تأشيرات شنغن.. استشراء “سرطانات” مواعيد الفيزا يفاقم معاناة المغاربة

رغم الانفراجة التي عرفتها “أزمة التأشيرات” العام الماضي، ما تزال معاناة المغاربة الراغبين في الحصول على تأشيرات “شنغن” خاصة منهم الشباب الراغبين في إتمام دراستهم بأوروبا، أو العائلات التي ترغب في قضاء عطلهم بإحدى دول القارة العجوز، متواصلة، خاصة ما يرتبط بإجراءات وتكاليف إعداد الملف وحجز المواعيد.
ومنذ جائحة كورونا سنة 2021، والتحديات تطرح أمام المغاربة الحصول على المواعيد، رغم استيفاء الشروط المطلوبة، بل يصل الأمر إلى حد تعرض المواطنين لإهانات وظغوطات تمارس من طرف شركات وسيطة وسماسرة.
ربع مليون “فيزا” إلى فرنسا في عام
وكشفت معطيات حديثة أن فرنسا منحت للمواطنين المغاربة أزيد من 251.950 تأشيرة خلال السنة الفارطة 2023، وهو ما يمثل نسبة قبول تقدر بـ81.3 في المئة من إجمالي الطلبات المقدمة، كما منحت 134.153 تأشيرة الدخول المتعدد (شنغن) وهو ما يمثل 52.25 بالمئة.
وبحسب ما كشف عنه موقع “شنغن فيزا أنفو”، فإن النمسا وافقت على 89.2 بالمئة من إجمالي طلبات تأشيرة “شنغن” المقدمة من طرف المغاربة، وألمانيا 85.19 بالمئة وسويسرا 82 في المئة، مقابل 83.9 لدخول أراضيها حصرا، والتي لم تتعد 3415 تأشيرة.
وقبلت بولندا 83.1 بالمئة من طلبات التأشيرة لدخول أراضيها من طرف مغاربة، من إجمالي 693 طلب تم تقديمه، في حين منحت البرتغال منحت البرتغال 1,902 تأشيرة للمغاربة، بنسبة موافقة بلغت 80.1% من إجمالي 2,376 طلباً، والتشيك حوالي 75.6% من إجمالي 664 طلب تأشيرة تم تقديمها من قبل المغاربة.
“سرطانات الفيزا”
وفي ظروف يعتبرها الكثيرون “مهينة” لكرامة المواطن المغربي، يتجمهر العشرات بمدينة الدار البيضاء الكبرى، أمام قنصلية فرنسا، من أجل الحصول تقديم طلب الحصول على تأشيرة الفيزا.
محمد، الذي تحفظ عن ذكر لقبه، حصل على موعد فيزا “شنغن” ولم يتبق له سوى وضع ملفه أمام قنصلية فرنسا وانتظار ما إن كان يستجيب للشروط المطلوبة أم لا، نقل عبر “مدار21” تجربته قبل الحصول على الموعد.
محمد الشاب العشريني الذي اختار الالتحاق بعائلته المتواجدة بفرنسا في إطار التجمع العائلي، أكد صعوبات حجز الموعد، والظغوطات التي تمارس من طرف السماسرة أمام القنصلية على المواطنين الراغبين في تأشيرة العبور نحو الديار الأوروبية.
وتابع ضمن تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن بعض السماسرة استنزفوا جيوب المواطنين من خلال تكاليف الرسوم الباهضة، مضيفا ‘‘العديد من الأصدقاء يأتون يوميا للبحث عن سماسرة للحصول على الموعد دون جدوى’’.
“إهانة” مدفوعة الأجر
ويرى بوجمعة موجي، نائب رئيس جمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء، أن استنزاف جيوب شريحة من المواطنين يأتي على مستويات عدة، منها ما يتعلق بحجز الموعد.
ومن غير المعقول، وفق ما صرح به موجي لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن تصبح هذه الظاهرة منتشرة اليوم بالمغرب، والتي لم نكن نسمع بها من قبل، أي في السنوات الماضية.
بوجمعة موجي، استنكر في معرض حديثة للجريدة، الإهانات التي يتعرض لها المواطنون عند المطالبة بحقهم في “الفيزا”، متسائلا في الوقت ذاته، ‘‘من يتدخل لبسط هذه الممارسات أمام المواطنين’’.
وبعد الحصول على الموعد ودفع رسوم التأشيرة، يضيف موجي، لا يتم إرجاع الرسوم بعد رفض الملف من طرف الجهات المختصة، هذا الأمر بالذات غير معقول حسب جمعية حماية المستهلك.
“سوق سوداء” للمواعيد
وميز المحامي المهدي اليزيدي، بين الشركات المتدخلة في هذه العملية والمسؤولة عن تلقي الطلبات ومعالجتها وتسليمها للمصالح القنصلية، وما بين الوسطاء الذين يقومون بحجز مواعيد التأشيرة باعتبارهم مجموعة من الأفراد الذين يحتكرون أغلب المواعيد ويحصلون عليها بطرق ملتوية وغير قانونية مستعينين في ذلك ببرامج معلوماتية متطورة.
