منوعات

“بيت العبيد” بالسنغال.. ذاكرة حيّة لتجارة الرقيق عبر الأطلسي

“بيت العبيد” بالسنغال.. ذاكرة حيّة لتجارة الرقيق عبر الأطلسي

لا يزال “بيت العبيد” في جزيرة غوريه السنغالية يقف شاهدًا حيًّا على واحد من أحلك فصول التاريخ الإنساني، إذ كان مركزًا لتجميع الأفارقة وتسفيرهم قسرًا عبر الأطلسي نحو العبودية في العالم الجديد.

الجزيرة الواقعة قبالة العاصمة دكار، لعبت منذ القرن الخامس عشر وحتى التاسع عشر دورًا محوريًا في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، إذ جرى اقتياد ملايين الأفارقة منها إلى القارة الأمريكية.

واليوم تُعد الجزيرة المذكورة رمزًا عالميًا لهذه المأساة الإنسانية. وقد أُدرجت عام 1978 على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، كي لا تُمحى آثارها من الذاكرة الإنسانية.

– مركز لتجارة الرقيق

شُيّد “بيت العبيد” عام 1776 على يد فرنسا، وكان بمثابة نقطة تجميع وتسفير للأفارقة القادمين من مختلف مناطق غرب إفريقيا.

وتمت إعادة افتتاحه كمتحف عام 1962 وخضع لعمليات ترميم وتأهيل بدعم من الحكومة السنغالية ومنظمة اليونسكو.

في “بيت العبيد” كان يجري تقييد الأفارقة بالسلاسل واحتجازهم في غرف مظلمة ورطبة لعدة أيام، قبل أن يخضعوا لفحوص للتأكد من قدرتهم على العمل، ثم يُنقلون إلى القارة الأمريكية.

أما العاجزون عن العمل فكانوا يُباعون في الأسواق المحلية أو يُتركون لمصيرهم.

والمفارقة أن الطابق العلوي من المبنى كان يُستخدم مقرًا ومكان إقامة للتجار الأوروبيين، بينما يرزح في الأسفل بشرٌ مكبلون يتعرضون لأقسى ظروف الحياة.

وتضم جزيرة غوريه عدة منشآت على غرار بيت العبيد كانت تستخدم للغرض نفسه بعضها يرجع تاريخه إلى عام 1536، وفق وزارة الثقافة السنغالية.

– باب اللاعودة

في الطابق السفلي للبيت، يطل ممر ضيق على المحيط الأطلسي فيما يُعرف باسم “باب اللاعودة”. وكان هذا الباب آخر ما تتخطاه أقدام المُستَعبَدين قبل أن يُقتادوا إلى سفن تنقلهم بعيدًا عن أوطانهم بلا رجعة.

أما اليوم، فيقف آلاف الزوار أمام هذا الباب في صمت مهيب، يستحضرون مأساة الأسلاف، التي ستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية.

الموقع يعتبر محطة مؤثرة خصوصًا لأبناء الجاليات الإفريقية في الولايات المتحدة ومنطقة الكاريبي والبرازيل، حيث يزورونه لإحياء ذكرى أجدادهم، وغالبًا ما يغالبهم البكاء أمام هذا الباب.

وقد اكتسب البيت شهرة عالمية إضافية بعد زيارات من شخصيات بارزة مثل زيارة نيلسون مانديلا عام 1991 والرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عام 2013 الذي وقف مع عائلته أمام الباب في مشهد مؤثر خلّدته الذاكرة.

– معاناة فظيعة

وقال نيك ميلر (25 عامًا) وهو طالب أمريكي في مجال الأنثروبولوجيا، خلال زيارته للمكان: “رؤية الزنازين المظلمة التي سُجن فيها أجدادي، والمرور عبر الباب الذي نظروا منه إلى قارتهم للمرة الأخيرة، جعلني أشعر بعجز كبير.”

وأضاف ميلر مستذكرًا رحلة العذاب التي أُجبر عليها أسلافه: “من الضروري أن يزور كل من له أصول إفريقية هذا المكان ليكرم ذكرى الأجداد الذين تعرضوا لأفظع ظروف الاستعباد”.

أما إليوت براون (45 عامًا) القادم من جامايكا مع والديه وأطفاله، فأكد أن زبارة البيت كانت تجربة “مؤلمة للغاية”.

وأضاف: “أمي بكت بحرقة عندما كانت تتجول في الزنازين. أعتقد أن أي شخص يزور هذا المكان، بغض النظر عن جذوره، سيشعر بغضب وحزن عميقين”.

ختم حديثه بالقول: “لا أستطيع حتى أن أتخيل أطفالي مقيدين هنا بالسلاسل، لكن أجدادنا عاشوا هذه المعاناة الفظيعة التي لا يمكن تصورها.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News