امرأة

لماذا حافظت أمهات على أجنتهن رغم إصابتهن بمتلازمة داون؟

لماذا حافظت أمهات على أجنتهن رغم إصابتهن بمتلازمة داون؟

كم من امرأة حامل تنتظر مولودها بفارغ الصبر، بينما ينتابها في نفس الوقت، شعور بالقلق من إحتمال أن يكون طفلها يعاني من أحد الأمراض المزمنة أو يعاني من تشوهات خلقية؟ ربما كثيرات.

عندما تم تشخيص جنينها بمرض متلازمة داون، شعرت نائلة “بقلق شديد وبدأت سيناريوهات مختلفة تدور في ذهنها حول مستقبل طفلها الذي كانت تنتظر قدومه للحياة بفارغ الصبر، فضلاً عن الهواجس التي انتابتها حول ما إذا كانت حقاً ستُرزق بطفل مصاب بالمتلازمة أم لا”.

تقول المرأة البالغة من العمر 44 عاماً، والتي انتقلت خلال حياتها بين عدة مدن سورية لتستقر أخيراً في دمشق، إنه عندما دخل حملها شهره الثالث، نصحتها طبيبتها بإجراء فحص روتيني اختياري للتأكد من سلامة الجنين وعدم إصابته بمتلازمة داون.

فحوصات مبكرة للجنين

تخضع الأم لفحص “الفرز” الذي يكشف عن إصابة الجنين بمتلازمة داون وإدواردز وباتو . تقوم به بعض النساء، في حين ترفض أخريات.

لكن من عيوب هذا الفحص أنه ليس دقيقاً للغاية وقد يعطي نتيجة غير صحيحة، وبالتالي قد يؤدي إلى اتخاذ قرار مصيري بشأن استمرار الحمل أم لا.

وعلى الرغم من أن معظم بلدان العالم تحظر الإجهاض، إلا أنها مسموح به في حال ثبت إصابة الجنين بمرض يحول دون نموه بشكل طبيعي، أوثبت إصابته بتشوه خلقي، أو أن تكون حياة الأم وطفلها في خطر نتيجة الحمل.

في المملكة المتحدة على سبيل المثال، إذا ثبت إصابة الجنين بمتلازمات داون، وإدواردز وباتو، فيحق للحامل التخلص منه في أي وقت تشاء قبل الولادة.

اليوم العالمي للطفل: “كنت أظن أنني أمٌ مثالية، لكنني لست كذلك”

متلازمة داون: بريطانية تطالب بقانون إجهاض يساوي بين الأجنة المصابة والسليمة

تربية الأبناء: طرق غير متوقعة قد يغير بها الأطفال شخصيات آبائهم

“مجتمع لا يرحم”
تقول نائلة، التي لديها ولدان الآن ( 18 و16 عاماً ): “إن الخوف لم يكن من إنجاب طفل مريض بمتلازمة داون بقدر ما كان من نظرة المجتمع القاسية والمعاملة غير العادلة التي لا ترحم هؤلاء الأطفال، فيزيدون من معاناتهم”.

كان لدى نائلة التي تعاني من مرض في القلب، طفل بعمر العامين عندما حملت بابنها الثاني. وكان الأطباء قد نصحوها بعدم التفكير أصلاً بالإنجاب ثانية حفاظاً على حياتها، لذلك، عندما دخل حملها شهره الثالث، قررت إجراء كافة الفحوصات اللازمة لها ولجنينها لضمان سلامة ولادتها بأمان وإنجاب طفل سليم، وشملت تلك الفحوصات، اختبارات الكشف عن متلازمة داون.

كانت نائلة مصرة على إنجاب أخ أو أخت لطفلها الأول، لأنها لم ترغب أن يربى ابنها وحيداً كما تربت هي.

وصُعقت عندما أخبرتها طبيبتها عن نتائج الفحوصات التي أظهرت أن الجنين مصاب بمتلازمة داون بنسبة 85 في المئة، وهي نسبة عالية جداً. لكنها، بدلاً من أن تسرع إلى العيادة من أجل ترتيبات الإجهاض، قررت زيارة عدد من الأطباء والعيادات قدر المستطاع بحثاً عن بصيص أمل.

“أنقياء كالملائكة”

تقول نائلة: “كنت سأحب طفلي بكل الأحوال، فهذه غريزة الأمومة الطبيعية، سواء كان سليماً أو مريضاً أو مشوهاً، لكن الشيء الذي قفز إلى ذهني وقتذاك، هو مدى تحمل رؤيته وهو يتعرض للتنمر والمعاملة السيئة من قبل المجتمع”.

“في مجتمعاتنا يعاملون الشخص المصاب بمتلازمة داون وكأنه شخص مجنون”.