وتابع ضمن تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الأموال التي تضخ في حسابات هذه الشركات هي أموال مستحقة من الناحية القانونية على اعتبار أن هذه الشركات تقوم بإسداء خدمات معينة بمقابل، وأن دورها يقتصر فقط على منح المواعيد وتلقي طلبات الحصول التأشيرة ومعالجتها وإرسال هذه الطلبات للمصالح القنصلية وإعادة استلام جوازات السفر منها وإرجاعها لأصحابها.
ولفت بأنها تلعب دور الوسيط الذي يسهل المهام من الناحية اللوجيستيكة على المصالح القنصلية ولا دخل لها في عملية الرفض أو القبول لأنها ليست الجهة المتحكمة في هذا القرار، وهو ما يجعل من غير الممكن قانونا المطالبة باسترجاع هذه المبالغ.
أما بخصوص وسطاء المواعيد، يوضح اليزيدي، فإن دورهم كذلك “يقتصر على إيجاد موعد للمعني بالأمر وهي خدمة غير قانونية أساسا كما أن المواطنين الذين يستعينون بخدمات هؤلاء الأشخاص هم بدورهم يقعون في المحظور لكن للأسف الواقع يفرض نفسه بقوة بحيث أن هذه هي الوسلية التي يلجأ لها الغالبية العظمى من المغاربة الراغبين في حجز موعد للحصول على التأشيرة”.
وما دام أن الخدمة المقدمة في هذا الشأن هي قانونية بطرق غير مشروعة حسب المحامي، فإنه بناء على هذه العلة لا يمكن من الناحية القانونية المطالبة باسترداد هذه المبالغ مثلا في حالة النصب أو عدم استطاعة الوسيط حجز موعد معين.
كثيرة هي المطالب البرلمانية التي تسائل وزارتي الداخلية والخارجية بشأن الإجراءات التي بإمكان المسؤولين الحكوميين سلكها من أجل تجاوز ثغرات الحصول على “الفيزا” بالمغرب وتسهيل وضعية ولوج المواطنين إليها في ظروف عادية.
حنان أتركين، عضو الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة، وجهت في 21 يونيو الماضي سؤالا كتابيا إلى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، يتعلق بدراسة إمكانية تمكين المغاربة الذين يتم رفض طلبات حصولهم على فيزا شنغن من استرجاع رسوم التأشيرة.
وجاء ضمن السؤال الذي تتوفر “مدار21” على نسخة منه، أن ‘‘المغاربة يقبلون على تقديم طلبات الحصول على تأشيرة شنغن بشكل كبير جدا ومتزايد سنة تلو الأخرى، حيث احتلوا، وفق ما أفاد به تقرير للمفوضية الأوروبي، المرتبة الرابعة عالميا والأولى عربيا وإفريقياً من حيث الطلبات المقدمة للحصول على تأشيرة شنغن خلال العام 2023’’.
البرلمانية ذاتها شددت على أن تقديم هذه الطلبات أصبح لدى شريحة واسعة من المغاربة مرادفا لاستنزاف طاقتهم المالية والنفسية أيضا بسبب صعوبة الحصول على المواعيد والاستحواذ عليها من طرف السماسرة والتأخر الكبير في الرد على طلباتهم من طرف قنصليات بعض الدول.
وتابعت أتركين، أن بعد تجاوز كل العراقيل المرتبطة بتقديم طلب الحصول على تأشيرة شنغن، يجد العديد من المغاربة أنفسهم أمام رفض طلباتهم، حيث أفاد تقرير للمفوضية الأوروبية المشار إليه أعلاه إلى أن دول منطقة شنغن رفضت 136 ألفا و367 طلب تأشيرة تقدم بها مغاربة.
رفض طلب الحصول على الفيزا من قبوله، حسب أتركين، على الرغم من أنه يدخل ضمن اختصاصات دول الاتحاد الأوروبي التي لا يمكننا الخوض فيها، إلا أنه كلف جيوب المغاربة ما يقارب 118 مليون درهم غير قابلة للاسترجاع.
من جانبه، وجه النائب البرلماني رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالا كتابيا إلى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، حول تعقيدات تأشيرة شنغن.
وأثار حموني “معاناة مواطنات ومواطنين مغاربة يرغبون في الحصول على تأشيرة شنغن، ولا سيما عبر بعض الوكالات المعروفة المعتمدة في أداء وظيفة التدبير المفوض لمسك ومعالجة طلبات التأشيرة”.
