الجزائر نحو عرقلة العملية السياسية

أعلنت الجزائر من خلال وزير خارجيتها عن مقاطعتها و عدم رغبتها في المشاركة بأية مباحثات سياسية قد يُطلقها المبعوث الجديد الأممي للمنطقة ستيفان دي ميستورا،و هو الموقف الذي يأتي بعد أسابيع قليلة من تعيين هذا الأخير و تجاوز الأمم المتحدة كل المطبات التي كان يضعها النظام الجزائري لعرقلة تعيينه كما حدث مع سابقيه ممن كان الأمين العام للأمم المتحدة يقترحتهم الذين وصل عددهم لأكثر من عشرة شخصية لخلافة كوهلر المستقيل لكن كان يتم الاعتراض عليهم من طرف الدولة الجزائرية مخافة أن يحدث تقدم في العملية السياسية وفقا لقرارات الأمم المتحدة، و بعد تعيين المبعوث الجديد انتقلت الدولة الجزائرية من عرقلة هذا التعيين إلى محاولة تعطيل مهمته التي لم يبدأها بعد في انتظار صدور قرار جديد لمجلس الأمن، و محاولة التأثير بشكل سلبي على الأمم المتحدة المتحدة و مجلس الأمن لوقف أي محاولة لاستصدار قرار أممي نهاية الشهر الجاري يكون داعما للمبعوث،و داعيا مختلف الأطراف خاصة الطرف الجزائري للإنحراط في عملية سياسية جديدة على أرضية التراكم السياسي الإيجابي الذي تحقق في مباحثات جنيف 1 و جنيف 2،لذلك فقد سارعت الدولة الجزائرية لإعلان موقفها السلبي من التحول الممكن حدوثه بالمنطقة من خلال المؤشرات الحالية التي اعتبرتها مؤشرات لا تخدم مصالحها الضيقة في المنطقة، و تعزز الموقف المغربي و رؤيته لإنهاء النزاع،و هي مؤشرات يمكن تقديم بعضها:
- تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المُقدم لمجلس الأمن الذي حدد رؤية الأمانة العامة للنزاع التي أصبحت تتطابق مع مرجعية الحل السياسي كما اقترحه المغرب أعطت انطباعا لخصوم المغرب أن الأمانة العامة قد حسمت سياسيا رؤيتها لصالح المعايير المستندة على مبادرة الحكم الذاتي، انضاف لهذا التقرير، تقرير آخر قدمه غوتيريس للجمعية العامة للأمم المتحدة و هو التقرير الذي كان أكثر وضوح من سابقه من حيث تأكيده على أن النزاع يُناقش ضمن البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، و أنه لا حل سياسي إلا من خلال حل سياسي، واقعي متوافق بشأنه وفق قرارات مجلس الأمن الصادرة منذ سنة 2007 و هي السنة التي اقترح فيها المغرب مبادرة الحكم الذاتي إلى الآن، أي إلى آخر قرار أممي صادر و هو القرار رقم 2548 الصادر في أكتوبر 2020، كما أعلن عن دعم ستافان دي ميستورا و الرهان على إطلاق مباحثات و عملية سياسية جديدة،هذه الرؤية قدمت تصورا واضحا للكيفية التي تنظر بها الأمانة العامة للأمم المتحدة للنزاع و لمخارجه السياسية التي تتأسس على هذه الرؤية و على التفكير في إحياء المبادرات الأممية ذات الصلة بالنزاع،خاصة و أن التقرير سمَّى أطراف النزاع الأساسية و كانت أولاها الدولة الجزائرية.
