بشرى بيبانو.. المرأة العنكبوتية قاهرة القمم الشماء

“ومن يتهيّب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر”. هذا ما نطق به أبو قاسم الشابي قولا، ومثلته إرادة وعزما المغربية بشرى بيبانو. يدفعها الطموح للوصول إلى القمة الشماء، بكل إصرار وتحدٍ. إنها رمز الفتاة المغربية الطامحة إلى ركوب المخاطر، واجتياز المتاهات وصولا للهدف النبيل في تبوؤ ذُرا النجاح، والفوز بما يعجز عنه الآخرون، وهي تصعد خطوة خطوة جبال الهيملايا وصولا إلى قمة “إفرست” التي وقف الكثيرون عاجزين أمام الوصول إليها لصعوبة المكان، والجوّ والأنواء.

المرأة العنكبوتية

ولدت المرأة العنكبوتية، أو “سيدة الأعالي”، كما يطلق عليها البعض، سنة 1969 بمدينة الرباط، حاصلة على دبلوم هندسة في المعلوميات من المعهد الوطني للبريد والمواصلات بالرباط، كما حصلت على دبلوم الدراسات العليا في التدبير من جامعة “HEC” بمونتريال بكندا، وهي تعمل الآن مهندسة دولة في المعلوميات في وزارة التجهيز والنقل المغربية.

رغم كونها متزوجة وأم لبنت، ورغم مسارها المهني المتسم بالنجاح، فذلك لم يرو تطلعاتها العالية، فهي تروم بلوغ القمم الشاهقة، ومعرفة الأسرار الكامنة وراء ارتفاعها، والتي تحث كل نفس مغامرة وشجاعة على بلوغ هذا المسعى، وتجاوز المخاطر الكثيرة التي تصادف كل مغامر، فجمال تلك الجبال وعظمتها الآسرة تدعو إلى الانبهار والتوجس مما تخفيه من أسرار وتهيؤات، حين يختلط الهاجس النفسي مع تلك المسالك والمعارج، وذلك الجو الحافل بتناقضات الأجواء الطبيعية، من برد وقر ومهاوي تودي بحياة من لم يستعد لها الاستعداد الكامل، فطبيعة الأجواء العالية تفرض تغيّرا طبيعيا ينعكس على الجسم، وعلى النفس أحيانا، فالتصاعد للعلو يضيق النفس، ويعيق الجسم عن ممارسة الصعود، مما يوحي بالإحباط والتراجع.

2011.. بداية الحلم

القمم لأهل الهمم، ومن أراد المعالي هانت عليه كل مشقة، هكذا طالت بشرى بروحها إلى مراقي الصعود، إذ بدأ حُلمها محليا بتسلق القمم المغربية للعديد من المرات، وصعود أعلى قمة في شمال إفريقيا في سلسلة جبال الأطلس؛ جبل توبقال 4165 متر، وهي في الـ26 من عمرها، لكن الحلم لم يتوقف هنا، لكنها كانت بمثابة البداية التي مهدت تسلق القمم العالية في شتى بقاع العالم.

تمكنت بيبانو بنجاح رفقة زوجها من تسلق قمة كليمنجارو 5895 متر، في شمال شرق تنزانيا في فبراير 2011، وخلال هذه الرحلة ارتسم الحلم الأكبر في مخيلتها وقرّرت خوض تحدي القمم السبع.

في يونيو من العام نفسه، تسلّقت بيبانو الجبل الأبيض “Le Mont Blanc” (4810 أمتار)، وهي أعلى قمة في أوروبا الغربية، كما دفعها إصرارها في يونيو 2012 إلى تسلق قمة “إلبروز”، وهي أعلى قمة في أوروبا (5642 مترا) وتقع في سلسلة جبال القوقاز، وفي يناير 2014 تسلّقت قمة “أكونكاجوا” (6962 مترا) وتقع في الأرجنتين، ثم في يونيو 2014 تسلقت قمة “ماكينلي” (6194 مترا)، وهي أعلى قمة في أمريكا الشمالية وتقع بألاسكا بالولايات المتحدة الأمريكية.

في نونبر 2015، واصلت السعي كذلك متسلقة قمة “بنكاك جايا” البالـغ ارتفاعها 5030 مترا فوق مستوى سطح البحر، وتقع في جزيرة غينيا الجديدة وهي أعلى قمة في إندونيسيا، كل ذلك لم يثنها عن بلوغ حلمها الأكبر بتسلق أعلى قمة في العالم، وكان ذلك بالفعل في ماي سنة 2017، إذ استطاعت تسلق قمة “إفرست” لتصبح بذلك أول امرأة مغربية وشمال إفريقية وثالث امرأة عربية تصل إلى هذا الإنجاز والتحدي، ومواصلة لحلمها الأسمى باستكمال تحدي القمم السبع، تمكنت في عام 2018 من تسلق قمة “فينسون ماسيف” (4892 مترا)، وهي الأعلى في القطب الجنوبي.

وفي نهاية المطاف، بعد ثمان سنوات من الإصرار ورفع التحدي، باتت بشرى بيبانو أول متسلقة مغربية تحقق تحدي صعود قمم العالم السبع المتمثل في تسلق أعلى قمم في القارات السبع، تلوّح بالراية المغربية، تحديا للصعاب، وانتصارا لإرادة المرأة المغربية قاهرة القمم الشامخة.

توشيح ملكي

صرحت بشرى في إحدى الحوارات الصحفية أن ما تعتبره إنجازا ينضاف إلى جملة الإنجازات الأخرى هو تثمين ما وصلت إليه من قبل جلالة الملك محمد السادس بتوشيحها بوسام الاستحقاق الوطني من درجة قائد ضمن احتفالات عيد الشباب في 21 غشت 2015، والذي تعتبره محفزا قويا لباقي ممارسي الرياضات القصوى، كما حظيت بتكريم خاص من قبل مهرجان الرحالة بميلانو في إيطاليا، كما توّجت بكأس الدورة الـ23 لمسابقة محبي الرياضات الجبلية والبحرية  بنجاحها في تسلق “الكوربيي” بفرنسا والتي دامت لأسبوعين، بالإضافة إلى جائزة أفضل مشروع متخصص في الرياضات الجبلية، من طرف إحدى المنظمات الراعية لهذا النوع من الرياضات والكثير من الجوائز العالمية التي رفعت من خلالها اسم المرأة المغربية إلى أعالي القمم.