وتضيف: “كنت منفتحة على إنجاب طفل مصاب، فقد كان لأحد أقربائنا ابن مصاب بالمتلازمة، كنت أحبه وأشتري له الهدايا، كان يطير فرحاً مثل ملاك صغير، إنهم فئة نقية من البشر، لا يناسبون مجتمعنا المليء بالمتنمرين”.

وتتذكر نائلة كيف زارت 11 عيادة بغرض الاستشارة، “لكن لم ينصحها أحد بالاحتفاظ بالجنين إلا طبيب واحد فقط، قائلاً لها أن الجنين لا يشكو من أي مرض”.

وعلى الرغم من أن جميع من حولها، نصحها بالإجهاض قائلين لها أن تربية طفل مصاب بمتلازمة داون، تتطلب جهوداً وأعباء مضاعفة، إلا أنها ” قررت الاحتفاظ به وصمّت أذنيها عن نصائح أصدقائها وأقربائها”.

وتقول: “نعتوني بالمجنونة، قالوا لي ستندمين ندماً شديداً بسبب عنادك غير المبرر، ستعانين كثيراً من تربية طفل مصاب بالمتلازمة وما إلى هنالك من عبارات التخويف لردعي عن قراري، لكن إحساسي الداخلي وتعاطفي مع طفلي كان أقوى من كل ذلك”.

وحدث شيء مماثل لياسمين (38 عاما) التي تعيش في لندن، ولديها طفلة تعاني من التوحد.

كيف يتم فحص الفرز للكشف عن المرض؟

تقول ياسمين، إنها عندما حملت بطفلها الثاني، أجرت الاختبارات اللازمة للجنين، فقيل لها أن “هناك نسبة 30 في المئة من أن يكون طفلك مصاباً بمتلازمة داون”.

وعلى الرغم من أن نسبة 30 في المئة ضئيلة مقارنة مع 85 في المئة في حالة نائلة، إلا أنها لا تنكر الأرق والحزن والقلق الذي سيطر عليها في تلك الفترة، كان أمامها خيار صعب، إما أن تجهض أو تحتفظ بالجنين مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال أن يكون طفلها الثاني أيضاً من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ونصحتها أسرتها والمقربون منها بالإجهاض، لأنهم كانوا يرون معاناتها مع ابنتها الوحيدة، فكيف الحال إذاً مع إثنين؟”.

لكن ياسمين كانت ترغب بشدة في إنجاب أخ أو أخت لابنتها لإعانتها في الحياة في المستقبل.

وتقول: “ابنتي مصابة بطيف التوحد، لا أريدها أن تواجه المجتمع لوحدها، أردت أن يكون لها أخاً يكون سندها وعونها بعد رحيلنا”.

يسمى فحص الفرز أيضاً “الاختبار الشامل” أو التثلث الصبغي 21. يتم إجراؤه بعد 10 إلى 14 أسبوعاً من الحمل.

وبحسب خدمة الصحة الوطنية البريطانية، إذا اختارت الأم أن تكون الفحوص شاملة، يتم أخذ عينة دم من ذراعها.

ثم عن طريق الموجات فوق الصوتية يتم قياس السائل في الجزء الخلفي من رقبة الجنين (المعروف باسم الشفافية القفوية)، لمعرفة ما إذا كان مصاباً بأي من متلازمة داون أو إدواردز أو باتو.

أما إذا تأخرت الأم في إجراء هذا الفحص، فيمكنها إجراء فحص الدم بعد 14 و 20 أسبوعا من الحمل للكشف عن الإصابة بمتلازمة داون (هذا الفحص ليس دقيقاً جداً بنفس دقة الفحص الشامل).

أما إذا كانت الأم في مرحلة متأخرة جداً من الحمل، فسيعرض عليها فحص خلال الأسبوع العشرين من الحمل.

وتقول ياسمين بعد أن ظهرت نتائج الفحص: “قيل لي أن جمجمة جنينك كبيرة، ولديه أرجل قصيرة وظهر طويل” وهذه القياسات تنطبق على المصابين بمتلازمة داون.

لكن إضافة إلى حدسها وغريزة الأم الطبيعية، فكرت في قرارة نفسها: “زوجي وعائلته لديهم هذه الصفات البدنية، ظهورهم أطول من أرجلهم، فما الغريب في أن يكون طفلي يحمل نفس السمات الجسدية!”.

لذلك، ربطت ما بين حدسها والسمات الجسدية لزوجها، وقررت الاحتفاظ بالجنين.

“لا أعرف وصف شعوري في تلك المرحلة، كان مزيجاً من الخوف والقلق والأمل والفرح، لكنني كنت مطمئنة بنسبة كبيرة من أن طفلي سيكون بخير، أحياناً كل ما نحتاجه هو الصفاء الذهني والاستماع إلى صوتنا الداخلي”.

صدمة بعد الولادة

هناك كثيرون ممن لا يعرفون عن هذا الفحص، خاصة في المناطق الفقيرة والنائية، وتظهر الصدمة عندما يولد طفل للأسرة.

