ملاحظات على خلية “الأشقاء الثلاثة”

خلية حد السوالم التي تشكلت من الأشقاء الثلاثة تُعتبر من أخطر الخلايا التي قام الأمن المغربي بتفكيكها قبل لحظة الصفر لتجنب المغرب خطراً كان وشيكاً وحقيقياً. هذه الخلية التي أعادت للأذهان صور 16 ماي للحدث الإرهابي الذي عاشه المغرب في ظل سباق عالمي كان يشهد مواجهة مباشرة مع التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
ما بين ذلك التاريخ وحدث تفكيك خلية حد السوالم شهد المغرب تطوراً كبيراً على مستوى محاربة الجريمة الإرهابية ليكسب قدرة حقيقية في هذا المجال ظلت تُقدم كنموذج في عمل الأجهزة والمؤسسات الأمنية لمحاربة هذه التنظيمات التي تهدد الاستقرار وتشكل خطراً حقيقياً على المجتمع.
خلية “الأشقاء الثلاثة” كشفت عدة معطيات يمكن تقديمها كما يلي:
- المغرب وإن كان قد أنتج تجربته الذاتية والداخلية في مجال مكافحة الإرهاب سواء بالقانون أو بالإصلاح الديني أو بالمواجهة الأمنية، فإن التهديد الإرهابية مازال قائما ولا يمكن القول أن نجاح هذه الإستراتيجية والوصفة المغربية قد جنبته بشكل كلي خطر التهديد الإرهابي، بل يجعله في تحد دائم وسباق يومي مع الإرهاب الذي طوَّرَ من أشكال عمله وتحركه مع تطور التكنولوجيا والانفتاح المغربي على الولوج للعالم الرقمي، هذا العالم أمام حرية استعماله أصبح الإستقطاب فيه للتنظيمات الإرهابية التكفيرية سهلاً ولا يحتاج لتحرك مباشر بل أصبح الاستقطاب عن بعد بديلاً للاستقطاب التقليدي.
- المغرب ومن خلال الشكل الذي تدخل به الأمن، تدخل جاء قبل لحظة الصفر وتنفيذ العملية الإرهابية، يشير بوضوح إلى المقاربة التي يتم اعتمادها أمنياً وهي مقاربة محترفة تنبني على مفهوم قانوني مرتبط “بحالة التلبس” وبوضع يكون فيه المجرم الإرهابي قد استكمل كل الخطوات لتنفيذ مخططه الإجرامي، بهذه المقاربة في التدخل والتكون يمكن القول بأن الإجهزة الأمنية تكون قد انتقلت من التحرك “الهاوِ” إلى تحرك احترافي يحركه القانون أولاً وتحركه الرغبة في تتبع مختلف خيوط الخلايا الإرهابية مع الإحتراف في التدخل، وهو احتراف يجعل من عنصر اليقظة حاسماً في مجال مخطط محاربة الإرهاب وخلاياه.
- طبيعة الخلية المشكلة من الأسرة الواحدة يشير إلى انتقال مفهوم التنظيم الإرهابي إلى مستوى جديد وخطير، وهو مستوى ما يمكن تسميته بالتنظيم/الأسرة المبني على عنصر الخلية الأسرية حفاظاً على السرية لعدم لفت الأنتظار والإنتباه ولسهولة التواصل في ما بين أعضاءها وأيضاً سهولة الإعداد للمخطط الإرهابي، لذلك تكون الأجهزة الأمنية أمام تحدي حقيقي مرتبط بهذا الشكل الجديد للتنظيمات الإرهابية التي تتشكل من أفراد الأسرة الواحدة حيث تكون المعلومة محدودة ويكون تحرك أعضاءها له من التغطية “الأسرة” ما يجعل الشك في نواياهم صعب، يمكن القول هنا أن الأجهزة الأمنية قد تغلبت على هذا التحدي من خلال كشفها المبكر لهذه الخلية/الأسرة ومراقبتها وصولاً للحظة التدخل الناجح.
- التعاطي الشعبي مع لحظة تكفيك الخلية من طرف الأجهزة الأمنية، تعاطي برز في المشاهد التي نقلتها العدسات والكاميرات حيث كان هناك احتضان شعبي للأجهزة الأمنية التي تدخلت لاعتقال وإيقاف عناصر الخلية/الأسرة الإرهابية، وهو مشهد يؤكد من جهة وعي الساكنة بالخطر الإرهابي وبكون الفكر الإرهابي معزولاً عن عموم المجتمع ومرفوض من طرف مختلف فئاته المجتمعية، وأن الأجهزة الأمنية التي فككت هذه الخلية/الأسرة تحظى بتقدير مجتمعي كبير وهو التقدير الذي برز في تحية الجمهور للأمن لحظة تفكيك خلية الأشقاء الثلاثة، وهو الجمهور الذي ظل مرابطاً، منضبطاً لتعليمات الأمن في عين المكان، وهي لحظة تثبت أن هناك وعي بالتهديدات الأمنية وبأهمية التدخل الذي تقوم به مختلف الأجهزة لتفكيك هذه الخلايا.
- الندوة الإعلامية التي تم تنظيمها من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية بعد تفكيك الخلية الإرهابية كانت مناسبة للتواصل مع عموم الرأي العام الوطني والدولي كذلك، وهي الندوة التي تم فيها تقديم مختلف المعطيات عن الخلية لتنوير عموم المواطنين بخطورة الخلية وللتنبيه لكون الخطر الآرهابية مازال قائماً، موجوداً وجب التعاطي معه بالجدية اللازمة من طرف المواطنين، وما مناسبة تنوير الرأي العام بمستجدات هذه الخلية وبالعملية ككل إلا لحظة تحسيسية بالخطر الإرهابي، في سُنَّة محمودة تكشف الوجه الآخر لعمل هذه المؤسسة الأمنية الساهرة على الأمن ببلادنا.
- سياسة الضربات الإستباقية التي ينهجها المغرب في أسلوبه الأمني أثبت نجاعته، وجديته ومصداقيته فهو يجيب من جهة على كل المشكيين في وجود هكذا تنظيمات إرهابية، ويؤكد كذلك على نجاح النموذج المغربي أمنياً ناجح، كما أنه يؤكد على حركية الأجهزة الأمنية التي تتبع المعلومة من بدايتها وصولاً للحظة التدخل الأمني الإستباقي، قبل ساعة الصفر وتنفيذ المخطط الإجرامي، مما يؤكد على نجاعة المنهج المغربي أمنياً في محاربة الإرهاب.
خلية “الأشقاء الثلاثة” لن تكون الأخيرة، فمادام هناك توتر في مختلف بقاع العالم ومادام هناك فكر إرهابي، متطرف في العالم يجوب بحرية في العالم الإفتراضي، فإن تحدي مواجهة الخطر الإرهابي سيظل قائماً وجدياً وهو خطر لا يمكن أن يُترك الجهاز الأمني لوحده في مواجهته وفي هذه المعركة بل هي معركة الجميع، معركة المجتمع بمختلف المؤسسات لتأطير المجتمع وتحسيسه وتوعيته بخطورة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، وإذا كان الجهاز الأمني يقوم بمهمته فعلى باقي المؤسسات أن تقوم بمهامها في محاربة ومحاصرة الإرهاب فكرة وتنظيماً.