خروقات المقالع.. غياب الشفافية والرقابة وإنعاش للغش والسوق السوداء

توقف رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عند الخروقات التي تنخر قطاع المقالع بالمغرب، مؤكدا غياب شفافية طلبات التراخيص وضعف الرقابة، إضافة إلى استنزافها عبر الاستغلال غير المعقلن، وتسببها في أضرار بيئية واقتصادية واجتماعية وخيمة دون المساهمة في التنمية الاقتصادية للمناطق التي توجد بها.
وأشار رأي المجلس حول “آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد الطبيعية (الموارد المائية والمقالع)”، والذي اطلعت عليه جريدة “مدار21″، إلى عدد من الاكراهات المرتبطة بتنفيذ آليات منح التراخيص ومراقبة الاستغلال في مجال المقالع، وضمنها أيضا انتهاك حقوق العمال، وإنعاش الغش والتهرب من التصريح بالمداخيل والمساهمة بإنعاش القطاع غير المهيكل.
غياب الشفافية ومقالع خارج الرقابة
أكد مجلس الشامي أن غالبية المشاركات و المشاركين (68.38%) في الاستشارة احول آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال المقالع يروون أن “تنزيل هذه الأليات لا يراعي مبادئ الشفافية والانصاف بين المتقدمين بطلبات الترخيص خلال مختلف مراحل هذه العملية”، مؤكدة أن التعليقات دعت إلى إرساء مزيد من الشفافية على مستوى المساطر وتعزيز مبادئ الإنصاف والمساواة. فضلا عن تشديد المراقبة مع سن عقوبات رادعة في حالة مخالفة القوانين ذات الصلة.
وسجل المجلس، ضمن الرأي نفسه، وجود “نقص في الموارد البشرية والإمكانيات التشغيلية المخصصة لتدبير المقالع على مستوى وزارة التجهيز والماء”، مشددا أن “ثمة عدداً لا يستهان به من هذه المقالع يفلت من المراقبة المنتظمة”.
استنزاف المقالع
وكشف المجلس أن الاستغلال غير المقيد والمفرط لبعض أنواع المقالع ينتج عنه “تأثيرات طويلة ومتوسطة وقصيرة الأمد لا ينبغي تجاهلها”، موضحا أن هذا الاستغلال يهدد بشكل كبير استدامة هذه الموارد، وكذلك حق الأجيال المستقبلية في الاستفادة من مستويات مماثلة للموارد التي تنعم بها الأجيال الحالية.
واستحضر الرأي تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الصادر سنة 2019، الذي أكد أن “نصف الرمال المستخدمة في المغرب، أيما يناهز 10 ملايين متر مكعب سنويا، تأتي من استخراج الرمال الساحلية بشكل غير قانوني”، مما يتسبب في تحويل شريط شاطئي شاسع يقع بين أسفي والصويرة إلى مجرد منطقة صخرية عارية.
ويتم غالبا استخراج الرمال من الشواطئ، حسب المصدر، “لبناء الفنادق والطرق وغيرها من البنى التحتية المتعلقة بالسياحة. وقد يؤدي استمرار أعمال البناء في بعض الأماكن إلى وضع غير مستدام وإلى فقدان الميزة الطبيعية الرئيسية للمنطقة أمام الزوار، وهي الشواطئ”.
مقالع تفاقم البطالة والفقر
ويؤدي الاستغلال الجائر لبعض أنواع المقالع، وفق المجلس، إلى تدمير وتدهور النظم البيئية والموائل، وإحداث تغييرات في المناظر الطبيعية، والإضرار بالبنية التحتية الطرفية، إضافة إلى التأثير سلبا على المجالات الترابية والصحة العامة؛ عبر التلوث والضوضاء، وانخفاض قيمة العقار والتأثير على خصوبة الأراضي المجاورة للمقالع إلى جانب الآثار غير المباشرة على الأمن الغذائي والمائي، وانخفاض جاذبية المجالات الترابية، إضافة إلى التأثير على سبل عيش الساكنة المحلية القاطنة بالقرب من المقالع مما يزيد من هشاشتها السوسيو اقتصادية ويسهم في هجرتها إلى مناطق أخرى.
