الصقلي: “البيجيدي” كبَّل مسيرة المساواة والعدالة لن تتحقق بقوانين عمرها 14 قرنا

قالت نزهة الصقلي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية السابقة، إن رؤية الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش كانت واضحة في ما يتعلق بحقوق النساء والمساواة بين الجنسين، مشيرة إلى أن “الملك عبّر في خطاب ثورة الملك والشعب سنة 1999 عن قناعته بأن المغرب لا يمكن أن يصل إلى التنمية في الوقت الذي نصف ساكنته يعانين من التمييز والعنف ولا يتمتعن بحقوقهن الكاملة، رغم الطاقات والكفاءات التي يتوفرن عليها”.
وأكدت الصقلي أن هذا التوجه الملكي كان بمثابة إعلان انطلاق ورش كبير لإقرار المساواة بين النساء والرجال وتجاوز كل أشكال التمييز، مبرزة أن “معركة 2004 التي توجت بمدونة الأسرة لم تكن سهلة، بل كانت عسيرة بين قوى التقدم، وعلى رأسها الحركة النسائية والحقوقية، التي طالبت بحقوق النساء، وبين قوى إسلامية متطرفة كانت ترفض أي تغيير في وضعية النساء وإزالة الظلم عنهن”.
وأضافت في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن مدونة الأسرة شكلت “ثورة تشريعية هادئة” وأن الحركة النسائية لعبت دورًا مهمًا كقوة اقتراحية، حيث “تم إعداد مرافعات واقتراحات مدعومة بتبريرات سوسيولوجية ودينية تؤكد أن الإصلاحات التي طُرحت ضرورية من الناحية المجتمعية ولا تتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية”.
واعتبرت الوزيرة السابقة أن الإصلاح الذي أفرز مدونة الأسرة كان “إصلاحًا كبيرًا نفخر به جميعًا”، مشيرة إلى أن “الأجيال الحالية ربما لا تدرك أن المرأة المغربية قبل 2004 لم تكن تملك حق الطلاق وكانت تبقى سجينة الزواج، في حين كان يمكن لزوجها أن يتزوج مرة ومرتين، كما لم تكن المرأة تستطيع تزويج نفسها ولو كانت يتيمة الأب، وكان يمكن لأي قريب من العائلة أن يزوجها بدلًا منها”.
وشددت الصقلي على أن “القوانين السابقة لمدونة الأحوال الشخصية كانت مجحفة بحق النساء، لذلك مثل صدور المدونة في 2004 إصلاحًا محوريًا اهتزت له الحركة النسائية فخرًا، وفتح الباب أمام إصلاحات تشريعية أخرى مثل قانون الجنسية، ومناهضة العنف ضد النساء، وتمكين النساء من ولوج مراكز القرار، وصولًا إلى إصلاح دستور 2011 الذي أعلن المساواة والمناصفة ومنع كل أشكال التمييز والعنف”.
وأوضحت أن دستور 2011 كان “نتاج التقاء الإرادة الملكية السامية مع القوى الحية في المجتمع، ومكّن المغرب من دخول مرحلة جديدة عنوانها تعزيز المساواة والعدالة، وملاءمة القوانين الوطنية مع مقتضيات الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”.
لكنها لم تُخفِ أسفها لأن “انتخابات 2011 أفرزت حزبًا محافظًا قاد الحكومة عشر سنوات، ولم يُظهر التزامًا فعليًا بمقتضيات الدستور ولم يدفع بمنظومة المساواة بالسرعة المطلوبة”، معتبرة أن “مسيرة المساواة لم تتوقف تمامًا لكنها لم تتقدم بالوتيرة التي كانت منتظرة”.
وعادت الصقلي لتؤكد أن “خطاب العرش لسنة 2022 شكّل لحظة فاصلة حين أعلن الملك عن إصلاح جديد لمدونة الأسرة أو إعادة النظر فيها، وهو الورش الذي انطلق منذ ثلاث سنوات، وتوّج برسالة ملكية في 2023 منحتنا أملًا كبيرًا بأن الإصلاح المقبل سيحقق قفزة نوعية”.
وقالت إن “التوجيهات الملكية ركزت على مبادئ الحق والقانون، ولم تكن جديدة تمامًا، بل أكدت على ضرورة الملاءمة مع التحولات التي عرفها المجتمع”، مضيفة: “الأسرة في 2025 ليست الأسرة في 2004، فقد حصلت النساء على حضور قوي في الدراسة والعمل والبحث العلمي والاقتصاد والسياسة والرياضة والثقافة، وأصبحن يساهمن في المجتمع وفي البيت بشكل حاسم”.
وأشارت إلى أن “التوجيهات الملكية سارت في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق تنمية البلاد من خلال المشاركة الاقتصادية الواسعة للنساء”، معتبرة أن المقاربة التشاركية في ورش الإصلاح الجديد “منحت أملًا كبيرًا”، لكنها اعترفت بوجود “خيبة أمل بسبب مقاومة بعض القوى التي تتمسك بالمرجعية المزدوجة لمدونة الأسرة”.
وانتقدت الوزيرة السابقة هذا المنطق بحدة قائلة: “لا يمكن للبلاد أن تسير في اتجاه قوانين حديثة ومتجاوبة مع الواقع إلا في ما يتعلق بالأسرة والنساء، حيث يريد البعض قوانين تُطبق منذ 14 قرنًا، وهذا مستحيل، ولا يمكن تحقيق العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية من خلالها”.
وكشفت الصقلي عن إشكالات عالقة بقولها: “الظلم الممارس ضد النساء لا يأخذ بعين الاعتبار التحولات المجتمعية، مثل عمل النساء المأجور الذي لا تعترف به المدونة، ما يخلق عواقب كبيرة، وأيضًا مسألة الاعتراف بالأطفال خارج الزواج، إذ ما زالت الفكرة السائدة أن الرجل وحده يجب أن يتكفل بالأسرة، وهو ما أدى إلى ارتفاع سن الزواج لدى الرجال إلى 32 سنة ونصف، مع استمرار التطبيع مع الحرية الجنسية لدى الرجال دون تحمّلهم أي مسؤولية خارج الزواج”.
وأضافت: “إذا لم نُحدث قطيعة مع هذه الأفكار، سيستمر ظلم النساء والأطفال خارج الزواج”، مشيرة إلى أن “الإصلاح المرتقب في 2025 لا يزال مصيره غير واضح، لأن الاقتراحات التي قُدمت للملك لم تكن مرضية ولم تعالج اختلالات المدونة الحالية، خاصة فيما يتعلق بتزويج الطفلات، وتعدد الزوجات، والإرث، وإلغاء التعصيب لصالح الأعمام”.
وختمت نزهة الصقلي بالقول إن “المغرب حقق في 26 سنة مجموعة من المكتسبات لصالح النساء، أبرزها وصولهن إلى مراكز القرار، لكن ما زال الظلم قائمًا في مدونة الأسرة وفي القانون الجنائي، خصوصًا في ما يتعلق بالحق في الصحة الإنجابية وحماية النساء من الإجهاض السري الذي له عواقب كبيرة”، معتبرة أن “الإصلاح المنتظر سنة 2025 يجب أن يكون جوهريًا ويلبّي تطلعات المجتمع، وألا يتنافى مع الإرادة الملكية ولا مع انتظارات المغاربة”.