إسكوبار الصحراء.. القصة الكاملة لسقوط أكبر شبكة مخدرات بالمغرب

ما زالت قضية أحمد بن إبراهيم المالي، بارون المخدرات الدولي المعروف بـ”إسكوبار الصحراء”، تفجر المفاجآت، بعدما أسقطت وجوها سياسية ورياضية بارزة، التي بدأت برئيس مجلس عمالة الدار البيضاء ورئيس نادي الوداد الرياضي، سعيد الناصري، ورئيس مجلس جهة الشرق، عبد النبي بعيوي، القياديان في حزب الأصالة والمعاصرة، و23 متهما آخرين متابعين في ملف يضم تهما ثقيلة.
صكوك من الاتهامات تلك التي سطرتها النيابة العامة وقاضي التحقيق في حق سعيد الناصيري، الذي يواجه إلى جانب بعيوي تهما ثقيلة تتعلق بـ”التزوير في محرر رسمي باصطناع اتفاقات واستعمالها، المشاركة في اتفاقات قصد مسك المخدرات والاتجار فيها، النصب ومحاولة النصب، استغلال النفوذ، حمل الغير على الإدلاء بتصريحات وإقرارات كاذبة عن طريق التهديد، إخفاء أشياء متحصلة من جنحة، وتزوير شيكات واستعمالها، ومباشرة عمل تحكمي ماس بالحرية الشخصية والفردية قصد إرضاء أهواء شخصية.
“جون أفريك” تفجّر “الفضيحة”
كانت الصحيفة الفرنسية “جون أفريك” أول من كشف خيوط الملف الصيف الماضي، بعد نشرها تفاصيل القصة الكاملة لاعترافات بارون المخدرات المالي المعتقل منذ 2019 بمدينة الجديدة، والذي اتهم عدة وجوه سياسية ورياضية بارزة في المغرب بالاستيلاء والسطو على ممتلكاته، مستغلين وجوده بالسجن.
ووصفت الصحيفة الملف بـ”إسكوبار الصحراء”، الذي جاء حمل التحقيق فيه العديد من المفاجآت، وأسقط شبكة تنشط في التهريب الدولي للمخدرات بالمغرب.
يلقب بـ“إسكوبار الصحراء”، جنسيته مالية لكن لديه أصوله مغربية، ويوجد رهن الاعتقال منذ 2019 بسجن الجديدة قبل نقله علة ذمة التحقيق الجاري حالية إلى سجن “عكاشة” بالبيضاء. ويلقب أيضا بـ”المالي” نسبة إلى دولة مالي، واسمه الحقيقي الحاج أحمد بن إبراهيم.
قصته انطلقت حسب “جون أفريك” حينما قدم مساعدة إلى فرنسي يهودي الديانة، الذي واجه عطلا في سيارته وسط الصحراء، وانتهت هذه الخدمة بحصول الحاج بن ابراهيم على هدية عبارة عن سيارته ليبيعها للحصول على بعض المال، لكن المالي الشاب باع السيارة وأرسل المال إلى الفرنسي، ما جعل هذا الأخير يقدر هذا الموقف فاقترح عليه مشروعا عبارة عن التعاون في مجال تصدير واستيراد السيارات من أوروبا إلى إفريقيا.
وبعد تعرفه على مسالك النقل الدولي والجمارك في تجارة السيارات، انتقل المواطن المالي إلى تجارة الذهب وأصبح بعد ذلك باورن التجارة في الساحل ورائد الجريمة المنظمة، و”عرّاب” تهريب الكوكايين القادم من أمريكا اللاتينية في اتجاه دول غرب إفريقيا.
وفي سنة 2010، ربط علاقات مع شخصيات سياسية مغربية في الجهة الشرقية على الخصوص من أجل تطوير تجارة القنب الهندي من المغرب نحو إفريقيا، ومن هناك تعرف على شخصيات سياسية ورياضية نسج معها علاقات لتسهيل تهريب المخردات عبر التراب المغربي، ليلقى عليه القبض سنة 2015 في موريتانيا بعدما صدرت مذكرة من الشرطة الدولية الإنتربول في حقه.
الفيلا اللغز!
