افتتاحية

زلزال الحوز.. درس مغربي في تحويل فاجعة إلى ملحمة

زلزال الحوز.. درس مغربي في تحويل فاجعة إلى ملحمة

مرة أخرى، في السراء كما الضراء، يأبى المغرب إلا أن يقدم خير مثال للعالم، في الصبر والتجلد في وجه المحن أولا، ثم في الانبعاث من جديد، من قلب الأزمات، لتضميد الجراح والتعاضد لأجل بث الأمل وسط خراب مهول خلفه زلزال الحوز المدمر، الأشد وطأة في تاريخ المغرب الحديث.

الكارثة التي حلّت بأهلنا في الحوز وتارودانت وشيشاوة وورزازات ومراكش ومناطق أخرى، إلى جانب كل المأساة التي خلفتها، كانت مناسبة لتأكيد أن هذا البلد، دولة وشعبا، عقد العزم على أن يحيا بعزة وشموخ وعلى أن يُحول لحظاته الصعبة إلى معين لا ينضب من الدروس الإنسانية.

أول هذه الدروس انطلق مع التحرك الرسمي غير المسبوق، بعد استنفار ملكي لكل أجهزة القوات المسلحة الملكية والأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة ورجال الوقاية المدنية، لمهمة الإنقاذ والإغاثة وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض وإيصال المساعدات، فكان المشهد خليطا من تأدية الواجب الوطني والتفاعل الإنساني من طرف هذه الأجهزة التي توحدت مهامها لمواجهة هذه الفاجعة الأليمة.

ثم جاءت الهبة التضامنية الكبيرة التي عبر عنها المغاربة قاطبة لمؤازرة المناطق المنكوبة، والتي انعكست في ملحمة وطنية لايزال يساهم فيها أبناء الوطن من مختلف الجهات، ومن المدن الكبيرة والصغيرة، تأكيدا على وحدة وتماسك هذا الشعب بشماله وشرقه وغربه وجنوبه.

هي مشاهد أكثر من أن تصفها أي لغة مهما وصلت في بلاغتها وبيانها، جعلت ينحني العالم أمام عظمة هذا الشعب، الذي يساهم فقيره قبل غنيه، وهي الأصالة المغربية التي اختزلها ببساطة الرجل صاحب الدراجة الهوائية بمراكش الذي ساهم بنصف كيس من الدقيق، ربما كان كل ما يملكه، والسيدة المسنة بزاكورة التي تحدت كبر سنها للمساهمة بقنينة زيت، وسيدة أخرى أرادت المساهمة بخاتمها لأنه كل ما تملك، وغيرها كثير من المشاهد التي أكدت أن الخير متأصل في هذا الشعب.

لقد أعطى الملك محمد السادس القدوة بتوجيهاته الصارمة لأجهزة الدولة والحكومة، ثم من خلال الزيارة الميدانية لضحايا الزلزال، التي أرّخت لمشاهد عطف أبوية، تعززت أكثر مع تبرعه بدمه، كما فعل معظم المغاربة الذين شكلوا طوابير طويلة أمام مراكز تحاقن الدم منذ الصباح الموالي لليلة الفاجعة.

حضور الملك ميدانيا سبقته توجيهاته للحكومة من أجل استنفار أطقم وزارة الصحة ووزارة التجهيز وغيرها من الوزارات لمواكبة جهود الإغاثة كل من موقعه، ثم لإنشاء صندوق ضحايا الزلزال الذي صادقت الحكومة والبرلمان على إحداثه في زمن قياسي.

مغاربة العالم أيضا كان حضورهم لافتا من خلال المبادرات الإنسانية لجمع التبرعات العينية والمالية، وتوجيهها إلى أرض الوطن، وهو سلوك ليس بغريب على من أثبتت مناسبات كثيرة أنهم يحملون الوطن في قلوبهم، وقادرون على توفير حاجيات أبناء بلادهم المنكوبين، بالقدر الذي يغنيهم عن انتظار مساعدات الدول الصديقة، والدول التي أرادت ركوب موجة إنسانية لتحقيق مآرب سياسية.

من الواضح أن فاجعة من هذا الحجم لن يتجاوزها المغرب بسهولة، لإعادة الحياة للمناطق المنكوبة، غير أن ملامح الأمل حاضرة، وتؤكد بجلاء أن هذا البلد قادر على بناء تلك القرى من جديد، إكراما لهؤلاء الذين قضوا خلال الزلزال وتكريما لمن يتحملون اليوم آلام فقدان أهلهم ومنازلهم وكل ما يملكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News