فن

جدلي: مسرحية “روفيج” تنقل قصص نساء معنفات وامتهان الفن مغامرة صعبة

جدلي: مسرحية “روفيج” تنقل قصص نساء معنفات وامتهان الفن مغامرة صعبة

قرر المؤلف والمخرج عمر جدلي نقل مرارة الواقع وجسامة الظلم ووحشية العذاب، الذي تعيشه نساء في كنف الزوجية في أمكنة مختلفة من هذه الأرض، في مسرحيته الجديدة “روفيج” المرتقب تقديم عروضها في عدد من المدن المغربية.

ويعتبر جدلي أن الاهتمام بقضايا الواقع ليس اختيارا فنيا أو جماليا، إنما يعد واجبا إنسانيا، لكون التجارب الواقعية، خاصة المريرة منها التي يعيشها بعض الأشخاص في مجتمعنا، وتشكل نوعا من الدراما ينقلها الأدب بشكل عام وخشبة المسرح بشكل خاص، تدخل في إطار الرسالة النبيلة للفنان والكاتب والمبدع، النابعة من الشعور بالانتماء إلى الوطن والإنسانية.

وأضاف جدلي في تصريح لجريدة “مدار21” أن معالجة هذا النوع من التجارب ونقلها إلى خشبة المسرح وتقاسمتها مع الجمهور، يكون من خلال إحساس ناقلها وتفاعله معها، وكأنه يعبر عن موقفه مما يحدث.

وأشار إلى أنه يُسلط في هذه التجربة الضوء على “ما حدث لمجموعة من النساء اللواتي تعرضن للعنف في كنف الزوجية، وما أصعب أن تتعرض المرأة للعنف في الكنف الذي من المفروض أن يحتضنها وأن يُوفر لها السكينة ويوفر لها الحماية، وتعنيفها من قبل زوجها الذي من المفروض أن يكون السند والغطاء والأمن، والدفء والحنان، وكل هذه الأشياء المهمة في الحياة التي تبحث عنها المرأة”.

وتابع أن هذه التجارب واقعية تعرف على تفاصيلها في جمعية ببلجيكا، تهتم بقضايا النساء من هذا النوع، وتشتغل مع مأوى يحتضن النساء المعرضات للعنف، إذ استمع إلى قصص على لسان بعضهن، إلى جانب سرد بعض الفتيات تفاصيل عن تعرض أمهاتهن لهذه الوقائع، مضيفا: “حاولت أن أوظف كل تجاربي وخبرتي في الكتابة والإخراج لنقل هذه القصص الواقعية من الدفاتر ومن روايات أصحابها إلى خشبة المسرح، لبعث العديد من الرسائل تتمثل في نظرتنا إلى هذه الأحداث، وتعاملنا معها”.

وأكد المتحدث ذاته أن “الاهتمام بهذا النوع من القضايا يعد واجب من واجبات المبدع الذي يشتغل في الدراما والأدب سواء في الكتابة السردية (الرواية والقصة القصيرة)، أو على مستويات المسرح والسينما والتلفزيون، معتقدا أن “هذا النوع من الأعمال ينجح لأنه حقيقي وليس من وحي الخيال، ويستند إلى قصص واقعية يضيف إليها الكاتب لمسته الإبداعية وفق تصور فني جمالي”.

وسبق لعمر جدلي أن اشتغل على هذا النوع من التجارب في مسرحيته “سحت الليل” منذ أربع سنوات، والتي ما تزال عروضها مستمرة، وتطرق فيها إلى قصة جندي عاد من الحرب، فوجد صديقه أخذ مكانه وسيطر على زوجته وبيته وأملاكه، ناقلا مأساة جندي ذهب للتضحية من أجل وطنه، ليعود ويجد شخصا آخر أخذ مكانه.

وبخصوص مسرحية “روفيج”، فتُروى على ألسنة خمس شابات قضين أوقات مجتزأة من طفولتهن رفقة أمهاتهن في ملجأ النساء ضحايا العنف، وتعاهدن على أن يعدن للمكان نفسه بعد خمس عشرة سنة ويحكين للعالم أسرارهن كاملة حتى لا تبقى معاناة أمهاتهن رهينة الجدران.

ومن المرتقب تقديم ستة عروض لمسرحية “روفيج” خلال شهر رمضان المقبل، بكل من مدن الرباط، وسلا، والقنيطرة، ومكناس، ومراكش، وآسفي.

وفي هذا الإطار، يقول عمر جدلي إن لرمضان العديد من الخصوصيات منها “الدينية المتعلقة بالعبادة والتقرب إلى الله، وأخرى فنية وثقافية، تشكل متنفسا للمغاربة خلال هذا الشهر”، مشيرا إلى أن الإقبال على العروض المسرحية يرتفع خلال هذا الشهر، شريطة أن يخصص لها الوقت المناسب، وتنتعش خلال هذا الشهر السهرات الرمضانية، والمهرجانات والأيام الثقافية.