بعد خروج المواطن “المالي” من سجن موريتانيا عام 2019، قرر الرجوع إلى المغرب، بعدما أرسل مبلغ 8 ملايير للناصيري من السنغال لتغطية تكاليف إصلاحات بفيلا في منطقة كاليفورنيا بالدار البيضاء، على أن يسترد المبلغ المتبقي بعد عودته إلى المغرب، لكنه فوجئ باستيلاء رئيس الوداد عليها وفق ما كشفته “جون أفريك”.
وبمجرد وصول بن إبراهيم إلى مطار محمد الخامس سنة 2019، تم اعتقاله من طرف المكتب المركزي للتحقيقات والأبحاث القضائية، بعدما أكد له “شركاؤه” بالمغرب أنه غير مبحوث عنه، ليتبين له في ما بعد أنهم نصبوا له فخا، فقرر فضح الجميع، لتبدأ خيوط القضية في التسلسل لتصل سياسيين إلى جانب 23 متهما إضافيا.
فنانة مغربية في قلب الزوبعة
بدأت علاقة الفنانة المغربية لطيفة رأفت بزوجها السابق الحاج المالي سنة 2013، حينما كانت تتواجد شهر نونبر بأحد فنادق زاكورة لإحياء سهرة مهرجان التمور، وقالت إنها كانت تتواجد بجانب سعيد الناصيري الذي قام بالتصريح لكل الحاضرين أن المسمى الحاج أحمد بن ابراهيم هو من قام بتمويل مهرجان التمور بمبلغ 150 مليون سنتيم، في ما أكدت “جون أفريك” أن البارون قام أيضا بتمويل حملة انتخابية بالمنطقة لفائدة البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة عن طريق تقديم هبات وهدايا وسيارات.
بعد صدور قرار اعتقال الناصيري وبعيوي ومن معه، وبعدما ورطها الناصيري أثناء دفاعه عن براءته، وفق ما كشفت مصادر مقربة من الملف لـ”مدار21″، خرجت لطيفة رأفت في بث عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتوضح حقيقة زواجها ببارون المخدرات، ولتنفي أية صلة به بعد الطلاق.
وقالت لطيفة رأفت “هذا السيد دخل من باب واسعة، وبغى يتزوج بلطيفة بعدما تعرف عليها في ظرف 15 يوما فقط، وطلب منها الزواج”، مضيفة أنه خلال هذه المدة القصيرة من التعارف، كانت لديها معلومات قليلة حول المالي، حيث ادعت أنها تعرف فقط أنه رجل أعمال من دولة مالي دخل إلى المغرب من أجل الاستثمار، وعرفت عنه أنه يملك شركات وأموالا، ولم تكن تعرف أنه يتاجر في المخدرات، مؤكدة: “لا يمكن أن أتزوج شخصا نخدم عليه”.
وأوضحت رأفت أن أحمد بن إبراهيم “طلبها في الحلال ومشيت معه في الحلال على سنة الله ورسوله”، وأضافت: “هذ السيد جا من باب واسعة، ووافقت على الزواج به، وتطلقت منه بعد 4 أشهر و4 أيام”.
وكشفت مصادر الجريدة أن رئيس الوداد، سعيد الناصيري، وجه اتهامات عديدة للطيفة رأفت في محاولة لتبرئة نفسه من التهم الموجهة إليه، كما أكد أنها كانت السبب في المشاكل التي وقعت بينه وبين المواطن المالي عند زواجهما.
سيارات صينية بمركب الوداد
وكشفت مصادر الجريدة، أن “البارون المالي” كشف أثناء التحقيق أنه استورد العديد من السيارات والشاحنات من دولة الصين، وحاول مرارا الحصول على شهادة المطابقة الخاصة بتداول هذه العربات بالمغرب لكنه لم ينجح في ذلك، مما دفعه إلى توزيعها، حيث سلم الناصيري 6 سيارات بمدينة الدار البيضاء، وهو الأمر الذي أنكره هذا الأخير ونفى استيراد تسلمها.
ولكن مجريات التحقيق، وفق مصدر “مدار21″، أكدت عكس مزاعم الناصيري الذي ووجِه بشهادات لمستخدمين بالمركب الرياضي بن جلون، الخاص بفريق الوداد الرياضي، تؤكد وجود 6 سيارات صينية بالمركب، منذ سنة 2014، وظلت زهاء سنة ونصف مركونة بالمركب.
