مجتمع

أسعار الأسماك بين الوفرة والغلاء.. هل تنجح جهود الإصلاح في ضبط السوق؟

أسعار الأسماك بين الوفرة والغلاء.. هل تنجح جهود الإصلاح في ضبط السوق؟

رغم وفرة الثروة السمكية في المغرب، تواصل أسعار الأسماك ارتفاعها بشكل ملحوظ، متأثرة بالمضاربة وتحكم الوسطاء في السوق. هذا الوضع يثير تساؤلات حول فعالية التدابير المتخذة لضبط الأسعار وحماية المستهلك.

في المقابل، تؤكد الجهات الرسمية أنها تعمل على تنظيم القطاع وتعزيز الشفافية، بينما يشدد المهنيون على ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من المضاربة وضمان عدالة التوزيع بين المنتجين والتجار والمستهلكين.

وسط هذا الجدل، يظل المواطن المتضرر الأكبر، مترقبًا حلولًا ملموسة تعيد التوازن لسوق السمك وتحمي القدرة الشرائية.

ويُعد المغرب من الدول الغنية بالثروة السمكية، بإنتاج سنوي يفوق 1.1 مليون طن، خاصة من الأسماك السطحية.

ورغم ذلك، لا يتجاوز استهلاك الفرد المغربي 12 كلغ سنويًا، وهو أقل من المتوسط العالمي البالغ 17 كلغ.

لكن رغم وفرة الإنتاج، شهدت أسعار الأسماك ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين.

ويعود ذلك إلى المضاربة وتحكم الوسطاء في السوق، إلى جانب عوامل أخرى، ما جعل الأسماك، رغم توفرها، بعيدة عن متناول شريحة واسعة من المستهلكين.

عبد الإله، شاب مغربي، قرر خوض معركة غير متكافئة ضد المضاربة في أسعار السمك.

من منزله في مراكش، أطلق مبادرة لبيع السردين بـ 5 دراهم فقط.

مبادرته انتشرت بسرعة، لكنها سرعان ما اصطدمت بالواقع، إذ أغلقت السلطات محله بحجة غياب التراخيص والشروط الصحية، قبل أن يتدخل والي جهة مراكش آسفي ليسمح له بإعادة فتح محله واستئناف نشاطه بشكل طبيعي.

قصة “مول الحوت”، أثارت جدلاً واسعاً بين من اعتبروه بطلاً شعبياً كشف المضاربة في أسعار الأسماك، ومن رأوا أن مبادرته غير مستدامة اقتصادياً وتضر بالتجار الآخرين.

كما اتهمه البعض ببيع أسماك بجودة منخفضة واستغلال شهرته على مواقع التواصل لتحقيق مداخيل إضافية.

مبادرة عبد الإله أشعلت فتيل الجدل في أسواق الأسماك، إذ عبّر التجار عن غضبهم من الأسعار الملتهبة، مؤكدين أن الوضع يؤثر على استقرار السوق ويزيد من الضغوط الاقتصادية عليهم.

الجدل، وصل إلى قبة البرلمان، إذ أثارت مبادرته نقاشات حادة بين النواب، حينما انتقدت البرلمانية فاطمة التامني ما اعتبرته “استهدافاً لفاضحي الفساد”، مطالبة بفتح تحقيق جدي في المضاربة التي ترفع أسعار الأسماك، بينما رأى البرلماني عبد الرحيم شفقي أن عبد الإله لعب دوراً في توعية المجتمع بضرورة محاربة الاحتكار وتعزيز الأخلاق في التجارة.

الجدل، قاد فريق “مدار21” للبحث عن آليات مراقبة سفن الصيد عند زيارتنا للمركز الوطني لمراقبة الصيد البحري، حيث يتم تتبع تحركات السفن عبر نظام متطور يهدف لضمان احترام القوانين المنظمة للصيد.

هناك، استعرض لنا رئيس المركز الوطني لمراقبة سفن الصيد البحري عبر الأقمار الاصطناعية كيفية مراقبة النشاط البحري والتحقق من الامتثال للضوابط المعمول بها.

أكد يوسف قشا، رئيس المركز الوطني لمراقبة سفن الصيد البحري عبر الأقمار الاصطناعية، أن الوزارة عملت على اقتناء هذه المنظومة المتطورة في إطار جهودها لمحاربة الصيد غير القانوني وتعزيز مراقبة السفن في البحر، وذلك ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى ضمان الاستغلال المستدام للثروة السمكية والحفاظ على التوازن البيئي والاقتصادي للقطاع.

وأوضح قشا أن هذه المنظومة تعتمد على معطيات دقيقة تشمل إحداثيات السفن، سرعتها، وتموقعها في الزمن الفعلي، مما يتيح مراقبة آنية لحركة البواخر داخل المياه المغربية، والتدخل السريع في حالة رصد أي خروقات للقوانين المنظمة للصيد.

