تربية وتعليم

رحمة بورقية تشرّح واقع المدرسة المغربية وتقدم وصفتها للإصلاح

رحمة بورقية تشرّح واقع المدرسة المغربية وتقدم وصفتها للإصلاح

قالت رحمة بورقية، رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أنه من خلال التاريخ الحديث للتربية والتكوين، يتبين أن “زمن تحقيق الإصلاحات على أرض الواقع يبدو زمنا بطيئا، تتخلله قطائع تتحدى أحيانا عزيمتنا وثقتنا في الإصلاح. ويعود ذلك إلى عدة عوامل تواتَر تشخيصها في تقارير مختلفة”.

وأكدت بورقية، المعينة حديثا من طرف الملك محمد السادس على رأس المجلس، في كلمتها في افتتاح دورة الجمعية العامة، اليوم الأربعاء، أن هذا الواقع يدعو بإلحاح إلى أن نزاوج في تفكيرنا وانشغالاتنا، بين الاقتراحات الإصلاحية، وفي نفس الوقت التفكير في الآليات الضرورية التي يجب توظيفها لإنجاح الإصلاحات وتقليص زمنها، وأيضا تلك الكفيلة بتدبير التغيير المرغوب، مُنطلقنا في ذلك، القانون – الإطار الذي يُعدُّ الأرضية المعيارية للإصلاح.

واعتبرت أنه بقدر ما تكون الرؤية والقانون واضحين بالنسبة لما نريده لتعليمنا، وواعين بمَواطن النقص، بقدر ما تواجهنا صعوبات جليّة في تسريع الإصلاحات، وفي تعبئة كل القوى الحية حوله، في عالم متقلب يضع منظومات التربية والتكوين على المحك”.

وشددت بورقية على أنه لا يجب أن يغيب عن كل فاعل في المنظومة التربوية، أن شريحة واسعة من الأسر تتطلع إلى تربية وتعليم بناتها وأبنائها؛ وترى في ذلك وسيلة أساسية لتفعيل المصعد الاجتماعي. وإننا ندرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة الوعي التاريخي بأن على كل الفاعلين في منظومة التربية والتكوين أن يلتفوا حول الارتقاء بمنظومتنا التربوية، لأن الأمر يتعلق بمصير أجيالنا الحالية التي ستقود بلدنا نحو المستقبل.

ولفتت إلى أن مخرجات نظامنا التعليمي تلازمها مفارقات، تكمُن في ظاهرتين متناقضتين، الأولى، تتجلى في كون نظامنا التعليمي ينتج فئة من أجوَد الخريجين، ويحقق لها مستوى مشرفا من التعليم والتكوين، قد يضاهي ما تعرفه أحسن الأنظمة التعليمية على الصعيد الدولي، ويؤهِّل فئة من حاملي شهادة البكالوريا لولوج أحسن الجامعات والمدارس العليا في العالم، كما يحقق الباحثون المغاربة، من خريجي المنظومة التعليمية المغربية، الريادةَ في مختلف العلوم لدى المختبرات العلمية والجامعات الأجنبية، ويذكرنا هذا الأمر أن منظومتنا التعليمية تتضمن قدرات مهمة، وتستطيع إنتاج الأحسن والأجود؛

أما الظاهرة الثانية، بحسب رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التي تُبيِّنها نتائج الدراسات والتقييمات الجادة، والأبحاث المتعددة؛ المغربية منها والأجنبية، تتجلى في معضلةُ التكرار التي تعاني منها ومن آثارها شريحة من التلاميذ يواجه عددٌ منهم معضلة الانقطاع الدراسي، الذي يقذف بجزء لا يستهان به خارج المدرسة، دون استكمال التعليم الأساسي، ودون الاستفادة من البرامج التعليمية بالثانوي الإعدادي والتأهيلي، ودون اكتساب المهارات الأساسية للاندماج في الحياة المهنية والاجتماعية.

وأوضحت أن التحدي الذي يواجه الإصلاح في تقليص حجم هذه الفئة المتضررة من الانقطاع، يكمن في أفق القضاء التام على هذه المعضلة، التي تظل مصدر تغذية لظاهرة الأمية والهشاشة والفقر المادي والفكري، وتُعطّل كل آلية للارتقاء الاجتماعي في البلاد، مؤكدة أن هذا “الواقع ، يتطلب منا الاهتداء إلى مكامن الضعف وتجلياته في الهدر المدرسي في المنظومة التعليمية، واستهدافها بالتصحيح العميق والمستدام، ونحن نعرف أن الوزارة الوصية منكبة على هذه الفئة بتجربة برنامج المدارس الرائدة للحد من التكرار والانقطاع”.

