مجتمع

البنى التحتية.. هل يكسب المغرب رهان التنمية الاقتصادية قبل مونديال 2030؟

البنى التحتية.. هل يكسب المغرب رهان التنمية الاقتصادية قبل مونديال 2030؟

بشَكل متسارع، وعلى كافة الأصعدة، يسابق المغرب الزمن ويكثف استعداداته لتنظيم تظاهرات رياضية كبرى في السنوات المقبلة، بعد أن تمكن من الظفر باستضافة نهائي كأس العالم، هذه التظاهرة الرياضية التنافسية جعلت أنظار العالم اليوم تشق طريقها نحو بلد مقبل على تنظيم حدث يبدو كبير والرهان على نجاحه التنظيمي يبدو أكبر.

مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة سيستفيد منها المغرب بعد الظفر بتنظيم المونديال الذي أسال لعاب الكثير من الدول الراغبة في احتضان هذه المنافسات القارية لما لها من انعكاسات إيجابية، فهل يستطيع المغرب تحقيق إنجازات أخرى في المقابل، خاصة على مستوى البنى التحتية قبل متم سنة 2030؟

ملاعب بين التعثر والجاهزية

التحديات التي يرفعها المغرب في التسريع من وثيرة إنجاز وتشييد بل وتأهيل الملاعب الرياضية، قسَّم المواقف والآراء، بين من يتوقع إنجازه قبل متم سنة 2030، وبين من يُرجح مسألة تعثره لسنوات طويلة.

المغرب وافق على إنشاء ملعب كبير في بنسليمان، سيكون أحد ملاعب مونديال 2030 الذي تستضيفه المغرب وإسبانيا والبرتغال. ويُطلق على المشروع اسم “الملعب الكبير”، ومن المتوقع أن يكون أكبر ملعب كرة قدم في العالم بسعة تصل إلى 115 ألف متفرج.

ويراهن المجلس جهة الدار البيضاء-سطات، تطوير البنية التحتية الطرقية وتنمية شبكة الطرقات والسكك الحديدية التي ستربط بين الدار البيضاء والمحمدية والملعب الكبير الذي سيحتضن مباريات مونديال 2030.

وتماشيا مع أهداف ملف احتضان المغرب لمنافسات كأس العالم للسنة ذاتها، صادق المجلس الجهوي أمس الإثنين على اتفاقية  بغلاف مالي يقارب 5.1 مليار درهم، وذلك لتجويد وتأهيل المحاور الطرقية، وتعزيز شروط السلامة الطرقية وتحسين مستوى الربط الطرقي للملعب الكبير للدار البيضاء ببنسليمان.

وفي هذا الصدد، قال كريم كلايبي،عضو بلجنة تتبع مركب محمد الخامس، أن مركز دراسات إنجليزي فاز سابقا بصفقة إنجاز تصميم ملعب الدار البيضاء الكبير، المرتقب تشييده على مساحة تبلغ 100 هكتار في جماعة المنصورية في إقليم بنسليمان.

وأكد كلايبي، في تصريح سابق توصلت به “مدار21”، أن الأمر يتعلق بـ“مكتب الدراسات الإنجليزي POPULOUS، والذي سبق أن حاز على صفقات عالمية لإنشاء مشاريع عملاقة على غرار ملعب “توتنهام” الإنجليزي ومطار “هيثرو” بلندن، وكذا ملاعب “لوسيل” في قطر، إضافة إلى تجديد ملعب “ويمبلي”.

وتبلغ ميزانية تشييد الملعب حسب الكلايبي 5 مليارات درهم، وسيكون مغطى بالكامل، وتبلغ طاقته الاستيعابية 115 ألف مقعد، وسيشيد وفق أحدث المعايير التي حددها الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، استنادا لما سبق وكشفته الشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية “سونارجيس”.

الكلايبي أوضح من جانب آخر أن والي جهة الدار البيضاء سطات يسعى إلى بلورة المشاريع المتعثرة وإخراجها إلى الوجود، من خلال ترميم العديد من الملاعب الرياضية أهمها مركب محمد الخامس، ومركب الأمل، بالإضافة إلى مركب العربي الزاولي.

وأشار العضو بالجماعة إلى الإكراهات التي واجهت سابقا صيانة مركب محمد الخامس المتواجد وسط مجمعات سكنية، أهمها صعوبة ولوج الجماهير  القادمة من المدن البعيدة، نظرا للاختناق المروري.

ولفت بأن جماعة الدار البيضاء استجابت لملاحظات لجنة الاتحاد الإفريقي، وتستعد لإتمام الأشغال التي ستكون شهر مارس المقبل 2025 كحد أقصى  وهي على وشك الانتهاء لمنح المفاتيح إلى اللجنة التنظيمية من أجل الاستعدادات المسبقة لاستقبال هذه الأحداث الكروية.