وأوضح حموني أن “العديد من الطلبات يظل مآلها مجهولاً، حسب ما لدينا من معطيات، رغم توفر الملفات على كل الضمانات والوثائق اللازمة، مشيرا إلى أن الحصول على موعدٍ لتقديم الطلبات صار عسيراً ومُكَلِّفاً بالنسبة لمعظم المواطنين المعنيين، وقد يمتد الانتظار لأسابيع طويلة دون رد، بما يُضَيِّعُ على بعضهم الحق في التنقل لأغراض هامة مختلفة (الدراسة؛ العمل؛ التطبيب؛ ….). هذا إضافة إلى ما يتم تداوله من طرف مواطنين من أن الحصول على موعد لهذا الغرض باتت تخترقه ممارساتٌ مشينة غير مشروعة من طرف البعض في شكلٍ سمسرة”.
وتابع النائب البرلماني أن “اضطرار بعض المواطنين إلى سحب جوازات سفرهم لأسباب قاهرة وطارئة، سبب لهم الإجبار على توقيع وثيقة لإلغاء طلب التأشيرة مع حرمانهم من استرجاع واجبات التأشيرة”.
حسابات دبلوماسية ضيقة
ما يتحكم أساسا في موضوع التأشيرة حسب المحامي بهيئة الدار البيضاء، المهدي الودي اليزيدي، ليس بالضرورة عملية “الكوطا” أو استيفاء طالب التأشيرة للشروط المتطلبة من عدمه بل إن الأمر فيه من النسبية ما فيه على اعتبار أن الشروط المتطلبة مسبقا للحصول على التأشيرة لا يتم نشرها أو الإعلان عنها.
اليزيدي تابع ضمن حديث مع الجريدة أن هذا الأمر هو متعمد ويسهل على المصالح القنصلية التعامل مع طلبات المواطنين بشكل مطاطي إن صح التعبير، مضيفا أنه بكل بساطة الأمر يخضع عموما لحسابات دبلوماسية ضيقة هي التي تتحكم أساسا في التعامل مع طلبات الحصول على التأشيرة.
وشدد على أن الوضع الراهني للعلاقات وما قد تتسم به من انفراج أو جمود هي المحدد الرئيسي في عملية الرفض أو القبول، وبالتالي، فإن الأمر حسبه ليس فيه أي إذلال ما دام أن الدولة المعنية وفي إطار ممارسة سيادتها لها كامل الصلاحية في تحديد عدد الأجانب التي ترغب في دخول أراضيها.
المعاملة بالمثل!
يرى اليزيزدي أن في حالة رفض التأشيرة، تقدم المعني بالأمر بطلب تظلم لمصلحة التأشيرات التابعة للقنصلية داخل أجل 30 يوما من تاريخ حصوله على القرار القاضي بالرفض، كما هو الحال بالنسبة للنظام الفرنسي الذي يخول هذه الصلاحية مع إمكانية اللجوء للقضاء من أجل الطعن بإلغاء هذا القرار الإداري في حالة السكوت أو رفض التظلم، وهذا الأمر لا يعلمه عدد من المواطنين، يضيف المصدر ذاته.
وشدد على أن إمكانية اللجوء إلى القضاء تبقى مجرد حبر على ورق ولا يتم تفعيلها في الواقع وحتى في حالة إقدام أحدهم على تفعيل هذه المسطرة فإن مآلها سيكون الرفض، لافتا إلى أن مسألة الرفض أو القبول مرتبطة أساسا بسيادة الدولة كما أن عدم وضوح الشروط المتطلبة بشكل صريح، يجعل من الصعب على أي جهة كانت تحديد مدى سلامة قرار الرفض من عدمه.
المنفذ الوحيد لتدخل السلطات المغربية، حسب المحامي، يعد دبلوماسيا بالأساس، وذلك من خلال فتح حوار جاد ومسؤول مع هذه الدول قصد توضيح النقاط المرتبطة بإشكالية شركات الوساطة والأموال الطائلة التي تستنزفها من جيوب المغاربة وكذا توضيح مقاربة هذه الدول في التعاطي مع طلبات المواطنين بشكل أكثر صراحة ووضوح، إذ إن الأمر يستدعي تبني مبدأ المعاملة بالمثل ما دام أن المغرب أضحى وجهة سياحية بامتياز من قبل عدد مهم من المواطنين الأوربيين.
وخلص إلى أن الحصول على موعد عن طريق وسيط هي مسألة غير مشروعة وبالتالي فإمكانية المطالبة باسترجاع هذه المبالغ في حالة النصب غير متاحة من الناحية القانونية لأن الوسيلة الوحيدة القانونية والمسموح بها هي من خلال الولوج للمواقع الرسمية لشركات الوساطة المعتمدة من قبل هذه الدول.
أظن لو كان الناس واعين بحقوقهم لما سمحوا لمجموعة من قراصنه النت أن يسلبوهم أموالهم بهذه الطريقه. هم غير مجبرين على قضاء العطله ببلد لا يحترمهم. لو كان الوعي حاضر لامتنعوا عن طلب الفيزا مؤقتا حتى تغير الأمور..