حوارات | سياسة

اعميمي: توسيع المشاركة السياسية لغير المدنيين يعزز الشرعية ويُقلّص الانحرافات

اعميمي: توسيع المشاركة السياسية لغير المدنيين يعزز الشرعية ويُقلّص الانحرافات

أكد رضوان اعميمي، رئيس المركز المغربي ريادة للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية والقضائية، أن الأصل هو تعميم المشاركة السياسية على جميع الفئات، مع استثناء الحالات التي قد تمس بالحياد الوظيفي، مسجلا أن الدستور المغربي لسنة 2011 كان متقدما في هذا الباب بإقراره مبادئ تضمن المساواة والمشاركة السياسية كركيزة لبناء المؤسسات الديمقراطية.

وأوضح اعميمي، في حوار مقتضب مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن تحريم الانتماء السياسي لبعض الفئات يهدف إلى ضمان حيادها أثناء ممارسة مهامها، غير أن ذلك لا ينطبق بنفس الحدة على الحق في التصويت باعتباره واجبا دستوريا، لافتا إلى أن تجارب دولية مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا تسمح لغير المدنيين بالتصويت مع فرض ضوابط صارمة للحفاظ على الحياد.

واعتبر أن توسيع قاعدة المشاركة السياسية يمكن أن يسهم في تعزيز الشرعية الديمقراطية وتقليص الانحرافات في صنع السياسات العمومية، مؤكدا في الوقت نفسه على أهمية تقنين هذه المشاركة تشريعيا بما يضمن صلابة الحياد الوظيفي.

أعتقد أن الدستور المغربي لسنة 2011 كان متقدما في هذا الباب عندما أقر مجموعة من المبادئ الدستورية التي تعزز مبدأ مساواة المواطنين جميعا أمام القانون في الحقوق والواجبات ومن بينها الحق في المشاركة السياسية بل جعلها أساسا لبناء المؤسسات الحديثة التي ترتكز علاوة على ذلك على التعددية والحكامة الجيدة، وهو ما أكدته الديباجة، بغية إرساء “دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة”.

كما أكد الدستور على مبدأ المساواة أمام القانون (الفصل 6) وجعل من مسؤولية السلطات العمومية توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

وهكذا، يمكن القول أن الأصل هو تعميم المشاركة السياسية على جميع الفئات إلا استثناء عندما تمس هذه المشاركة بالحياد الذي يقتضي عدم التمييز أو محاباة جهة على حساب جهة أخرى.

وفي هذا الصدد، لابد من التمييز في المشاركة السياسية بين الفعل والانخراط السياسي من جهة، وبين السلوك السياسي والمواطناتي من جهة أخرى، فالحياد المفروض على السلطات العمومية بمقتضى الدستور (الفصل 11)، مرتبط أساسا بالإبقاء على نفس المسافة بين جميع الفاعلين السياسيين عموما وبعدم التمييز بينهم، وفي الزمن الانتخابي على وجه الخصوص لضمان نزاهة العملية الانتخابية باعتبارها إحدى أسس مشروعية التمثيل الديمقراطي.

لذلك، فإن تحريم القانون للانتماء السياسي لمجموعة من الفئات، غايته ضمان حيادها أثناء وخارج قيامها بوظيفتها، وهي ضمانة مهمة، إلا أن الأمر لا ينطبق بنفس الحدة عندما يتعلق الأمر فقط بممارسة الحق في التصويت باعتباره واجبا أيضا طبقا للدستور، فالإدلاء بالتصويت معناها المشاركة في بناء المؤسسات والمساهمة في اختيار الأصلح لتدبير الشأن العام، سواء من موقع وضع السياسات العمومية وتنفيذها، وكذلك من موقع مراقبتها وتقييمها، وهو الاختيار بحكم طبيعة النظام الانتخابي اللائحي، الذي لا يقع مبدئيا على الأشخاص وإنما ينصب على الاختيارات والبرامج التي لا تنحصر في التوجه السياسي بل تشمل التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

هذا ما يجعل حتى الفئات غير المدنية معنية بشكل مباشر بالمشاركة والاختيار الذي لا يمكن أن يمس بحيادها خاصة إذا علمنا أن الدستور من زاوية أخرى قد فرض هذا الحياد على الأداء الوظيفي أساسا وليس على القناعة السياسية، لذلك نص في الفصل 154 على أن “يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم، وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة”، وبالتالي يمكن تعزيز ضمانات الحياد الوظيفي انطلاقا من التشريعات المنظمة لكل فئة، حيث تضعف إمكانية التأثير كلما تعلق الأمر بالأعوان غير المشرفين على العملية الانتخابية، ولذلك فإن توسيع المشاركة الانتخابية عبر التصويت السري بطبيعته لا يقابله بالضرورة المساس بالحياد الوظيفي.

مبدئيا هناك العديد من التجارب الدولية تسمح لغير المدنيين بالمشاركة السياسية، من خلال منحهم الحق في التصويت دون إمكانية الانتماء للأحزاب السياسية أو الترشح للمناصب الانتخابية كفرنسا وألمانيا وإسبانيا مثلا، مع التشديد على مجموعة من القواعد الضامنة للحياد الوظيفي، من بينها واجب الانضباط والتحفظ خاصة في الفترات الانتخابية، مع حظر كل أشكال المساندة لجهة سياسية وحظر كل خطاب دعاية بزي الخدمة أو استعمال وسائل المرفق العام لأغراض حزبية؛ وهذه القيود تتشدد خصوصًا قبيل الانتخابات، وتُطبَّق على الشرطة والجيش تفاديًا لأي إيحاء بانحياز المؤسسة.

أما من حيث المشاركة في التصويت فهذه التجارب تسمح بذلك بل تشجع عليه، من خلال مجموعة من الآليات من بينها إمكانية التصويت عن طريق المراسلة بالنسبة للأفراد المرابطين، كما يمنح القانون إمكانية إنابة شخص آخر للقيام بهذه العملية، وكذلك رقمنتها في التجربة الفرنسية، وهي آليات أبانت التجربة على فعاليتها في ضمان الحق في المشاركة السياسية كحق أصيل دون المساس بالحياد الوظيفي الذي يظل خاضعا للمراقبة الداخلية إلى جانب المراقبة القضائية.

من بين التحديات التي تواجه العملية الانتخابية ببلادنا خاصة الانتخابات التشريعية على طول الاستحقاقات التي عرفها المغرب هو مشكل المشاركة السياسية، إذ يشكل تدني نسبة المشاركة بسبب عدة عوامل مركبة، وهي إحدى الإشكالات التي تمس في العمق شرعية المؤسسات المنتخبة، رغم تحسنها نسبيا خلال انتخابات 2021 بفضل تزايد نسبة الشباب المسجل في اللوائح الانتخابية، لذلك، فإن تقليص الفئات المحرومة من المشاركة السياسية هو بمثابة رسالة سياسية في اتجاه إشراك الجميع في حقوق المواطنية والمساهمة في بناء المؤسسات المنتخبة.

كما أن طبيعة هذه الفئات يمكنها أن تعقلن وتجود طبيعة المشاركة السياسية، بالنظر إلى طبيعتها المعرفية وانخراطها المباشر في تدبير الشأن العام وظيفيا، وعدم إمكانية استمالتها بالطرق غير المشروعة انتخابيا.

ومع ذلك، فإن أهمية تقنين هذه المشاركة وضبطها تشريعيا يظل حاسما في ضمان تفعيل حق هذه الفئة في المشاركة الانتخابية وفق الآليات الحديثة، مع الحفاظ على مبدأ صلابة الحياد الوظيفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News