وتابع من جانب آخر، أن الدار البيضاء تنتظرها مشاريع ضخمة، جعلت المجلس يتحرك في دينامية وحركية لم يشهدها من قبل، مؤكدا  أن الفائض الذي عرفته جماعة الدار البيضاء حاليا، يمكن أن تستفيد منه العديد من المشاريع على مستوى المدينة، من أجل تمليع صورتها في وجه الوافدين الجدد عليها خاصة عند استقبال مظاهرات كروية عالمية.

وخلص إلى أن العمدة شددت أثناء عرضها وثيقة تنفيذ الميزانية في دوراتها السابقة، على ضرورة تظافر جهود الأعضاء والجماعات والدولة لضخ موارد مالية واعتمادات أخرى تواكب المشاريع الكبرى التي تحتضنها الجماعة لتتلاءم وتظاهرات 2026-2030.

مخططات سككية

المغرب دخل حلقة بلوغ الهدف لكسب الرهان، عبر تعزيز وتطوير البنية التحتية، التي تعتبر أساسية لصناعة النجاح على عدة قطاعات، من خلال العمل على تطوير النقل الجوي والبحري وكذا السككي.

محمد عبد الجليل وزير النقل واللوجستيك، كشف يناير الماضي من هذه السنة، أنه تمهيدا لتعزيز الربط السككي بين المدن ومطارات المملكة، قام المكتب الوطني بإنجاز دراسة استشرافية مهيكلة لتوسيع الشبكة السككية أطلق عليها اسم “المخطط السككي 2040″، والتي ترتب عنها تحديد مخطط يهم إنشاء 1.300 كلم من الخطوط الجديدة للسرعة الفائقة.

وأوضح وزير النقل، أن المكتب الوطني للسكك الحديدية، بات يوفر 38 قطارا يوميا، في الاتجاهين بوتيرة قطار كل ساعة من الخامسة صباحا إلى الحادية عشرة مساء، على المحور السككي الرابط بين مطار محمد الخامس الدولي ومحطة الدار البيضاء -الميناء، المرتبطة بباقي الشبكة الوطنية.

وتابع أن هذا التطوير يهم مشاريع أخرى تتعلق بإنجاز القطار الفائق السرعة بين القنيطرة ومراكش عبر الرباط والدار البيضاء، وكذا إنجاز شبكة السكك الحديدية الجهوية بكل من الدار البيضاء والرباط، قال الوزير إنه سيتم ربط كل من المطار الدولي محمد الخامس- الدار البيضاء ومطار الرباط سلا بوتيرة أكبر مع شبكة السكك الحديدية.

أي مكاسب تنموية؟

محمد جذري، محلل اقتصادي، يرى أن تنظيم أحداث عالمية لكرة القدم سنة 2030، لا يمكنه إلا أن يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني المغربي قبل وأثناء تنظيم المونديال وبعده كذلك.

وأكد ضمن تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن المغرب اليوم مقبل على خوض العديد من الاستثمارات تتعلق بالبنى التحتية، منها الملاعب والفنادق والنقل الطرقي والقطارات الفائقة السرعة وغيرها من البنى التحتية.

حسب المحلل الاقتصادي، فإن أول ما سيربحه المغرب هو نجاحه في تدبير الزمن، معتبرا أن كل هذه الأوراش المستقبلية ستكون جاهزة كأبعد تقدير سنتي 2027 و2028 لمنافسات المونديال.

هذه الأوراش والبنى التحتية حسب جذري، بإمكانها ضخ أموال ورساميل أجنبية مهمة ستخلق ثروة ورواجا اقتصاديا كبيرا، بالإضافة إلى توفير مناصب الشغل.

وأثناء فترة المونديال يضيف جدري ستنتعش العديد من المهن المؤقتة لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، تتعلق بتنظيم هذه الأحداث الدولية الكبرى، مشيرا إلى أن هذا الحدث سيحتاج العديد من المجهودات والطاقات الشابة لإنجاحه.

استقطاب سياح العالم

وعلى غرار ما سيستفيد منه المغرب أثناء هذه الفترة، يشير جدري إلى عائدات ارتفاع حركية النقل الجوي والسياحة كذلك، بالإضافة إلى الإقبال على مجموعة من الخدمات الترفيهية منها المطاعم، المقاهي، والفنادق من أجل المبيت.

ارتفاع منسوب هذه الخدمات الاجتماعية المقدمة للسياح المقبلين على مشاهدة مباريات الفرق العالمية المشاركة بالمونديال، يسهم حسب المحلل الاقتصادي في خلق مجموعة من فرص الشغل بعضها مؤقت وبعضها دائما.

وبعد مرحلة انتهاء منافسات المونديال، أكد جدري أن الإشعاع الذي سيعرفه العالم من خلال الأحداث الكروية التي سيشاهدها الملايير من الناس عبر مختلف ربوع العالم، سيهتمون باكتشاف المغرب بعد المونديال، ما سينعش حسبه القطاع السياحي والصناعة التقليدية وكذلك قطاع النقل بأصنافه.