وفي السياق نفسه أشار غالبية المشاركات والمشاركين بالاستشارة إلى أن هذه الآليات لها تأثير محدود (47.41%) أو ليس لها أي تأثير (37.04%) على التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المستوى المحلي، كما ذهبت التعليقات إلى أن آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال المقالع تعتبر من بين العوامل التي تكرس التفاوتات الاجتماعية والمجالية الصارخة، وأن المساطر المتعلقة بمنح التراخيص في المغرب تساهم فعليا في تفاقم البطالة وتعميق جذور الفقر.
مقالع خطيرة وانتهاك حقوق العمال
وأشار المجلس إلى أن عملية إعادة تأهيل المقالع القديمة ماتزال تصطدم بعقبات جمة، مفيدا أن بعض المستغلين يقدمون “على مغادرة هذه المواقع بعد الانتهاء من استغلالها دون القيام بأشغال إعادة التهيئة اللازمة، أو القيام بها بشكل لا يتوافق مع المعايير المحددة”، مما ينجم عنه “تشويه المناظر الطبيعية، و تحول هذه المواقع إلى بؤر خطرة أو مصادر للتلوث، خاصة عند استغلالها كمطارح نفايات عشوائية، مما يؤثر سلبا على النظم البيئية والمياه الجوفية”.
واستحضر المجلس أن تعليقات بعض رواد شبكة الإنترنت تشير إلى أنه حتى المقالع التي يفترض أنها مصرح بها. لا تلتزم بالضوابط البيئية المعمول بها، مشددين على ضرورة تخفيف الضغط على الموارد الطبيعية غير المتجددة في بعض الجهات.
ولفت رأي مجلس الشامي إلى “ضعف امتثال ظروف العمل في المقالع للنصوص التنظيمية والمعايير الفضلى في مجال المسؤولية الاجتماعية للمقاولات ويتجلى هذا عادة في علاقات عمل غير منظمة بالشكل الكافي وأجور متدنية، وعدم التصريح الكامل أو التصريح الجزئي بالعاملين بالإضافة إلى ارتفاع مخاطر حوادث الشغل والأمراض المهنية”.
إنعاش الغش والقطاع غير المهيكل
ولفت إلى أن قطاع المقالع يتأثر بشكل ملحوظ بنقل الأنشطة غير المنظمة ويتجسد ذلك في مظهرين أساسيين: الأول هو وجود مقالع غير مصرح بها، ويتمثل الثاني في وجود مقالع مرخصة تقدم على ممارسات من قبيل الغش وعدم التصريح الكامل بالمداخيل، وحاليا، يتم تداول نسبة تتراوح ما بين %50 و 60% من المواد المستخرجة الركام مثل الحصى والرمال ضمن القطاع غير المهيكل، مما يخلق منافسة غير مشروعة تضر بالقطاع وتفوت مداخيل إضافية على خزينة الدولة والجماعات الترابية.
وسجل المجلس “بطء نسبي في دينامية إعداد المخططات الجهوية لتدبير المقالع المنصوص عليها في القانون 27.13، إذ لم تصدر بعد هذه المخططات في الجريدة الرسمية بموجب مرسوم كما هو منصوص عليه في القانون رقم 27.13، الأمر الذي يترتب عنه تأخير تفعيل هذا القانون وضعف فعالية آليات منح التراخيص ومراقبة الاستغلال.
وعلى الرغم من نشر القانون رقم 49.17 المتعلق بالتقييم البيئي سنة 2020، فإن مقتضياته لم تدخل بعد حيز التنفيذ جراء تأخر صدور المراسيم التطبيقية المنصوص عليها لتنفيذه، معتبرا إن هذا التأخير “يفسح المجال أمام اعتماد سياسات وبرامج ومخططات جديدة دون خضوعها لإجراء التقييم البيئي الاستراتيجي المنصوص عليه”.
يظل النظام المعلوماتي المعتمد حاليا في قطاع المقالع بسيطا و لا يتيح توفير قاعدة بيانات تعزز من حكامة هذا القطاع، لاسيما في ما يتعلق بتيسير الولوج السريع والسهل للمعلومات وتحيين المعطيات المتاحة بناء على التطور الذي يشهده القطاع، والتوزيع الجهوي للمعطيات المتوفرة.