوم “تهديدا مباشرا” لصيدليات القرب، مؤكدة أن تطبيقه بالصورة الحالية قد يؤدي إلى انهيار التوازنات الاقتصادية داخل القطاع، ويمس بشكل خطير الأمن الدوائي الوطني.
واستنفر البلاغ الصيادلة للانخراط في الأشكال النضالية التي سيتم الإعلان عنها، ملوحا بإضراب وطني يشمل غلق جميع صيدليات المملكة، مبرزة أنه سيتم التنسيق بشأن القرار مع باقي النقابات المهنية لضمان وحدة الموقف.
دواء بسعر منخفض… ولكن بأي ثمن على صحة المواطن؟
⚖️ إصلاح لا يُضعف المنظومة: حماية الصيدليات القريبة هو ضمان لصحة المغاربة
بينما يستعد المغرب لتنزيل إصلاح طموح يهدف إلى تخفيض أسعار الأدوية، يجد الصيادلة أنفسهم في مرمى الاتهام. هناك من يتهمهم بالدفاع عن مصالح ضيقة أو بمحاولة عرقلة الحق في العلاج.
لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. نحن الصيادلة لسنا ضد التخفيضات المدروسة، بل نساند حق المواطن الكامل في الولوج إلى الدواء.
غير أن الدواء، حتى وإن أصبح أرخص، يفقد معناه إذا أصبح غير متوفر، أو غير مرفق بالنصيحة، أو بعيد المنال، أو معرض للخطر.
📍 انخفاض الهامش = تراجع في القرب والخدمة
في الأحياء الشعبية كما في القرى، تُعد الصيدلية غالباً المدخل الأول والأسرع إلى المنظومة الصحية:
• لا حاجة لموعد،
• لا مقابل مادي للاستشارة،
• وإرشادات علاجية مجانية وفورية.
كل هذا يُمول اليوم من خلال هامش الربح الثابت الذي يغطي تكاليف التخزين، التبريد (للأنسولين واللقاحات)، أجور الموظفين، والكهرباء وغيرها من المصاريف.
إذا انهار هذا الهامش، فلن تختفي أرباح الصيدلي فقط، بل ستختفي معه الخدمة الصحية اليومية.
🚨 خطر “المناطق الخالية من الصيدليات”
إغلاق صيدلية واحدة قد يعني لمريض مزمن أو مسن أو أم وحيدة، قطع مسافة 15 أو 20 كيلومتراً من أجل دوائه.
و”التوفير” في ثمن علبة دواء بـ 5 دراهم قد يعني فعلياً خسارة 50 درهماً أو أكثر في النقل، أو فوات جرعة، أو مضاعفات صحية خطيرة.
👉 وهذا ليس تخميناً. لقد شهدته بلدان عديدة حيث أدى إغلاق الصيدليات إلى ظهور ما يُعرف بـ “مناطق صحية محرومة” أو “deserts pharmaceutiques”.
⛓️ ضعف الهامش يهدد توفر الدواء وسلامته
عندما لا يغطي هامش الربح تكلفة التشغيل:
• لا يمكن للصيدلي توفير جميع الأدوية المطلوبة،
• تبريد الأدوية الحساسة لا يصبح مضموناً،
• وتتكرر حالات انقطاع الدواء.
وفي النهاية، يجد المريض نفسه يتنقل من صيدلية إلى أخرى، أو يلجأ للأسواق الموازية، مع ما تحمله من مخاطر التزوير وعدم الرقابة.
🤝 لسنا ضد الجنيس المغربي… بل ندافع عن استمراريته
ندعم بكل وضوح الصناعة المحلية والدواء الجنيس المغربي.
لكن نجاح هذا التوجه يتطلب شبكة صيدليات قادرة على توزيعه، تتوفر فيها السلامة، التتبع، والمرافقة العلاجية.
👉 إضعاف الصيدليات هو في النهاية إضعاف للجنيس نفسه.
✅ ما نطالب به:
1. نعم لأسعار عادلة، ولكن بناءً على التشاور.
2. نعم لتشجيع الجنيس المغربي، ولكن ضمن شبكة قوية وآمنة.
3. لا لخفض الأسعار دون دراسة، وبما يُفقد المواطن حقه في التوفر والجودة والنصيحة.
4. نطالب بإصلاح متوازن يحمي القدرة الشرائية ويحافظ على استمرارية الخدمة الصيدلانية.
📌 خلاصة:
الاقتصاد الصحي لا يجب أن يضرب الاقتصاد المحلي للصحة.
للمغرب مصلحة في إنجاح هذه الإصلاحات، لكن ذلك لا يمكن أن يتم ضد الصيادلة، ولا بدونهم.
ندعو جمعيات المستهلكين، والجهات الرسمية، والمجتمع المدني، إلى دعم رؤية متوازنة وعادلة للدواء:
سعر مناسب؟ نعم.
لكن ليس على حساب القرب، ولا على حساب الأمان، ولا على حساب استمرارية العلاج.