وهبي وأوجار يُفكِّكان جدلية الديمقراطية وغياب العدالة بموسم أصيلة

قال وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، إن الديمقراطية السياسية غير كافية لتحقيق الأهداف المنتظرة، إذ تعد العدالة ضرورية، باعتبارهما سيرورتين متلازمتين لبناء مجتمع حديث.
وأضاف وهبي في مداخلته خلال ندوة عن قيم العدالة والنظم الديمقراطية، في الدورة الـ45 من موسم أصيلة الثقافي، يوم أمس الجمعة، أن النظام الديمقراطي منذ أن أصبح نموذجا للتنظيم السياسي، لم يكن يعني بالضرورة الوعي بتحقيق قيم العدالة داخل المجتمع، إنما كان يعني أساسا بناء مؤسسات تمثل اتجاهات الأغلبية، التي اختيرت عبر انتخابات نزيهة تعبر عن الاختيار الحر للأفراد أثناء تصويتهم؛ أي يوم الاقتراع.
وبالتالي يرى وهبي أن النظام السياسي الديمقراطي لا يضمن بالضرورة تحقيق العدالة، مما يُفسر النقاش السياسي والإديولوجي الذي كان سائدا خلال الحرب الباردة بين القطب الاشتراكي والقطب الرأسمالي الليبرالي، إذ كان أنصار الليبرالية في الغرب يعيبون على القطب الشمالي غياب الديمقرلطية والمشاركة السياسية، في المقابل أنصار الاشتراكية الذين كانوا يعيبون على الغرب الليبرالي غياب العدالة وسيطرة القيم المادية على القيم الأخلاقية.
ويضيف وهبي في السياق ذاته: “إذا كانت سيادة النظام السياسي الديمقراطي غير كافية لتحقيق قيم العدالة فإن النقاش حول الديمقراطية يتقاطع بقوة مع فكرة العدالة وهذا التقاطع يعبر عن نفسه أولا في أننا عندما نذهب بعيدا في بلورة الحجج لصالح الفكرة الديمقراطية فإننا في الأصل ندافع عن قيم العدالة ونجد أنفسنا نستعمل الأخلاق الديمقراطية، إذ هناك ارتباط وثيق بين النموذجين”.
وسجل وهبي أن العدالة لا يمكن أن تُبقي القيم الأخلاقية مجردة ولا يجب أن تكون في الخطابات فقط بل يجب أن تتأسس قيمها في الواقع المعيشي للمواطنين والمواطنات، مشيرا إلى أن الديمقراطية كانت تتغذى دائما باتجاه يعتبرها وسيلة لرفع حظوظ سيادة قيم العدالة والمساواة والحق والقانون، في ظل السيطرة على القرار السياسي، مما يجعل فكرة التقدم لصيقة بالمجتمع الديمقراطي الذي يضمن العيش الكريم لأفراده.
ويقول وهبي إن هذا “النظام الديمقراطي يقوم على مبدأ حكم الشعب لنفسه بنفسه، بإجراءات تنظم القرار الجمعي لاتخاذ قرارات تهم الشأن العام، دون أن يفرض عليهم ما يجب فعله أو تقريره أي أن للشعب السيادة في كل المجالات التي ترتبط بالحياة العامة والعمومية، إذ يحكم نفسه بنفسه، لذلك نجد أن العديد من المجتمعات الديمقراطية قد بلورت العديد من الإجراءات والمؤسسات التي تحصل على مشروعيتها ليس من عالم السياسة بل من عالم الأخلاق والقيم والأعراف الإنسانية”.
وفي السياق ذاته، يضيف: “هذا المجال يستدعي النضال من أجل ميدان أخلاقي للعدالة، ليتبين أن الديمقراطية السياسية غير كافية لتحقيق الأهداف وأن قيم العدالة ضرورية لدعم مسارها فالعدالة والديمقراطية هما سيرورتان متلازمتان لبناء مجتمع حديث”.
وتطرق وهبي إلى مخاطر أساسية تهدد النظام الديمقراطي، تتجلى في خلق “الانتخابوية” أي فهم اختزالي للديمقراطية يحصد ممارستها في لحظة المشاركة في يوم الاقتراع، ثم خلق “الفردانية المفرطة” القائمة على فهم خاص لمجتمع يعتبره سوقا مفتوحا تبني على توافق الأفراد بينهم دون تدخل من جهة تملى عليهم ما يجب القيام به وفعله أو تركه، مردفا: “فالأصل في فهم الديمقراطية الحرية الفردية التي لا تحتاج إلى مؤسسة سياسية”.
وضمن المخاطر التي تهدد النظام الديمقراطي التي تحدث عنها وهبي في مداخلته “فرض القرارات الجماعية والإديولوجية والثقافية، مما يقلص حقوق وحريات الأفراد”.
وقال المتحدث عينه إن الدور الهام الذي تلعبه قيم العدالة في المجتمع الديمقراطي هو تقوية التوازنات وفصل السلط المختلفة حتى تتمكن الديمقراطية من تحقيق الديمقراطية، والتي هدفها الأسمى المزاوجة الجدلية بين الحرية والمساواة، ومحاربة التفاوتات غير البناءة.
واختار وزير العدل السابق، محمد أوجار، الحديث عما وصفه بـ “الهمجية” على أرض غزة ولبنان وغيرهما، في ظل الحديث عن القيم الكونية والعدالة، أمام الصمت العربي المريب، والتواطئ الغربي العلني أو غير العلني.
وأضاف أوجار في كلمته، أنه “رغم هذا الإحباط والمذلة العربية ورغم وصول هذا العدوان إلى أبشع أنواع الهمجية لا بد من التمسك بالقيم الإنسانية، ولا بد من ولادة أمل جديد، الذي تعكسه مظاهرات واحتجاجات الطلبة والشباب في مختلف الجامعات والشوارع، مما يظهر القيم في أجمل تجلياتها”.
وأعرب أوجار عن فخره بالانتماء إلى جيل كافح لاستنبات القيم الكونية في الأرض العربية، وتبنيها أفكار حقوق الإنسان في شموليتها، وأفكار العدالة، التي تتجلى في سمو المعاهدات الدولية في الدستور المغربي.