افتتاحية

أزمة التعليم.. في ضرورة تحكيم العقل أولا!

أزمة التعليم.. في ضرورة تحكيم العقل أولا!

تمضي أزمة التعليم، بعد أكثر من شهرين من الإضرابات، نحو وجهة مجهولة، لا نعلم منها إلا أن التلميذ سيكون الضحية الأولى، سواء من حيث تكوينه المعرفي أو آفاقه المستقبلية المشوبة بكثير من الضبابية والغموض، بعد أن جاء هدر الزمن المدرسي بالاحتجاجات ليفاقم وضعية هشة كرستها أزمة “كوفيد19” التي أنهكت قطاع التعليم.

شد الحبل بين الحكومة ووزارة التربية الوطنية من جهة، وبين الشغيلة التعليمية، بنقاباتها وتنسيقياتها، من جهة ثانية، طيلة هذه المدة، أفقد المغاربة قاطبة صبرهم، سيما الأسر، وهم يتابعون حلقات مسلسل لا يصل إلى كوة أمل في البحث عن الحل، حتى يصطدم بمزيد من العقد الجديدة، ما يجزم بغياب انفراج للأزمة على المدى القريب.

سنوات من “الإخلال بالوعود والاتفاقات” من طرف الحكومات السابقة، جعلت مواقف الشغيلة التعليمية اليوم أكثر “تصلبا”، إذ ترى كل مبادرات الحكومة، بما فيها ما أسفر عنه اتفاق 10 دجنبر 2023، مجرد “مناورات” لشق صفهم وإقبار احتجاجاتهم، وهو أمر يُفسَر بأزمة فقدان الثقة داخل قطاع يفترض أن يكون أول من تتوفر شروط السلم الاجتماعي داخله.

لا شك أن مطالب الأساتذة وموظفي الوزارة عامة تكتسي كثيرا من المشروعية، لا سيما مع تأزم وضعية الشغيلة لسنوات وعملها في ظروف صعبة بدون تعويضات، إضافة إلى تراكم “مظالم” عشرات الملفات الفئوية، مع يفرض إنصات الدولة والحكومة لمطالبها، وتقديم إجابات مرحلية مرضية، في أفق التفكير بحلول استراتجية أكثر إنصافا.

أمام هذه الأزمة المتفاقمة، يغذو الاصطفاف إلى جانب دون الآخر بمثابة مدخل نحو استفحال الوضع، ما يستوجب الوقوف على نفس المسافة من الطرفين. لكن، بالمقابل، يجب الانتصار للتلاميذ الذين يُهدر مستقبلهم أمام أعيننا، وهذا يفترض أولا الإيمان بأنه ليست هناك وصفة مثالية للخروج من هذا الوضع، خارج تحكيم العقل أكثر من الطرفين.

لم تكن طريقة تعامل الوزارة مع تدبير أزمة النظام الأساسي الجديد ناجحة، والأكثر من ذلك أنها سببت في تفاقم الوضع بعدد من الإجراءات، غير أن نزول الحكومة بثقلها، ممثلة بمؤسسة رئيسها، منح دفعات مهمة نحو الحلول، لا سيما من خلال إيقاف العمل بهذا النظام، وصولا لتوقيع اتفاق 10 دجنبر، وما تلاه من عرض لنقابة غير موقعة والتنسيقيات التعليمية، الذي أكد مرة أخرى انفتاح الحكومة على الحل.

من جانب آخر، يفترض منطق النضال أن يُحصن الأساتذة المكتسبات ويبحثوا عن تعميقها أكثر عندما تتوفر الشروط، عملا بقاعدة أن “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، غير أن الملاحظ لسير معركة الشغيلة التعليمية يلتقط طغيان صوت القواعد، الرافض لما يعتبره “أنصاف حلول”، على الجميع؛ سواء نقابات أو تنسيقيات، وهذا نقاش آخر يتطلب كثيرا من إعادة النظر لإرجاع الثقة لمؤسسات الوساطة لتلعب أدوارها كما يجب.

الثابت من كل هذا النقاش أن تحكيم العقل والاستماع لصوت الضمير الإنساني، سواء عند الشغيلة التعليمية أو عند الحكومة والوزارة، هو المخرج لإنقاذ هذا الجيل من ملايين التلاميذ، الذي يفصل بينه وبين الضياع قرار جريء من الطرفين ينتصر له أولا.

ولن يكون المدخل نحو هذا الحل بعيدا عن “حسن النية” التي طالبت بها الحكومة في بداية هذه الأزمة، غير أن هذه النية الحسنة لن تكون شيكا على بياض للحكومة، إذ ينبغي على الوزارة مواصلة الحوار مع النقابات التعليمية بحثا عن حلول تُنصف الأساتذة وشغيلة القطاع عامة، وبحثا عن استقرار لتنزيل إصلاح للتعليم طال انتظاره.

أخيرا، ليس كل ما أظهرته هذه الأزمة “سيئا”، ذلك أن مسلسل الحوار والتدافع بين الأساتذة والوزارة، وإن طال، فهو يُظهر من جانب آخر أن بلادنا قادرة على ضبط النفس في التعامل مع لحظاتها العصيبة، إذ يسجل التعامل العقلاني مع تدبير الاحتجاجات أمنيا، وفسح المجال أمام التظاهرات حفاظا على مكاسب الحق في التعبير، في انتظار تتويج ذلك بخروج “دون رابح ولا خاسر” من هذه الأزمة، وأن يكون الربح أولا وأخيرا لتلامذتنا ورجال الغذ، وأن نخرج جميعا منتصرين من هذا الاختبار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News