ونفى الناصيري اتهامات المواطن المالي والمتمثلة في كون جميع السيارات التي اقتناها بالمغرب كانت من شركة المسمى (ك.ع) كانت تروج بشارات البرلمان لتسهيل تنقلات البارون داخل المغرب.
ونفى الناصيري، وفق المصدر ذاته، كل التهم الموجهة إليه في ما يخص الاتجار الدولي بالمخدرات والسطو على ممتلكات المواطن المالي، وأكد أنه عرفه لأول مرة عن طريق زميله في حزب “الجرار”، عبد النبي بعيوي، أواخر سنة 2013، الذي قدمه على أنه رجل أعمال ودبلوماسي ومستشار خاص بدولة مالي، مشددا على أن علاقته به لم تتجاوز المعاملات التجارية.
اتهامات بالنصب على” المالي”
وجه أحمد بن إبراهيم تهما بالنصب والسطو على ممتلكاته لشريكيه السابقين، سعيد الناصيري و عبد النبي بعيوي، وفق ما أكدته مصادر جريدة “مدار21”.
واتهم “المالي” الناصيري بالاستيلاء على 5 شقق في ملكيته بمدينة السعيدية، حيث تم تفويتها بمقابل مادي قدره 410 ملايين سنتيم دون دفع هذا المبلغ حسب ما صرح به أحد بن إبراهيم، في وقت أضر الناصيري على أنه اشترى شقتين فقط نظير بيعه سيارة للمواطن المالي الذي لم يكن يملك سيولة لتسديد قيمتها.
كما وجه اتهام السطو على “فيلة” كانت تملكهما زوجة عبد النبي بعيوي، وانتزعها منها عن طريق الابتزازا، قبل أن يتم نقل ملكيتهما بطريقة مشبوهة إلى صهره منه إلى الناصيري، وفق المصدر ذاته.
وأيضا، وحسب مصادر”مدار21″، فإن المواطن المالي الحاج بن ابراهيم، أكد أنه خلال فترة سجنه بموريتانيا، كان يملك شقة بمدينة المحمدية قرب محطة القطار، وهي الشقة التي عرضها الناصيري للبيع بمبلغ 250 مليون سنتيم للمالي، واتفقا على 200 مليون فقط تسلهما رئيس الوداد دون أن يقوم بأي إجراء لنقل ملكيتها للحاج المالي، قبل أن يستغل ظروف الأخير كونه معتقلا يالسجن، وتم التغرير به، والاستيلاء على مفاتيح الشقة، وتعريضه لعملية النصب بعد أن أدى كان “المالي” المبلغ نقدا، تضيف مصادر الجريدة المقربة من التحقيق.
لكن الناصيري نفى الأمر جملة وتفصيلا خلال التحقيق معه معللا ذلك بأن القدرة المالية للمالي لم تكن تخول له اقتناء هذه الشقة، مشددا على أن ملكيتها تعود إليه.
اعتراف بالاتجار الدولي بالمخدرات
حسب مصادر الجريدة، جاء في تصريحات مهرب المخدرات المالي الحاج أحمد بن ابراهيم، وفق مصادر الجريدة، أنه سلم سنة 2013 سعيد الناصيري، في إطار نشاطه إلى جانب شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات التي يتزعمها عبد النبي بعيوي، مبلغ 100 مليون كانت لتسهيل عملية عبور كمية كبيرة من المخدرات داخل التراب المغربي، إلا أن الناصيري أبلغه أنه خسر المبلغ في “كازينو” بالجديدة، لكن المتهم نفى أي صلة له بهذه العمليات أو توصله بمبلغ من المالي.
ووقف ما كشفه بارون المخدرات خلال التحقيقات، تضيف مصادر الجريدة، فقد سلم سعيد الناصري، بعد مجيئه إلى فيلا بحي كاليفورنيا، ما يناهز 350 مليون سنتيم قصد تسيير عملية تهريب 15 طنا من مخدر الشيرا عبر التراب المغربي، في وقت أنكر سعيد الناصيري كل المنسوب إليه، دون تبرير الملايير التي كانت تحوّل إلى حساباته البنكية.
وينتظر أن يتم اليوم الخميس إحضار جميع المتهمين في ملف ما بات يعرف بـ”إسكوبار الصحراء” من سجن عكاشة، للمثول أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في أول جلسة للاستنطاق التفصيلي.