وأبرزت أن المجلس والفاعلين مدعوون إلى النظر إلى المرحلة التي نحن مقبلون عليها، كمرحلة حاسمة لتحقيق تغيير لتعميق وتسريع الإصلاحات الأساسية، وابتكار الآليات الجديرة بتحقيقها على أرض الواقع، “وقد لن يتأتى ذلك، دون استهداف ما هو بنيوي؛ لأننا استنفدنا زمن الإصلاح، وأضحى هذا المفهوم يفقد معناه”.

وشددت على ضرورة الوعي أن التربية والتكوين والبحث العلمي في كل بلدان العالم، تعيش دائما على وقع التغيير المستمر، وهي دائمة التجدد، لأن التطور هو سيرورة ضرورية في ظل التحول الذي يحدث على مستوى علوم التربية ونظريات التعلم، والمعارف العلمية، بالإضافة إلى التحديات التي تفرزها كل مرحلة من مراحل تحول المجتمع والعالم؛ مما يتطلب من المؤسسات المعنية، ومن كل فاعل في مجال التربية والتعليم، أن يساير هذا التحول بيقظة مستمرة، في سياق نموذج تربوي مبتكر، من شأنه أن يحقق النقلة النوعية لهذا القطاع.

واسترسلت موضحة: “من المعلوم أن هناك مشاريع تجريبية في طور الإنجاز، والتي لا يمكن أن يتم الحسم في نتائجها إلا عند تعميم تطبيقها على أرض الواقع. وتستلزم هذه المرحلة من كل المؤسسات المتدخلة في التربية والتكوين والبحث العلمي، رغم اختلاف مهامها، أن تحقق هدف التقائية جهودها للارتقاء بالتربية والتكوين والبحث العلمي، وإنجاح التحول المنشود، الكفيل بإحداث الأثر الملموس على مكامن الضعف في المنظومة التعليمية. كما أننا في حاجة ماسَّة إلى تفعيل آليات التشاور والتوافق حول منظور تفعيل مقتضيات القانون – الإطار؛ والجميع يعلم أنه مهما كانت أهمية ووجاهة القانون، فهو يحتاج إلى تفكير ورؤية دقيقة لتفعيل أحكامه خارج أي تأخير”.

وقالت بورقية إنه من اللازم استحضار، ضمن التوجيهات الملكية، ما دعا إليه الملك في خطبه، وخاصة في خطاب 20 غشت 2012 حين قال: “عندما نتطرق لموضوع الشباب، فإننا نستحضر تحديات الحاضر وآفاق المستقبل”. لقد كان هذا الخطاب سنة 2012، استشرافيا يتأكد اليوم بالتطور السريع للتقدم العلمي والتكنولوجي، الذي يُحتّم علينا التفكير في ثورة القرن الواحد والعشرين، التي تصاحبها تحديات مستجَدة نجد أنفسنا ملزمين برفعها في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي.

كما اعتبرت أن التقدم العلمي والتكنولوجي في مجال علوم الأعصاب (les neurosciences)، والذكاء الاصطناعي، وما يطرحانه من قضايا جديدة سيكون لها أثر على مقاربات ومضامين تربية النشء في العالم المعاصر، وأن “هذا التقدم المتسارع يدفعنا اليوم إلى طرح السؤال التالي: كيف يمكن لنا أن نهيئ الجيل الجديد للتعايش مع الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، بتكوين وبتربية رقمية؟”.

وأضافت :”إن جيلا بكامله من بناتنا وأبنائنا يصادف هذه الثورة الرقمية، ويلج فضاء المنصات المتنوعة ، غير أن ذلك يتم بدون تربية رقمية تمنح هذا الجيل مقومات الحس المدني الرقمي”.

ولفتت إلى أن هذه الثورة التكنولوجية مباغتة لمنظومتنا وهي في خضم سيرورة إصلاحها. والواقع أن اليافعين والشباب ولَجوا عالما افتراضيا لا يخضع لأي ضوابط، ولا يحكمه أي تقنين، ولا أي معايير أخلاقية للاستعمال والتوظيف. “وهذا ما يدفعنا إلى مُساءلة الطريقة التي ستسلكها المدرسة في تربية النشء، بغية تسهيل مسايرته لهذا التحول بدون مخاطر أو خسائر؛ ذلك أننا نعرف أن جيلا بكامله يعيش اليوم في العالم الرقمي بشكل يومي؛ مما يطرح التساؤل حول دور التربية والتكوين وقدرتها على مسايرة هذا التحول، بتربية جديدة ومتجددة”.

