سياسة

“مجلس بوعياش” لمدار21: ظاهرة اكتظاظ السجون “خطيرة” وتتجاوز الاعتقال الاحتياطي والسياسة الجنائية تحتاج نقاشا عموميا

“مجلس بوعياش” لمدار21: ظاهرة اكتظاظ السجون “خطيرة” وتتجاوز الاعتقال الاحتياطي والسياسة الجنائية تحتاج نقاشا عموميا

اعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن اكتظاظ السجون الذي أعلنت عنه المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج الإثنين الفارط، وأثارت أسبابه جدلا واسعا، “ظاهرة خطيرة”.

وقال عبد الرفيع حمضي، مدير الرصد والحماية بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية إن النقاش حول اكتظاظ السجون، “ليس موضة آنية، بل كان دائما حاضرا في موائد مستديرة ولقاءات علمية جمعت المؤسسات الوطنية (مندوبية السجون والنيابة العامة والقضاء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان)”.

وأشار المسؤول، في حديثه للجريدة، إلى أن هذا النقاش يعطيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان أهمية قصوى، وأصدر بخصوصه عدة توصيات، “منذ 2019 إلى الآن، كل التقارير السنوية التي يصدرها المجلس، تتحدث عن ظاهرة الاكتظاظ بالسجون وتقدم توصيات في الموضوع”.

وأوضح حمضي أن المجلس كذلك لم يكتف فقط بالنقاش حول الظاهرة، بل ذهب لتحليلها للإجابة عن سؤال “لماذا الاكتظاظ بالسجون؟ وهل سببه الاعتقال الاحتياطي أم أن هناك أسباب أخرى؟”، مبرزا أن “مجلس بوعياش”، يسجل بارتياح جهود جميع الأطراف في هذا الموضوع.

وفي هذا الصدد، أشار المتحدث إلى أن “المندوبية العامة للسجون، اشتغلت بقوة وشيدت مؤسسات سجنية ووسعت المساحة المخصصة لكل سجين، والنيابة العامة كذلك قامت بمجهود قوي عبر مذكرات وطبعا داخل النصوص القانونية، والسلطة القضائية كذلك تقوم بنفس المجهود”.

وتابع عبد الرفيع حمضي: “ولعل آخر تجربة إيجابية في الموضوع هي تكوين لجان جهوية مشتركة بين النيابة العامة والسلطة القضائية لمعرفة كيف يتم تناول الموضوع، لكن رغم ذلك ما زال الاكتظاظ، وهذا معناه أن الإشكال يتجاوز الاعتقال الاحتياطي”.

وسجل مدير الرصد والحماية بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن المغرب يتوفر على مؤسسات تسعى لإنفاذ القانون (الدرك – الأمن – النيابة العامة وأجهزة أخرى)، والتي تصدر بدورها سنويا تقارير وأرقام، لكن في المقابل لا يتوفر على مؤسسة لتحليل الجريمة للإجابة عن أسئلة شائكة، على غرار “لماذا هذه الجريمة بالذات وليست أخرى، وكذلك أبعادها النفسية والاجتماعية”.

وبحسب حمضي، ورغم وجود المرصد الوطني لتحليل ظاهرة الجريمة، والذي كان موضوع خطاب ملكي في 2009، والذي تم دمجه في وزارة العدل، إلا أنه لم يشرع في الاشتغال بعد، “لكنه بلا شك سيساهم بشكل فعال وإيجابي في هذا الموضوع بقوة”.

وإلى جانب تحليل الجريمة ولمجابهة اكتظاظ السجون، أكد أن النص التشريعي يحتاج اشتغالا قويا على مستوى القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، “وهذا يتطلب نقاشا عموميا واسعا حول السياسة الجنائية المغربية وغايتها من العقاب” يضيف حمضي.

وبالنسبة للعقوبات البديلة، نوه المسؤول في المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمجهود الحكومي، والمجهود الذي سيقوم به البرلمان في المصادقة على النص، لكنه في المقابل اعتبره “غير كاف”، مطالبا بتوسيع أشمل للعقوبات البديلة”.