وأضاف أن المركز يعمل بشكل وثيق مع مختلف السلطات المختصة، بما في ذلك البحرية الملكية والدرك الملكي، اللذين يقومان بدوريات بحرية منتظمة، حيث تستفيد هذه الجهات أيضًا من المنظومة لتعزيز قدراتها في تتبع السفن وضمان احترامها للضوابط القانونية، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يساهم في تحسين نجاعة عمليات المراقبة، وتوفير بيئة أكثر شفافية وتنظيمًا للقطاع، مما يعود بالنفع على المهنيين والاقتصاد البحري الوطني.

زكية الدريوش، كاتبة الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري، أكدت خلال ظهورها في برنامج “مع بلهيسي” الذي يبث على منصات مدار21، أهمية الحفاظ على الثروة السمكية، مشددة على ضرورة ضمان تكامل السلسلة الإنتاجية لتحقيق استدامة القطاع ونجاح منظومته.

وفي هذا السياق، شددت زكية الدريوش، كاتبة الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري، على أن الاستدامة تأتي في صدارة أولويات القطاع، مشددة على أن الحفاظ على الثروة السمكية شرط أساسي، إذ لا يمكن الحديث عن تنمية القطاع دون ضمان ديمومة المخزون البحري.

وأوضحت الدريوش أن الاستراتيجية لا تقتصر فقط على الحفاظ على الثروة السمكية، بل تشمل السلسلة بأكملها، بدءًا من البحث العلمي، مرورًا بالمراقبة وتتبع المسار، وصولًا إلى عمليات التصريح والتسويق.

كما أضافت المسؤولة الحكومية أن تتبع المسار يشمل معرفة ما إذا كانت الكميات المفرغة تتطابق مع الحصة المسموح بها، قبل أن يتم التصريح بها لدى المكتب الوطني للصيد، حيث تتم عملية البيع الأول. بعدها، يتم توجيه المصيد حسب الوجهة النهائية، سواء نحو السوق الداخلي أو المصانع.

وأشارت الدريوش إلى أن 80% من المصيد الوطني يتكون من الأسماك السطحية، ما يعكس أهمية هذا النوع في المنظومة الاقتصادية والبيئية للصيد البحري.

في المقابل، عزت نبيلة منيب، البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، ارتفاع أسعار الأسماك في المغرب إلى ما وصفته بوجود اختلالات عميقة في المنظومة، مشيرة إلى أن غياب الشفافية وتفشي الفساد يعيقان التوزيع العادل للثروة البحرية.

وأوردت منيب أن أحد أبرز أسباب هذا الغلاء هو استمرار العمل بنظام مأذونيات الصيد، التي تمنح امتيازات غير متكافئة لفئة محدودة من المستفيدين، مما يؤدي إلى احتكار الثروة السمكية وإقصاء العديد من الصيادين الصغار من الاستفادة العادلة من الموارد البحرية.

ودعت البرلمانية إلى ضرورة إصلاح هذا النظام واعتماد سياسات أكثر شفافية وعدالة لضمان وصول المنتجات البحرية إلى الأسواق بأسعار مناسبة، مع تحقيق التوازن بين مصالح المهنيين وحماية القدرة الشرائية للمواطنين.

من جانبه، شدد محمد بنقدور، الرئيس المؤسس للجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك، على ضرورة تدخل الجهات المسؤولة لضبط ومراقبة مسار سمك السردين، مشيرًا إلى أهمية تتبع مصادره بشكل دقيق من لحظة صيده إلى وصوله إلى المستهلك.

وتابع بنقدور أن تعزيز الشفافية في هذا القطاع يعد خطوة أساسية لحماية حقوق المستهلك وضمان عدم وجود تلاعب في الأسعار أو في جودة الأسماك المعروضة بالأسواق.

كما لفت إلى إلزامية اعتماد آليات أكثر صرامة في تتبع عمليات التوزيع، مشددًا على أن أي اختلالات في هذه السلسلة تؤثر سلبًا على المستهلك النهائي، سواء من حيث الجودة أو القدرة الشرائية.

بين وعود المسؤولين وشكاوى بائعي السمك، يظل المستهلك الحلقة الأضعف في معادلة الأسعار، متأثرًا بتقلبات السوق والارتفاع المستمر في تكلفة الأسماك.

ورغم التدابير الحكومية المعلنة لضبط الأسعار وضمان شفافية القطاع، لا تزال التحديات قائمة، وسط مطالب بائعي السمك بإجراءات أكثر فاعلية تحميهم وتحافظ على قدرتهم التنافسية.

في ظل هذا الواقع، تتواصل الجهود لإيجاد حلول ملموسة تخفف من وطأة الغلاء، بينما يترقب المواطن انعكاس هذه التدابير على أسعار الأسماك في الأسواق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News