افتتاحية

تفجيرات السمارة.. درس في الفصل ما بين الدولة والعصابة

تفجيرات السمارة.. درس في الفصل ما بين الدولة والعصابة

الطريقة التي تعامل بها المغرب مع تفجيرات السمارة، التي استهدفت مدنيين، وأعلنت ميليشيات البوليساريو مسؤولية عنها، تؤكد بالملموس أن تعامل الدول ذات المؤسسات أبعد ما يكون عن تعامل العصابات، الذي تحكمه ردود الفعل الميكانيكية والتعامل المزاجي، وذلك بما ينسجم مع عراقة مملكة ضاربة جذورها في التاريخ.

ولأن في هذا التعامل كثير من العبر والحكم السياسية، التي وجب أن يتعلم منها الجيران قبل البعيد، فلا بأس من التذكير بأن المغرب لم يستبق نتائج البحث الذي فتحته النيابة العامة المختصة، التي تجري الخبرات التقنية والباليستية لتحديد طبيعة ومصدر المقذوفات المتفجرة بشكل دقيق، انسجاما وأن هذه البلاد حباها الله بقيادة ترسخ منطق القانون والمؤسسات، وتحترم الهيئات الدولية والقوانين العالمية.

ورغم أن المؤشرات والأدلة كلها تشير بأصابع الاتهام إلى جبهة البوليساريو الانفصالية، التي تشن أعمالا عدائية مسلحة ضد الأراضي المغربية منذ أن قررت، من جانب واحد، التنصل من وقف إطلاق النار المبرم تحت رعاية الأمم المتحدة، وأعلنت مسؤوليتها عن تنفيذ هجمات بالسمارة وإيقاعها ضحايا، إلا أن المغرب أراد أن يقيم الحجة وأن يشهد المنتظم الدولي على تفاصيل ما يجري، وذلك ما تم خلال كلمة عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة.

وبالمقابل فإن البوليساريو، التي عجزت عن لفت انتباه العالم، رغم أموال الدعاية الجزائرية، وتجاوز عدد بياناتها “العسكرية” 900 بيان، وحديثها الدائم عن الأقصاف وإيقاع الخسائر، فإنها قررت استخدام أسلوب الجبناء والتنظيمات الإرهابية، مهاجمة أحياء مدنية ومساكن عائلية، لا وجود فيها لمنشآت عسكرية أو استراتيجية، وهذا الأمر وحده كافي لتوضيح طبيعة “الحرية” التي تريدها هذه الميليشيات لمواطني الصحراء المغربية، الذين ينعمون بالاستقرار ويلاحظون تقدم ورش التنمية بأقاليمهم.

الهجمات التي تريد ترويع المواطنين واستهداف السلم والأمن الإقليميين اللذين يعتبرهما المغرب خطا أحمر، لم تنجح في استفزاز المغرب وجيشه، بيدا أن هذه الميليشيات تعلم أن درس “الكركرات” ليس ببعيد وأن المملكة قادرة على الرد بلغة لم تعهدها، هي ومن يقف ورائها، من أعداء الوحدة الترابية الخفيين والمكشوفين، وإن غذا لناظره قريب، مما سيضع هذه العصابات في فوبيا انتظار رد الفعل، الذي سيأتي حتما في وقته المناسب.

الرد الأولي على هذه الهجمات جاء بصوت المجتمع الصحراوي بأقاليم العيون والداخلة والسمارة وغيرها، بعدما انخرط الصحرايون عفويا في مسيرات بعشرات الآلاف للتنديد بهجمات البوليساريو الإرهابية، ما يعني أن هذه العصابة قطعت شعرة معاوية مع أبناء العمومة، وبات قاب قوسين أو أدنى من مصيرها المحتوم، بعد تأكد إفلاس مشروعها وكل خياراتها السياسية والعسكرية.

ولأن المغرب جسد واحد، من شماله أو جنوبه، فسرعان ما جاءت هبة التضامن مع أهل الصحراء المغربية من الفعاليات السياسية والحقوقية والشبابية و النسائية بالمغرب، التي تابعت بقلق استهداف السمارة بمقذوفات أدت لاستشهاد مدني وإصابة آخرين بجروح، منوهة بالتعامل الرزين والحكيم للمملكة مع هذه الأحدث ذات الطبيعة الإرهابية، وهو تأكيد إضافي على صعوبة اختراق هذا المجتمع وتأليبه ضد قيادته، وهذا درس آخر لمن أراد الاعتبار.

وإلى جانب ذلك الإرهاب على أصحابه، فباتت مطالب المغاربة متشبثة بتصنيف مليشيات البوليساريو كتنظيم ارهابي والتنسيق مع الجهات الدولية الفاعلة في مجال مكافحة الإرهاب بهذا الشأن، قصد متابعة كل المتورطين في هذا الحدث الارهابي أمام المحاكم الدولية المختصة، ما جعل البوليساريو تضع نفسها خارج مسلسل التسوية الأممي، بعدما لم تصبح طرفا في الملف وخيار التسوية السياسي السلمي.

كما أن المجتمع المدني طالب منظمة الأمم المتحدة بالإضطلاع بكافة أدوارها في حفظ السلم والأمن بالمنطقة والمضي قدما في تنفيذ قرارات مجلس الامن اخرها قرار 2703 الذي اعتبر الحكم الذاتي الحل الوحيد لطي الملف، محملة الدولة الجزائرية المسؤولية الكاملة باعتبارها الحاضنة لتنظيم مليشيات البوليساريو الإرهابي.

وبعد أيام من تفجيرات السمارة لا يسع المرء إلا أن يستلهم الدروس المغربية في التعامل مع التحديات، وأن يتعزز إيمانه أكثر للوقوف في صف بلاده مهما كان، سيما وأن هذه الأحداث كانت كافية لمزيد من توضيح الفرق بين الدول والعصابات الإرهابية، أو حتى الدول ذات النزعة العسكرية، التي يبحث “زعماؤها” عن الأمجاد والبطولات الوهمية بدل خيارات التنمية ومصالح الشعوب المشتركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News