فاتح ماي.. الزيادة بالأجور تخْتبر نوايا الحكومة في الحدّ من نزيف تدهور القدرة الشرائية

عشيّة احتفالات عيد الشغل، تُواجه حكومة أخنوش، اختبار الوفاء بوعد الزيادة بالأجور العامة، وسط انتظار الطبقة العاملة المغربية تنفيذ الحكومة ما التزمت به من إجراءات ضمن اتفاق أبريل من السنة الماضية، لتحسين الدخل لمواجهة تدهور القدرة الشرائية في سياق موجة الغلاء التي أرهقت كاهل المواطنين.

وأعلنت الحكومة على لسان بعض من وزرائها، أنها تدرس خيارات تحسين دخل الموظفين والأجراء، والرفع من الحد الأدنى للدخل وذلك في إطار الحوار الاجتماعي، فضلا عن الإبقاء على دعم صندوق المقاصة وذلك حفاظا على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين بالنظر لصعوبة الظرفية الاقتصادية الحالية.

خيارات حكومية

ودشّن رئيس الحكومة عزيز أخنوش مشاوراته مع المركزيات النقابية تمهيدا لتوقيع اتفاق اجتماعي جديد، وكشف الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، أنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة ما بين الحكومة والنقابات، وستجتمع في غضون الأيام القليلة المقبلة للحسم في الخيارات الممكنة لتحسين الدخل وحماية القدرة الشرائية للمواطنين.

وجدّدت المركزيات النقابية، ضمن جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، مطالبها بالزيادة العامة في أجور الموظفين وتحسين دخل الأجراء والحفاظ على مناصب الشغل عن طريق حماية الحريات النقابية، خاصة في سياق استمرار موجة الغلاء التي ألهبت جيوب المغاربة.

وعلاقة بمخرجات الحوار الاجتماعي، يؤكد فاعلون نقابيون، أن تطور الأزمة والاحتقان الاجتماعي، يجعل مطلب الزيادة بالأجور أكثر إلحاحا، في ظل انهيار منظومة الأسعار وتدهور القدرة الشرائية وتسريحات العمل بفعل تقلبات السوق الدولية والوطنية، وما رافق ذلك من تفاقم معاناة المغاربة من موجة الغلاء.

وأكد النعم ميارة أن نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، طالبت خلال اجتماعها مع رئيس الحكومة، بضرورة الرفع من الأجور العامة في سياق الظرفية الصعبة المتسمة باستمرار موجة الغلاء، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة زف خبرا سارا للنقابات يتعلق بإخراج دعم مباشر للأسر المغربية الفقيرة والمعوزة خلال الأشهر القليلة المقبلة من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين.

من جانبه، أكد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي موخاريق، أن نقابته طالبت بزيادة عامة في الأجور لتدارك ما ضاع من الطبقة العاملة من قدرة شرائية، وأوضح موخاريق، أن وفد الاتحاد شدد على ضرورة تخفيض الضريبة على الأجور من أجل تحسين دخل “الأجراء الذين يؤدون بصفة منتظمة ودون تهرب جبائي ضرائب بنسب عالية تصل إلى 38 في المائة”.

احتواء الصدمات

عبد الإله دحمان، نائب الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، شدد على أن الحكومة مطالبة ببلورة سياسة اجتماعية مرتبطة بالتحديات التي تستهدف الاستقرار الاجتماعي وتهدد التماسك الاجتماعي، والتي لم تكن فقط موضوع مطالب نقابية بقدر ما كانت موضوع تقارير وطنية ودولية في مقدمتها بنك المغرب ومؤشرات تقرير الظرفية الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط والذي كشف عن تدهور غير مسبوق للقدرة الشرائية بالمغرب.

ويرى دحمان في تصريح لـ”مدار21″، أن خروج بعض الأصوات الحكومية اليوم للحديث عن نوايا لزيادة في الأجور “استفاقة متأخرة الهدف منها محاولة احتواء الصدمات عشية فاتح ماي التي تخرج فيها الطبقة العاملة لكي تصدح بمعاناتها ومطالبها”، مسجلا أنها “مناورة لا تخرج عن التقليد الذي دأبت عليه الحكومات المغربية للتنفيس على الشارع الاجتماعي قبيل عيد الشغل”.

وأضاف المسؤول النقابي، “وبالتالي لو كانت الحكومة جادة لتحسين الدخل وحماية القدرة الشرائية، فكان عليها المسارعة للتجاوب مع الوضع الاجتماعي الذي ظل يناديها مند مدة للتدخل بشكل مستعجل وسن إجراءات تحمي القدرة الشرائية للمواطنين وتعمل على تصحيح أسعار المواد الاستهلاكية المرتبطة بالمعيش اليومي للمغاربة”.

واعتبر دحمان أن هذا الأمر درجت عليه الشغيلة المغربية، حيث إنه كلّما اقتربت احتفالات عيد الشغل، إلا وتسعى الحكومة إلى محاولة احتواء غضب الشارع، مؤكدا أن مطلب الزيادة في الأجور العامة للموظفين والأجراء، “أصبحت قرارا لا رجعة فيه في سياق التدهور غير المسبوق لقدرة المغاربة الشرائية”.

وتابع المتحدث ذاته “الحكومة لو أرادت فعلا أن تدعم القدرة الشرائية التي تنهار بشكل يومي، وأن تحصن الطبقة المتوسطة التي بات يسقط الكثير منها في دائرة الفقر، فعليها أن تبادر إلى إقرار زيادة مباشرة في منظومة الأجور، في إطار حزمة من الإجراءات لتحسين الدخل”.

التضخم يعيق الزيادة

وفيما يرى بعض المراقبين للشأن الاقتصادي المغربي أن مطلب الزيادة بالأجور العامة يبدو صعب المنال في ظل الظرفية الاقتصادية الحرجة التي يمر منها العالم والمرتبطة أساسا بارتفاع غير مسبوق لمعدلات التضخم، أكد دحمان أن الإشكال المسجل على هذا المستوى، هو كيف تتعامل الحكومة مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة بالمقارنة مع حكومة أخرى قريبة منا بادرت إلى سن إجراءات وتدابير للتخفيف من آثار الأزمة وانعكاساتها الاجتماعية، منتقدا “عجز” الحكومة الحالية وافتقادها لكفاءات تمكنها من ابتكار حلول لمواجهة الأزمة.

وأضاف المسؤول النقابي أنه “لا ننكر أن الأزمة الدولية ترخي بظلالها على الوضع بالمملكة، لأن اقتصاد المغرب مرتبط بالتحولات العالمية والأزمة الأوكرانية والجفاف ومخلفات تداعيات كورونا”، مستدركا: “لكن الإشكالية في واقعنا أننا أمام حكومة لم تبادر على غرار كثير من الحكومات الأجنبية لحماية القدرة الشرائية”.

وسجل دحمان أنه عندما نضخّ زيادات في الأجور ونحسن الدخل، فإن ذلك يساهم في تحسين وتيرة الاستهلاك الداخلي مما ينعكس إيجابا على الاقتصاد، لأن الرفع من أجور الموظفين والمستخدمين والأجراء، يجب النظر إليه من زاوية أنه استثمار استراتيجي وأحد المداخل الأساسية لتصحيح الاختلالات الاجتماعية، عوض الارتكان إلى المقاربة الميزانياتية التي تركز على الكلفة المالية دون النظر إلى عائداتها الاجتماعية المرتبطة بتصحيح منظومة الأجور لتحسين القدرة الشرائية.