رأي

“التدبير بالنتائج”: رؤية ملكية لمغرب يربط الأداء بالمحاسبة

“التدبير بالنتائج”: رؤية ملكية لمغرب يربط الأداء بالمحاسبة

باحث وخبير دولي في الحكامة ومكافحة الفساد

في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية، وجه جلالة الملك محمد السادس رسالة قوية إلى الحكومة والمؤسسات العمومية، مفادها أن زمن السياسات الشكلية والبرامج غير المنتجة قد ولّى، وأن المواطن المغربي ينتظر من الدولة نتائج ملموسة تنعكس إيجابًا على واقعه المعيشي والاجتماعي. من هذا المنطلق، تبرز أهمية التدبير بالنتائج كخيار استراتيجي لإصلاح الإدارة وتعزيز الثقة في المؤسسات.

تعريف “التدبير بالنتائج”

التدبير بالنتائج هو نهج إداري يركز على تحقيق الأثر الحقيقي من السياسات العمومية، وليس فقط تنفيذ الأنشطة أو صرف الميزانيات. يعتمد هذا النمط من التدبير على تحديد الأهداف بدقة، وربطها بمؤشرات قابلة للقياس، ثم تقييم ما إذا كانت الإنجازات تترجم فعليًا إلى تحسين في حياة المواطن.

يتطلب التدبير بالنتائج توافر ثلاثة عناصر أساسية:

  • تحديد النتائج المرجوة بدقة ووضوح.
  • قياس الأثر الحقيقي لتلك النتائج باستخدام مؤشرات علمية وواقعية.
  • المحاسبة على الأداء، أي محاسبة المسؤولين بناءً على ما تحقق، لا ما خطط له فقط.

التمييز بين أنواع التدبير

لفهم أهمية التدبير بالنتائج، يجب التمييز بينه وبين أنماط أخرى من التدبير الإداري:

التدبير بالوسائل

يركز على توفير الموارد كالميزانيات والموارد البشرية دون تقييم أثرها. غالبًا ما يؤدي هذا الأسلوب إلى هدر الإمكانيات في غياب ربطها بالأهداف الحقيقية.

التدبير بالإجراءات

يقوم على الالتزام بالمساطر القانونية والتنظيمية، مما يضمن الشفافية والانضباط، لكنه قد يفتقر إلى المرونة والفعالية في التعامل مع الواقع المتغير واحتياجات المواطن.

التدبير بالأنشطة والمخرجات

يقيس الإنجاز من خلال عدد المشاريع المنجزة أو الخدمات المقدمة، لكنه قد يتغافل عن مدى فاعلية تلك الإنجازات وتأثيرها في حياة الناس.

التدبير بالنتائج

يُعد الأكثر نضجًا وتقدمًا، إذ لا يكتفي بالأنشطة أو الوسائل بل يربط كل ذلك بأثر حقيقي في الميدان. هنا، يكون السؤال الحاسم: “ما الذي تغيّر فعليًا؟”

تحليل مفهوم “التدبير بالنتائج” في خطاب الملك

🔹 التركيز على النتائج لا الإجراءات

جلالة الملك شدد على أن النجاح لا يُقاس بما تم تنفيذه من مشاريع أو ما تم صرفه من ميزانيات، بل بما تحقق من أثر فعلي في حياة المواطن. هذا التصور يُعد قطيعة مع ثقافة التباهي بالأرقام دون تمحيص في النتائج.

🔹 الأولوية للقطاعات الاجتماعية الحساسة

الخطاب الملكي وجه البوصلة نحو التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، باعتبارها مجالات تُمثل التحدي الحقيقي للإدارة. المطلوب هو تحسين جودة الخدمات ورفع مستوى عيش المواطنين، لا الاكتفاء بإصلاحات تقنية معزولة.

🔹 المحاسبة على الأداء

أحد أركان التدبير بالنتائج هو ربط المسؤولية بالمحاسبة على الأداء وليس على التسيير أو النشاط. لا ينبغي أن يُعتبر المسؤول ناجحًا فقط لأنه نفذ مشاريع أو التزم بالقوانين، بل لأنه أحدث أثرًا إيجابيًا. قال جلالة الملك في إحدى خطبه:

المسؤول يجب أن يكون في مستوى تطلعات المواطن، وأن يشعر بثقل الأمانة.”

أمثلة تطبيقية على الفرق بين أنواع التدبير

  • مثال على التدبير بالوسائل:
    وزارة تُخصص ميزانية ضخمة لبناء مستشفيات، لكن من دون تجهيزها بالأطر الطبية الكافية أو الوسائل اللوجستية، مما يجعلها شبه مهجورة.
  • مثال على التدبير بالإجراءات:
    الإدارة تنجز ملف توزيع الدعم الاجتماعي بدقة وفقًا للمساطر، لكن الدعم لا يصل إلى الفئات الأكثر احتياجًا بسبب معايير غير فعالة.
  • مثال على التدبير بالمخرجات:
    الوزارة تعلن عن إطلاق 200 مشروع تعليمي جديد، لكن نسب النجاح أو التمدرس لا تتغير لأن الإصلاح لم يصل إلى عمق المشاكل (المناهج، التكوين، البنية النفسية للمتعلمين).
  • مثال على التدبير بالنتائج:
    برنامج يهدف إلى تقليص الهدر المدرسي، يتم فيه تتبع النتائج ميدانيًا عبر انخفاض نسب الانقطاع الدراسي، وارتفاع نسب النجاح، وتطور جودة التعليم، بناء على مؤشرات محددة.

ربط المسؤولية بالمحاسبة على الأداء: جوهر التدبير بالنتائج

كما أن دعوة جلالة الملك إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة تُعد جوهر التدبير بالنتائج، حيث لا يكفي أن يُنجز المسؤول مشاريع أو يعلن برامج، بل الأهم أن تُحدث تلك المشاريع أثرًا ملموسًا في حياة المواطنين.

المسؤول الناجح هو من يستطيع أن يثبت:

  • أن مشروعه حل مشكلًا قائماً.
  • أن الميزانية التي صرفت أنتجت قيمة مضافة.
  • أن مؤشرات التنمية قد تحسنت بوضوح نتيجة لتدخله.

هذا التوجه يعكس انتقالًا من:

  • من ثقافة التبرير إلى ثقافة الأثر
  • من منطق الكم إلى منطق الكيف
  • من الإفلات من المحاسبة على الأداء إلى مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة على الأداء من خلال معيار النجاعة

النجاعة، إذًا، ليست في “ماذا أنجزت؟”  فقط، بل في:
“ماذا غيّر إنجازك؟ وهل شعر المواطن بذلك التغيير؟”

ختاما: من أجل عدالة اجتماعية ومجالية قائمة على التدبير بالنتائج

خطاب جلالة الملك يُعد خارطة طريق نحو إصلاح شامل وعميق للإدارة الحكومية المغربية ولتدبير البرامج التنموية، هدفه عدالة اجتماعية ومجالية وجوهره التدبير بالنتائج وغايته رضا المواطن.
لا يتعلق الأمر إذن بتغيير شكلي أو تقني، بل بتحول ثقافي في علاقة الدولة بالمواطن، (جلالة الملك تحدث عن ثقافة النتائج) تقوم على:

  • المحاسبة على الأداء
  • النجاعة في التدبير
  • الشفافية والاستجابة
  • توجيه السياسات نحو الأثر الفعلي

مقولة على الهامش

ليست هناك سياسة جيدة بدون مواطن يشعر بتأثيرها في حياته.”
 جلالة الملك محمد السادس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News