وشدد على ضرورة اعتبار الساكنة السجنية ليست ساكنة مركزية، والتي تبقى فقط من اختصاص الحكومة حصرا، بل هي ساكنة على المستوى الجهوي وبالتالي لا بد أن يكون السجناء جزءا من اهتمام الإدارة الترابية من الجهات والمجالس الجماعية وترصد لهم جزءا من الإمكانيات على المستوى الإدارة الترابية.

ولفت إلى أن الهدف من المؤسسة السجنية هو تنفيذ العقوبة وإعادة الإدماج، لكن الاكتظاظ يمنعها من بلوغ هذه الأهداف،”إذا تجاوزت طاقتها الاستيعابية لا يمكن لها أن تلعب دورها في إعادة الإدماج وبالتالي عوض تنفيذ العقوبة سنسقط في الانتقام”.

وشرح ذلك قائلا: “الاكتظاظ يولد الاحتكاك، والأخير قد يؤدي لانفلات أمني وضغط على العاملين بالمؤسسات السجنية، حيث يجدون أنفسهم مضطرين لاستعمال العنف لحماية أنفسهم، وهو ما يؤدي للمس بالكرامة السجين وبالتالي يولد إحساسا بالحقد من طرف السجين على المجتمع بأكمله، والحاقد لا شك سيعود مرات ومرات”.

أعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، الإثنين 7 غشت 2023، أن عدد السجناء بالمؤسسات السجنية بلغ رقما قياسيا، 100.004 سجناء، رغم أن الطاقة الاستيعابية لا تتجاوز 64600 سرير.

وتوقعت المندوبية أن يستمر تزايد الساكنة السجنية إذا ما استمر الاعتقال بالوتيرة الحالية، منبهة إلى أن هذا الوضع يمكن أن يخلف اختلالات أو حتى انفلاتات أمنية ومشاكل تتعلق بظروف الإيواء والتغذية والتطبيب والاستفادة من برامج التأهيل لإعادة الإدماج كما يؤثر على ظروف عمل الموظفين.

وطالبت مندوبية التامك السلطات القضائية والإدارية بالإسراع في إيجاد حلول لمعالجة إشكالية الاكتظاظ، لكن نادي القضاة بدوره استغرب ذلك ورفض تحميل القضاة المسؤولية عن الاكتظاظ.

وقال عبد الرزاق الجبار، رئيس نادي قضاة المغرب، في تصريح صحفي إن توجيه دعوة للسلطات القضائية بإيجاد حلول له من لدن إدارة حكومية تختص، حصرا، في تنفيذ الأحكام القضائية، “فيه نوع من محاولة التأثير على قرارات الاعتقال التي قد يتخذها في المستقبل، وهذا مخالف للدستور والقانون والمعايير الدولية المتعلقة باستقلالية القضاء، وكذا الخطب الملكية السامية التي ما فتئت تحث على ضرورة احترام هذه الاستقلالية”.

الاكتظاظ بالسجون أعاد الجدل حول الاعتقال الاحتياطي للواجهة 2020، حيث أعلنت المندوبية أن نسبة المعتقلين احتياطيا وصلت إلى 45.70 في المئة من إجمالي الساكنة السجنية.

والاعتقال الاحتياطي حسب المشرع المغربي هو تدبير استثنائي يتم اللجوء إليه في حالة التلبس وخطورة الفعل الجرمي وانعدام ضمانات الحضور وتوفر دلائل قوية على ارتكاب المشتبه فيه للجريمة.

النيابة العامة بدورها قالت إن معدلات الاعتقال الاحتياطي لا ترقى إلى طموحها رغم الجهود المبذولة إلا أنها تبقى مقبولة مقارنة مع نسب الاعتقال الاحتياطي في بعض دول الاتحاد الأوروبي (هولندا 45،2% وبلجيكا 38،4% وفرنسا 28،5 % وإيطاليا 31،5% والدانمارك 41،3% واللكسومبورغ 43،3%).

وقالت إن قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق يلتزمون بالتطبيق السليم للقانون واعتماد مبدإ الملاءمة وعقلنة تدبير وضعية الاعتقال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News