وفي مجال التربية، قالت إن المغرب مطالب بالوعي أن واقعا جديدا وقد يكون ملتبسا، “ذلك أننا نعيش تحولا عميقا من حيث أثر وسائل التواصل الاجتماعي على ملَكات تفكير جيل لم يخضع لتربية رقمية، ولم تكن مؤسسات التربية مهيأة لاستيعاب تأثيرها على النشء، ولا على الروابط الاجتماعية. لذلك، بات من الضروري إدراج التربية على الحصانة الرقمية في منظومتنا التربوية”.

ولفتت إلى أن التقدم التكنولوجي يتحدى قدرة منظومتنا على مسايرته، نظرا لِتواتر الاكتشافات المتسارعة، المذهِلة أحيانا، وتأثيرها على مجال التربية. “وقد لا يكفي الحديث المتكرر عن الذكاء الاصطناعي في المنتديات، ولا أن يعرف التلميذ والطالب استعمال “الشات جيبيتي” Chatgpt، وإنما أن يعي المتعلم بأن عليه تنمية طريقة طرح السؤال، واكتساب ملَكة التفكير، ومهارة الكتابة، والتمكن الأمثل من اللغات”.

واعتبرت أنه “إذا لم تتدارك منظومة التربية والتكوين هذا الأمر، فسيفرز لنا العالم الرقمي، لا مَحالة، كائنات رقمية منسلخة عن الواقع، وخاضعة لسلطة الخوارزميات ولا تحكمها أية قوانين؛ لأنها ستكون خَلقت واقعها، وحددت له قوانينه”، مؤكدة أن الأمر لا يتعلق بالدعوة إلى تربية للمستقبل، وإنما هي تربية تستهدف الحاضر، مع العلم أن سرعة التطور التكنولوجي الرقمي تجبر أنظمتنا التعليمية التي تجد صعوبة في مسايرة التحول السريع، لا من حيث التجهيزات فحسب، ولكن من حيث ابتكار ثقافة رقمية لحاضر تربية اليافعين المرتادين للفضاء الرقمي.

وأوردت المسؤولة “فلم يعد ممكنا أن نربي جيلا بمضامين وأدوات ومناهج الماضي، والواقع أنه جيل يعيش في حاضر يتحداه المستقبل. كما لا يمكن أن نتعامل مع تربية جيل بكامله، استوطن فضاء التواصل الاجتماعي، بالمعرفة والبرامج التربوية التي لا تستوعب بدِقة أن الإبحار في العالم الافتراضي عبر المنصات الرقمية، لا يمنح لليافعين والشباب مفاتيحَ للتصرف؛ إذ لا يمكنهم أن يكتسبوا تلك المفاتيح إلا في المدرسة والجامعة”.

وخلصت إلى أن الأمر لا يتطلب تعلم الرقميات من زاوية الاستعمال التقني، أو توظيفها في الدروس داخل القسم فحسب، أو الاقتصار على الدعوة لاستعمال السبورة الرقمية في التدريس، وإنما أن ترافق، ما نسميه بالإصلاحات التعليمية، ثورة ثقافية رقمية جديدة، تمكّن النشء من استيعاب التعامل مع العالم الرقمي بحس نقدي يكتسبه التلميذ داخل المدرسة.

وشددت على أنه من اللازم أن نستوعب أن التعليم يقوم على ثقافة جديدة، مفادها أن التربية والمعرفة في أزمة، جراء ضياعها في فيض من الجهل الذي يجتاح شبكات التواصل الاجتماعي في الفضاء الرقمي. وتزداد حدة الأزمة في المجتمعات التي يعرف نظامها التعليمي صعوبة في إنجاح الإصلاحات الضرورية التي يقتضيها التكيف مع واقع متحول بتسارع فائق، تفوق سرعته أثر تلك الإصلاحات.

وعبرت رحمة بورقية، رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، عن فخرها بثقة الملك محمد السادس، لتولي المسؤولية التي تتثمل في رئاسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في سياق طبيعي للتعاقب على المسؤولية، لكي يواكب المجلس منظومةَ التربية والتكوين والبحث العلمي في بلادنا.