- الدولة الجزائرية استشعرت أن كل مناوراتها السياسية التي قامت بها سابقا و التي قد تقوم بها مستقبلا لعرقلة العملية السياسية التي قد يُطلقها ستافان دي ميستورا أصبحت مكشوفة للأمم المتحدة و لمجلس الأمن،و أن الخناق السياسي عليها بات أكثر قوة، و وضوح خاصة مع التوجه العام الذي بات يتبلور الآن الذي يسير نحو تحميل الدولة الجزائرية لمسؤوليتها السياسية اتجاه الوضع الأمني في الساحل جنوب الصحراء و في المنطقة ككل من خلال تبنيها و دعمها لكل الأعمال العدائية التي تقوم بها مليشيات البوليساريو،لذلك فقد عمدت إلى الإعلان عن موقف سياسي استباقي للمناقشات التي ستتم بمجلس الأمن و التي تتجه نحو دعم ستافان دي ميستورا و دعم مبادرة الحكم الذاتي و الحل السياسي وفقا لمعاييرها الأساسية، موقف يكشف ليس فقط نية الدولة الجزائرية إلى الإستمرار في مناوراتها السياسية بل يؤكد على عزلة الدولة الجزائرية بمجلس الأمن رغم كل التحركات التي قامت بها في أفريقيا و لدى العديد من الدول الفاعلة دوليا آخرها روسيا التي أعلنت رسميا عند استقبال السفير المغربي بروسيا أنها ترغب في علاقة اقتصادية و شراكة قوية مع المغرب،و أنها تدعم العملية السياسية الأممية لإنهاء هذا النزاع وفقا لقرارات مجلس الأمن و خطة الأمم المتحدة، و هو ما شكل انتكاسة سياسية كبرى للدولة الجزائرية و لوزير خارجيتها الذي كان يراهن على موقف روسي داعم لها و لموقفها المعزول الأممي.
- المناقشات التي تمت باللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة،هي مناقشات أكدت على دعم مختلف الدول للمغرب الذي أصبحت رؤيته تحضى بدعم سياسي كبير بفضل جديته و مصداقيته في المنطقة سواء على مستوى محاربة الإرهاب أو الجريمة المنظمة و الهجرة الغير النظامية أو دوره الكبير في السلم و الأمن بالمنطقة،و هو ما دفع العديد من الدول إلى الإعلان عن مواقف واضحة داعمة للمغرب،و ما الإجماع العربي حول المغرب و قضيته الوطنية التي تعبرت عنهما السعودية و قطر الشقيقتين لواحدة من هذه المواقف التي تُظهر حجم دعم الدول العربية و دول المنطقة للمغرب لإنهاء هذا النزاع المفتعل،و يكشف اصطفاف مختلف القوى العربية بتفرعاتها الموجودة في المنطقة ككل مع وحدة المغرب و سيادته الكاملة على مجموع التراب الوطني،كل هذه المناقشات التي تمت بالجمعية العامة الداعمة للمغرب لا تزيد سوى من حجم ترجيح كفة المغرب السياسية، و من دعم المجهودات التي يبدلها المنتظم الدولي لإنهاء هذا النزاع وفق الرؤية المغربية،و تكشف حجم عزلة النظام الجزائري عن محيطه العربي،الإفريقي و الإقليمي.
- الأخبار القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى أن مسودة القرار الذي ستعده الولايات المتحدة الأمريكية الذي ستقترحه على مجلس الأمن سيكون مترجما للموقف السياسي للإدارة الأمريكية من النزاع و موقفها الداعم لمغربية الصحراء،بحيث أن الإدارة الأمريكية تتجه نحو ترجمة موقفها السياسي هذا في مسودة قرارها الذي ستعرضه قريبا و ستكون بذلك قد حسمت الجدل المفتعل حول قرارها الذي عيرت عنه إدارة ترامب الذي بات من المواقف التي تدخل ضمن خانة المواقف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية التي لا تتغير و لا تتأثر بتغير الإدارة في الأمريكية، و يبدو أن الدولة الجزائرية قد استشعرت طبيعة المسودة التي ستعرضها الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن و اتجهت بموقفها نحو استباق التطورات التي ستحدث مستقبلا.
الجزائر أصبحت مكشوفة أمام الأمم المتحدة و لم يبقى لها سوى الإستمرار في ألاعيبها السياسية لمحاولة خلق نقاش جانبي يكون هدفه التشويش على أي تقدم و مُنجز سيحدث مع القرار المقبل لمجلس الأمن و مع العمل الذي سيقوم به ستافان دي ميستورا لإحياء العملية السياسية الذي يحضى بثقة و دعم الأمين العام للأمم المتحدة و مجلس الأمن و كذلك للمغرب الذي عبَّر عن دعمه السياسي له و استعداده للعمل معه و تسهيل مهمته لإنهاء هذا النزاع المفتعل على أرضية مبادرة الحكم الذاتي.