وهو ما حدث مع زينب عثمان (48 عاماً)، التي انهارت باكية عندما حملت ابنها بين يديها بعد ولادته في إحدى القرى النائية في غرب سوريا، ورأت ملامحه التي تشي بإصابته بالمتلازمة كما تقول.

“أصبت بالصدمة وبكيت بشكل هيستيري على حظي وحظ ابني لأنني أدركت أنه سيقضي حياته ضعيفاً ومعرضاً للسخرية والمعاملة القاسية من قبل أبناء المنطقة”.

بعد لحظات من الصمت قالت: “أفديه بروحي الآن، إنه ملاكي، أشعر بالذنب كلما أتذكر مشاعري وكيف بكيت عند رؤيته”.

وبالفعل، غالباً ما كان يأتيها ابنها للمنزل باكياً، لأن أطفال القرية كانوا يستهزئون منه ويؤلفون الأغاني الساخرة التي تصف شكله، كما سردت لي زينب.

لكنها تقول إن “الحظ أخيراً ضحك لنا بعد أن انتقلنا أنا وأبنائي الأربعة بمن فيهم آخر عنقودي سليمان – المصاب بمتلازمة داون – للعيش في سويسرا منذ بضع سنوات، ويعيش الآن في مدرسة داخلية، لأنني مريضة ولا أستطيع خدمته بعد الآن”.

أما نائلة، وبعد 9 أشهر من الانتظار، تفاجأت بولادة ابنها سليم “الجميل والسليم” حسب وصفها.

تقول نائلة: “ابني سليم وُلد سليماً، أصيب كل من رأى وجهه بالذهول بعد أن كانوا متوجسين وخائفين، حتى طبيبتي ذهلت من جمال طفلي وخلوه من أي مرض أو تشوهه”.

“إنه متفوق في دراسته ورياضي ماهر ويحضر نفسه الآن لتقديم امتحانات الشهادة الثانوية”.

تقول وهي تشعر بالامتنان: “بينما أحدثك الآن، أتذكر الكابوس الذي عشته كما لو كان بالأمس، لكنني سعيدة جداً لأنني قررت المضي قدماً والاحتفاظ به، فقد كان سليم فرصتي الأخيرة في الإنجاب”.

وياسمين التي تم تشخيص جنينها بالمتلازمة، ولدته في عام 2021، بصحة جيدة جداً ودون وجود أي علامة لمتلازمة داون”.

تقول ياسمين: “أريد أن أقول للنساء الحوامل بألا يتسرعن في اتخاذ قرار الإجهاض عندما يتم تشخيص أجنتهن بالمرض، فقد ثبت لي من تجربتي الشخصية، أن النتائج لا تكون دقيقة 100 في المئة، لذلك احرصن على التأني والتفكير واستمعن إلى أصواتكن الداخلية، لئلا تشعرن بالندم طوال حياتكن”.

إحصاءات
بحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة (سي دي سي)، لا يحظى الأشخاص المصابون بمتلازمة داون بأعمار طويلة، لكن البعض قد يعيش حتى سن الـ 47 عاماً أو حتى أكثر، يعتمد ذلك على عوامل وظروف مختلفة.

وعلى سبيل المثال، الأطفال السود أو الأمريكيون من أصل أفريقي المصابون بمتلازمة داون، لديهم فرصة أقل للبقاء على قيد الحياة بعد السنة الأولى من العمر مقارنة بالرضع البيض المصابين بمتلازمة داون. ويقول المركز إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث للمساعدة في فهم السبب.

وحسب الإحصاءات الصادرة عن المركز يولد حوالي 6000 طفل مصاب بمتلازمة داون كل عام، أي ما يقرب من طفل واحد من بين كل 700 طفل وأنه بين عامي 1979 و 2003 ، زاد عدد الأطفال المولودين بمتلازمة داون بنحو 30 في المئة.

وتميل الأمهات الأكبر سناً إلى إنجاب أطفال يعانون من متلازمة داون أكثر من الأمهات الأصغر سناً.

كان هناك في عام 2002 ، حوالي 1 من بين كل 1000 طفل ومراهق في الولايات المتحدة يعاني من متلازمة داون، أي 83000 مصاب. وقدر الباحثون أنه في عام 2008 ، كان يوجد حوالي 1 من بين كل 1200 طفل أو مراهق أو بالغ يعيش في الولايات المتحدة وهو يعاني من متلازمة داون، أي حوالي 250700 في عام 2008.

وحسب مجموعات مناهضة الإجهاض، فإن 90 في المئة من النساء الحوامل في المملكة المتحدة، قررن إنهاء حملهن، عندما تم تشخيص أجنتهن بمتلازمة داون.

وتبلغ هذه النسبة في الولايات المتحدة 67 في المئة، وفقا لتقرير للكونغرس نُشر في مارس 2022.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News