“حماس”: المقاومة التي احترقت في نيران غزة

لم تكن حرب غزة الأخيرة مجرد مواجهة بين “المقاومة” و”الاحتلال”، بل كانت المشهد الختامي لمسرحية طويلة عنوانها: “نحكم أو نحرق اليابس والأخضر”. فمنذ أن استولت حماس على القطاع بالقوة وقضت على ماتبقى من اتفاقية اوسلو بالمرة التي بعثت النور والأمل للشعب الفلسطيني ، وهي تسير به من مأساة إلى أخرى، تارة باسم “المقاومة”، وتارة باسم الجهاد وأخرى باسم “التحرير” الذي لا يحرر إلا الخراب.
اليوم، بعد أن تحولت غزة إلى ركام، والسلطة الفلسطينية إلى ظلّ بلا سلطة، وملايين الفلسطينيين إلى نازحين ومشردين، يحق للمراقب العربي أن يتساءل ؟
هل كانت حماس تقاوم إسرائيل فعلاً؟ أم كانت تخدمها بوعي أو بدونه؟
منذ اللحظة الأولى بعد طوفان الخراب بدا المشهد معروفا ومتكررا:
صواريخ تُطلق من الأنفاق، وبيانات نارية تُتلى من إسطنبول والدوحة على قناة الجزيرة ودماء تسيل في الشوارع. لكن خلف الكواليس، كانت الحسابات السياسية تُدار ببرود قاتل.
بين الدوحة وأنقرة، وبتفاهمات غامضة مع ايران وحزب الله كانت تُطبخ خطة لتصفية القضية الفلسطينية على نار هادئة:
• تدمير غزة بالكامل لتُمحى ككيان سياسي مستقل.
• إسقاط السلطة الفلسطينية وتفريغ الضفة من أي شرعية وطنية.
• وتقديم إسرائيل كطرف “دفاعي” في مواجهة حركة فوضوية لا تعترف بالحياة ولا بالسلام.
وهكذا، وجدت إسرائيل نفسها في موقع المنتصر دون أن تخوض حربا استراتيجية حقيقية.
دمّرت البنية العسكرية لحماس، وأغلقت الأنفاق، وقطعت شريان الدعم الإيراني، بينما حماس خرجت لتعلن “الانتصار الإلهي” فوق أنقاض البيوت
ولأن المأساة لا تكتمل إلا بالمهزلة، جلس قادة حماس في شرم الشيخ يتحدثون عن “الثبات والصمود”، بينما ابتساماتهم العريضة وقمصانهم البيضاء الملطخة بدماء الأطفال والنساء والشيوخ تخفي وراءها خنوعا مكتوما بما جرى.
لم تذرف عين واحدة دمعة على آلاف القتلى، ولم يُسمع صوت ندم واحد على أطفال غزة الذين دفنوا تحت الركام.
في الخلفية، كانت الصفقات تُعقد، قطر تتكفل بتمويل الإعمار لتلميع صورتها. تركيا تحتضن القيادة مقابل دور تفاوضي رمزي، ومصر تُغلق الملف عبر وساطة “إنسانية” تحفظ ماء وجه الجميع.
أما إسرائيل، فقد خرجت بمكاسب استراتيجية لم تحلم بها، قطاع غزة المدمر تحول إلى منطقة عازلة، والمقاومة بشتى أنواعها فقدت قدرتها على الفعل، والسلطة الفلسطينية انهارت سياسيا وأخلاقيا.
لم يكن الهدف الحقيقي هو غزة وحدها، بل تصفية السلطة الفلسطينية ذاتها.
بمؤامرة حماس على غزة أسقطت فكرة “الشرعية الفلسطينية” من أساسها.
لم يعد أحد يتحدث عن محمود عباس أو منظمة التحرير او السلطة الفلسطينية بل عن “الجهات الفاعلة في غزة”.
وهكذا، تم إزاحة السلطة من المشهد بالكامل، وجرى تمرير ما فشل ترامب في فرضه رسميا في ولايته الاولى صفقة القرن بأيدي قادة حماس أنفسهم.
كانت إسرائيل تحتاج فقط لمن يقوم بالمهمة عنها، وقد وجدت في حماس المنفذ المثالي.المأساة الكبرى أن “المقاومة” تحولت إلى استثمار سياسي وتجاري.
كل حرب تفتح بابا جديدا للتمويل، وكل دمعة تُستغل في نشرات الأخبار، وكل هدنة تُباع بثمن سياسي.
تحولت غزة إلى عملة صعبة في سوق المزايدات، وحماس إلى تاجر بارع يجيد تحويل الدم إلى مال، والمعاناة إلى أوراق ضغط دبلوماسية.
أي مقاومة هذه التي تضحي بشعبها لتجلس بعد الحرب على طاولة العدو؟
وأي شرف ذاك الذي يختبئ خلف أنفاق تُدفن فيها الطفولة والكرامة معًا؟
وفي شرم الشيخ، اكتمل المشهد الرمزي للسقوط الأخلاقي والسياسي. ظهر خليل الحية أمام الحاضرين متأنقا، مطمئنا على حياته بعد اخد ضمانات على عدم قيام اسرائيل باغتياله هو وزمرته المختبئة في قطر مع نسائهم يتحدث عن “صفقات الأسرى” وعودة النازحين وادخال المساعدات وافراج إسرائيل عن مئتي أسير فلسطيني وكأنه مندوب تنفيذي لخطة ترامب، وليس قياديا في حركة طالما عودتنا على الشعارات الفارغة في المقاومة والتحرير
كان ذلك الإعلان مع الأسف تتويجا لخيانة مكتملة الأركان، تنفذ بوقاحة أمام الجميع.
ألم ير الحية وجوه الغزيين وقد احرقتها الشمس وأثقلها الغبار؟
كيف يجرؤ على الحديث باسم المقاومة بينما يموت الأطفال عطشا وجوعا تحت الركام؟
لقد نسي أن الدم الفلسطيني ليس ورقة مفاوضات، وأن من يتاجر بدماء شعبه لا يختلف عن من يحتل أرضه.
ذلك المشهد في شرم الشيخ كان إعلانا صريحا، حماس أنهت مشروع المقاومة المزيفة بيديها، وسلمت مفاتيح غزة لمن أرادها خرابا.