“التسوية الجبائية” تنعش رصيد “الثقة”

كثيرة هي الأمثلة الدالة على غياب الثقة بين المواطن والإدارة، والتي تصل في مرات عدة حد القطيعة أو التشكيك، لكن العملية التي أطلقتها الدولة بشأن التسوية الجبائية الطوعية، وإن اتسمت في البداية بكبير من التوجس، رفعت منسوب الثقة بين الإدارة والمواطنين.
جاءت الأرقام التي أعلنها الناطق الرسمي باسم الحكومة والتي تقدر بـ127 مليار درهم، بلغت عائداتها الضريبية بالنسبة للدولة 6 مليارات درهم، لتبرز حجم الإقبال المهم من المغاربة على الاستفادة من هذه المصالحة، والتي تحسب للوزير المنتدب في الميزانية فوزي لقجع.
دلالات نتائج العملية تتجاوز الأرقام التي تم التصريح بها، بل تتخطى ذلك بكثير إلى إنعاش رصيد الدولة بـ”عملة الثقة” التي تفتقر إليها كثير من الأمم في مناخ اللايقين الاقتصادي والسياسي الذي يحيط بالعالم.
بالفعل، الثقة هي الربح الأول من هذه العملية، خاصة وأن الاقتصاد يعد بمثابة “ترمومتر” حقيقي لا يخطئ في قياسها، ففي زمن الاضطرابات والقلاقل أول ما يقدم عليه الناس هو سحب أموالهم من البنوك، غير أن أجواء الثقة والاستقرار تشجع بالمقابل على زيادة التصريحات والرغبة في الامتثال الضريبي.
وبقدر تعبير نتائج التسوية الجبائية الطوعية عن إدراك المصرحين جدية الدولة في تطبيق القوانين الضريبية، فإن ذلك يعكس تحسن الوعي الضريبي لدى عدد من المواطنين المغاربة، ورغبتهم في الاستفادة من هذه الفرصة التي ستمكنهم من قطف ثمار التعامل في إطار القانون، ما يمنحهم شعورا بالأمان لإنعاش تعاملاتهم المستقبلية.
في جزء من نتائج هذه العملية أيضا إجابة على القلق الذي ظل يعبر عنه والي بنك المغرب، والمرتبط بالمعدلات الكبيرة لتداول “الكاش”، خاصة وأنه لم يخفِ كون البعد الثقافي يعد أهم عوائق القضاء على “ثقافة الزليجة”ّ، كما أن العملية تسهم أيضا في التخفيف ثقل الاقتصاد غير المهيكل الذي يهدر الكثير من العوائد والزمن الاقتصادي للبلاد.
ويكفي للتدليل على أهمية ضخ هذا المبلغ الكبير في الاقتصاد الوطني، استحضار أنه يتجاوز التوقعات ويشكل رقما قياسيا، حيث يزيد بعشرين مرة عن المبلغ الذي تم الحصول عليه خلال عملية مماثلة سنة 2020 إبان فترة الحكومة السابقة.
أخيرا، لا شك أن المغرب يبقى دائما بحاجة إلى جرعات مماثلة من الثقة، لخلق الأجواء والمناخ الملائم للإجابة على عدد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، وأيضا لينخرط المغاربة، مؤسسات وأفراد، في الرهانات المستقبلية، التي تكرس سعي المغرب الالتحاق بركب الأقطار المتقدمة.