واستحضرت المجهود الذي قام به سلفها الحبيب المالكي خلال المدة الذي قضاها رئيسا للمجلس، مؤكدة أنها تتشرف بتولي رئاسة هذه المؤسسة الدستورية بعد رؤساء سابقين تعاقبوا على هذه المهمة، وتركوا بصماتهم واضحة على هذه المؤسسة، وهم عبد العزيز مزيان بالفقيه، وعمر عزيمان، والحبيب المالكي، معتبرة أن “كل من تمكَّن من مواكبة عملهم، والخدمات التي أسدَوها لهذه المؤسسة وللمنظومة التربوية على السواء، يعرف مدى مساهمتهم، وقيمتهم، ووطنيتهم المشهود لها في خدمة الصالح العام”.

وقالت إنها سبق وواكبت المجلس كعضوة في الهيئة التداولية خلال ولاية عبد العزيز مزيان بلفقيه، وفي مرحلة لاحقة كمديرة للهيئة الوطنية للتقييم خلال فترة ولاية عمر عزيمان، “والذي كنتُ أتقاسم معه الحرص على فعالية هذه المؤسسة، في ظرف عرف فيه التعليم ببلادنا منعطفا حاسما تطلَّب تعبئة الأفكار والقدرات، لكي نصل إلى المبتغى، بعدما تعثر، إلى حد ما، تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين في تحقيق القفزة النوعية للإصلاح المنشود”.

وأشارت أن هذا المجهود المبذول أفضى إلى بلورة جملة من الركائز لإصلاح شامل للمنظومة التربوية؛ إصلاحٌ، جسدته الرؤية الاستراتيجية للإصلاح-2015 2030، والقانون – الإطار 51-17؛ مشيرة أن “مما يتطلب اليوم، وفي نفس النهج، تسريع وتيرة تطبيق كل مقتضياته في حدود المدة الزمنية المتبقية من زمن هذا الإصلاح”.

واعتبرت أن قوة المجلس ورصيده تكمن في تشكيلة عضواته وأعضائه، وهم نخبة وازنة من الفاعلين والخبراء الذين أنجبتهم البلاد، “فمن المؤكد أن كل واحدة، وكل واحد سيُسهِم بخبرته ومعرفته، وبغيرته على القضايا التي تهم تربية وتكوين بنات و أبناء وطننا، حتى يساير المجلس، بمسؤولية ويقظة، منظومة التربية والتكوين و البحث العلمي بجميع مكوناتها، بتعميق التفكير وإبداء الرأي بأسلوب الإحالة الذاتية، أو جوابا على طلبات الرأي الواردة على المجلس، أو بإنجاز الدراسات، أو بأعمال التقييم، أو الإدلاء بتوصيات…؛ وكل ذلك بالتركيز على القضايا الأساسية والبنيوية ذات الوقْع الملموس على النهوض بمنظومة التربية والتكوين و البحث العلمي”.

وأردفت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي “لا خلاف في أننا لن نتمكن من النجاح في مهامنا، إلا إذا اشتغلنا وفق مقاربة تزاوِج بين: من جهة، ضمان توطيد واستمرارية ما تحقق من مكاسب، ومن جهة ثانية، ضخ دينامية جديدة تروم التركيز على القضايا التي تتطلبها المرحلة، وابتكار أساليب جديدة لضمان نجاعة عمل المجلس”.

ولفتت إلى أن المجلس هيئة دستورية، تعمل وفق المهام والصلاحيات التي خولها لها الدستور والقانون. “ففي إطار هذه المهام، عليها أن تعمل بمبدأ الموضوعية، التي لا تزعج، لكنها لا تجامل؛ إنه مبدأ يجب أن ينتظم وفقه عمل المجلس في دراساته وتقييماته وآرائه حول منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. كما أن دور المجلس يقتضي إفادة كل مكونات منظومه التربية والتكوين والبحث العلمي بمقترحات يراها صائبة وذات جدوى، كما أن واجبه يتطلب إخبار المجتمع عن الواقع الموضوعي لمدرسته وجامعت”ه.

وأبرزت أن “النتائج الإيجابية لأعمال كل المؤسسات، لا يمكن أن تتحقق دون أن يتحقق التكامل بين عمل المجلس وعمل مختلف القطاعات الوزارية المعنية، وتكون الالتقائية قائمة على الدوام، ويكون السعي المشترك في آخر المطاف، هو إحداث التأثير الإيجابي في تطور المدرسة والجامعة ومؤسسات التكوين المهني”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News