وأضاف: “عن نفسي أفضل عدم تقديم العروض في رمضان، غير أن البرمجة وفقا للالتزام السنوي، تفرض عليك أحيانا تقديم بعضها خلال هذا الشهر المبارك”.

وتنظم الفرقة جولة مسرحية بدعم من وزارة الثقافة وبشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية وبتعاون مع مجموعة من الجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق المرأة، بمشاركة مجموعة من الممثلين الشباب الذين يدرسون في الكلية، وهم زينب القادري، وصال بنشريف، إيمان صامت، وفيروز عاميري، زينب أوبدي، وفردوس الرامي، ومحمد أمين الناصري، وإبراهيم بوثالوث، وعبد الفتاح سحيمدات، تحت إشراف الأستاذ أحمد ثوبة منسق الماستر، ومنير السرحاني نائب عميد الكلية، يضيف جدلي.

وبخصوص أهمية التكوين في المعاهد والمسرح الجامعي، يرى جدلي أنها مهمة جدا للشباب الراغب في ولوج الميدان، مردفا: “الانفتاح على هذا النوع من التكوينات المسرحية، واختيار مهنة المسرح، يعد خيارا صعبا، لأنها مهنة المخاطر وتتجسد صعوبتها في كونها حديثة العهد في المجتمع المغربي في ظل غياب سوق شغل مضبوط ومنظبط، وغياب صناعة إبداعية ومسرحية قائمة بذاتها”.

ويضيف في السياق ذاته: “لذلك فامتهان الفن والمسرح يعد مغامرة، قد تكون جملية إذا كان الشخص قادرا على الاندماج بشكل صحيح، ويوظف إمكانياته ويتكون بالشكل الصحيح أيضا”.

وتابع جدلي إلى أنه “مع الأسف يوجد لدينا معهد واحد يستوفي الشروط المتعارف عليها دوليا في التكوين المسرحي، وهو المعهد العالي للفنون المسرحية والتنشيط الثقافي بالرباط، في انتظار إحداث معاهد في مدن أخرى، وهناك أيضا تكوينات في المعاهد البلدية في الدار البيضاء حصرا، والتي توفر التكوين لفائدة الشباب، إلى جانب وجود استثناءات في بعض الكليات التي تخصص إجازات مهنية وماسترات في المسرح والسينما، كما كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة المحمدية التي اشتغلت مع طلبتها، ولو أن هذه التكوينات الجامعية لا يكون فقط الممثلين إنما يساهم في تخرج نقاد وأطر ومخرجين، وسينوغرافيين وتقنيين، ويبقى على المتعلم أن ينمي قدراته ومهاراته في الطريق الذي يختاره”.

وأكد أنه “من المهم جدا أن تكون لدينا معاهد تكوين في مجال المسرح، في ظل غياب المعاهد التي تؤهل موارد بشرية قادرة على أن تكون فاعلة في سوق الشغل، إذ لا يمكن أن يكون لدينا سوق شغل قائم بذاته، في ظل قلة الموارد، رغم خلق التوازن بالعروض المسرحية والإبداعات والإنتاجات التلفزيونية والسينمائية، وتخرج 20 طالبا في السنة يعد رقما ضعيفا جدا”.

وعن اقتصار تقديم عروض مسرحيته في المدن الكبرى، أوضح جدلي أنه دائما ما يقتصر تقديم العروض المسرحية على المدن الكبرى، ويعود السبب في ذلك إلى البنيات التحتية، لكون المدن الكبرى تتوفر على البنيات التحتية مع بعض الاستثناءات في بعضها التي لا تتوفر على مسرح حقيقي مثل مراكش وفاس وغيرهما”.

وأضاف: “الفرق المسرحية تبحث عن جودة بنيات استقبال عروضها، أما المدن الصغرى وبعض المناطق النائية فهي في حاجة ماسة إلى وجود بنيات تحتية، لتقديم الخدمات الثقافية التي تدعمها وزارة الثقافة، لذلك على المسؤولين، خصوصا الجماعات المحلية تهيئتها كما تهيئ الطرقات وغيرها من المرافق”.

وتابع جدلي بدور وزير الشباب والثقافة والتواصل لتأهيل مجموعة من المراكز لتصبح مركبات متعددة الاختصاصات تجمع ما بين المسرح والسينما، ما يستدعي عقد الجماعات المحلية والقروية شراكات مع وزارة الثقافة، لأن المغاربة في حاجة إلى الغذاء الروح، كما في حاجة إلى الطعام والخدمات الصحية والتعليم وغيرها من الخدمات الحيوية، وفي حاجة إلى الثقافة والتوعية، والتعرف على تجارب أخرى وهذا لا يمكن إتاحته إلا من خلال القراءة من جهة والتي بأت تتراجع، والصورة على مستويات السينما والمسرح والأعمال التلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News