وسيكون المغرب حسب المصدر ذاته قد حقق على الأقل 26 مليون سائح، ويطمح بالوصول إلى 30 أو 40 مليون، مشيرا إلى أن هذه العوامل ستمنح العديد من المستثمرين الأجانب في اكتشاف المغرب.

وخلص الخبير الاقتصادي، إلى أن تنظيم هذا الحدث العالمي بالمغرب من شأنه أن يوفر عن هذا البلد الوقت، أي التحديات الراهنة لتسريع تنزيل الكثير من الأوراش والمشاريع المتعثرة.

وستسهم هذه العوامل حسب جدري في تصدر مراتب معينة من حيث مؤشر التنمية بالمغرب والوصول إلى درجات كبيرة لخلق الثروة ومناصب الشغل، والتحسين من صورة المملكة المغربية لتكون قبلة للسياح ووجهة عالمية بامتياز.

“مشروع القرن”

عودة العلاقات المغربية الاسبانية في شقها الاقتصادي، ومساهمة المشروع الكبير المتعلق بالنفق البحري الرابط بين ضفتي المتوسط، الضفة الشمالية من المغرب والجنوبية بإسبانيا، سيعيد لامحالة تقوية مسار العلاقات بين البلدين وكسب الرهان التنموي، حسب المحللين.

الحسين أولودي، باحث في الجغرافيا السياسية، أوضح أن هذا المشروع الضخم الذي استحق لقب “مشروع القرن”، سيجني ثمارا  لن يستفيد منها المغرب واسبانيا فقط، كشريكين متعاونين في المشروع الاستراتيجي الكبير، وإنما التنمية الاقتصادية على مستوى دول القارتين الأوروبية بشكل عام والأفريقية بشكل خاص.

وتابع  في حديث مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن هذا المشروع الذي أسال لعاب المستثمرين، جمع بين دولتين تشتركان في روابط اقتصادية وتجارية وسياسية قديمة، مؤكدا أن السنوات القليلة الماضية أخدت العلاقات بين الرباط ومدريد منعطفا جديدا لمحت لبوادر شراكات تنموية مستقبلية مهمة.

وعرج أولودي في هذا السياق إلى ذكر اتفاقيات الشراكة بين البلدين في مجال الصيد البحري والتعاون الفلاحي وأهمية البحث الزراعي، بالإضافة إلى المبادلات التجارية وحجم نموها وتطورها سنة بعد سنة، إلى جانب الاستثمارات الاسبانية بالمغرب واستقرار بعض الشركات، والاستعانة باليد العاملة في عقود العمل بين البلدين، كلها مظاهر لعلاقات إيجابية تربط الرباط بمدريد، والمغرب سيحصد ثمارها حسب المتحدث ذاته في النفق البحري الذي سيسجل نموا اقتصاديا تنتفع منه البلدين.

مسار تطور هذه العلاقات حسب الباحث طبع مشروع جديد يتعلق بالنفق البحري الذي سيضمن ملامح استقرار العلاقات وتعبيد الطريق نحو تطوير الانشطة الاقتصادية التنموية وبالتالي خلق مناخ جيد للأعمال والاستثمار، يضيف أولودي.

وبالحديث عن تشجيع الاستثمارات المرتبطة حسب المتحدث ذاته، بالاستقرار السياسي والأمني، أوضح أن فتح المغرب أبوابه لهذا العرس الكروي المنتظر، الذي سيعرف تنظيما مشتركا مابين كل من المغرب واسبانيا والبرتغال، من شأنه التأثير إيجابا على أكثر من صعيد.

الجدوى الاقتصادية من مشروع الربط القاري بين البلدين عبر مضيق جبل طارق، يشير المصدر ذاته أنها ترتبط أولا بتمهيد الطريق نحو تسريع إنجاز المشروع بدءا من السنة الحالية إلى غاية 2026 أي قبل مونديال 2030، بالاستعانة بخارطة طريق تعزز مكانة المشروع الاستراتيجي سواء وطنيا أو دوليا.

هذا وينضاف إلى ذلك  أن التقييم الاقتصادي والاجتماعي لنتائج هذا النفق المهم، سيساهم في تبادل الخبرات والكفاءات، واكتشاف المنطقة الجيولوجية البحرية القارية لضفتي المتوسط، بالإضافة إلى التعاون والشراكة بين المدارس والمراكز لإنجاح هذا المشروع الكبير.

وخلص إلى أن اللبنة الأساسية لهذا المشروع الكبير تعود إلى اللقاء بين المغفور له الحسن الثاني والملك الاسباني السابق خوان كارلوس سنة 1979، والذي انتهى بفكرة رغبة البلدين لإخراج هذا المشروع إلى الواقع لما فيه من مصلحة اقتصادية واجتماعية وتنموية للبلدين، وبرهان لعربون عمق العلاقات بينهما وتطوير الشراكة الاقتصادية والتجارية والسياسة وتعميق العلاقات التاريخية القديمة-الجديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News