صحة | مجتمع

“جرعة مقاومة” ضد وباء غادر..مراكز التلقيح بسلا تكتظ بالآمال والمخاوف

“جرعة مقاومة” ضد وباء غادر..مراكز التلقيح بسلا تكتظ بالآمال والمخاوف

في ضحى يوم حار من أيام غشت وعلى زاوية من طريق يؤدي إلى مركز صحي أضحى منارا للباحثين عن خلاص من الوباء، استوقفني ذلك البناء الابيض المزين بخطوط حمراء توحي بجدة المكان وحداثته.

اصطف الناس أمام القاعة متعددة الرياضات الشرف، سلا- باب المريسة بشكل ينبئ عن شيء من الخوف وشيء من النظام الذي تكفل به رجال السلطة المحلية لتوفير حالة من الاطمئنان لدى هذا الجمع الغفير من الناس.

ومما خفف من رهبة المشهد الإحساس بوحدة المصير كلما تشابكت الأعين فيما بينها، لتبدد كثيرا من القلق لدى الباحثين عن جرعة تلقيح، وجرعة أمل أيضا.

لم تثن ارتفاع درجات الحرارة المغاربة من الحضور لتلقي إحدى جرعات اللقاح الصيني، إذ كان الإقبال شديدا، فكلما دخل فوج، تكومت أعداد أخرى في الخارج منتظرة دورها، واستلام الرقم المخصص لها، رغم وجود مخاوف ظاهرة على تقاسيم البعض منهم، خوف ظاهر على طريقة سيرهم المتباطئ، يحاولون طمسه بتفاؤل كاذب.

انتظار وترقب

أمام باب المركز وقف الناس منتظرين دورهم وهم بين حائر، ومضطرب تعلو وجوههم علامات التساؤل عن هذا الأمر الغريب الذي سيحدث، والبعض خائف تعلوه ابتسامة صفراء على وجهه تداري ما فيه من تردد، أو إقدام، والبعض يتأفف من هذا الانتظار، وبين الحين والحين تسمع عبارات الاطمئنان من القوات المساعدة التي تحاول ضبط الأمور بكل هدوء، وبعض النساء يثرن في صمت حول هذه الحالة غير المعهودة الطارئة.

بمجرد أن تلتف لتشاهد الوافدين الجدد تلاحظ خطوات متثاقلة من البعض، وكلما زادوا خطوات إلى الأمام حتى يعودون أدراجهم مرة أخرى وكأنهم نسوا شيئا، إلى أن يختفوا في أحد المنعطفات.

عند باب المركز، تلتقي الوجوه المتشابهة، فتتبادل معهم أحاديث خاطفة عن اللقاح وكورونا ومؤامرات العالم الأول وما يصنعه من مكائد لنا، كما تتبادل تحيات سريعة تدفعها الأيدي كإشارة إلى الإسراع نحو الأمام وما أن تخطو الخطوة الأولى داخل المركز حتى تقابل بسؤال ” الجرعة الأولة أم الثانية؟” وبمجرد أن تجيب تزاحم المزاحمين للحصول على تذكرة أولا، ثم تلقي نظرة سريعة على المقاعد وتحدد مكانك قبل أن تصل إليه، وغالبا ما تكون الصفوف الأولى الوجهة المحببة.

لم يكن هذا السؤال الوحيد الذي يصادفك، إذ تجرى أحاديث جانبية بين أشخاص بنوا قواعد مشتركة لهمومهم وأفكارهم عن اللقاح، ونوعه، وآثاره، وأضراره، ومنافعه، مستشهدين بحالات أصيبت بأضرار، وأخرى أصابها اللقاح في مقتل.

وخز إبرة

في خضم سيل الأفكار العالقة في مخيلة المنتظرين، والتي تجوب المكان عبر نظرات يلفها الخوف والترقب، وما أن تتشابك حتى تصدر هزة خفيفة تشبه التحية، يشق الصمت صوت يتردد صداه عبر أرجاء المركز قائلا: ” لا داعي للقلق، إنها مجرد وخز إبرة”.

يترقب الجمع عملية ” وخز الإبرة” بجحوظ، وتتناثر النظرات نحو الأسفل كالشظايا وهي تشاهد من نودي على أرقامهم متأهبين لتسليم بطائقهم الوطنية ليتم إدخال معلوماتهم الشخصية كي يتمكنوا من الحظوة بجواز التلقيح.

ريث الانتهاء من الصفوف الأولى تبدأ عملية الزحف إلى الأمام في جو من التنظيم، ويبدأ العد العكسي عندما تصل إلى ” الإبرة” فتتلقى الجرعة، وأنت تتجرع شيئا من المرارة، والوخز.

بالرغم من جو التنظيم السائد، تمر من الفينة والأخرى مشاهد تضع حدا للمشهد الحضاري الماثل أمامك، فيدب خلاف تتعالى فيه الأصوات، ويضفي طيفا من التشنج، ليعود التوتر ثانية يطبع ملامح الحاضرين، إلى أن يسود صمت وسكون تام.

شهادات عابرة

عند بوابة المركز، تتهامس الأصوات، فانبعث صوت خافت من أحد المنتظرين قائلا ” كاين الزحام”، فيشاركه اخر ” كورونا مكتبغيش الزحام، وحنا لاصقين فبعضياتنا”.

صحيح ّأن رجال السلطة المحلية يقومون بمجهودات حثيثة من أجل تحقيق التباعد بين الناس، لكن يتضح أيضا غياب الوعي المجتمعي بضرورة ذلك، خاصة أن عدد لا بأس به غير ملتزم بارتداء الكمامة.

تقول إحدى الجالسات وعينها تترامى يمينا وشمالا بعد أن دب خلاف بينها وبين أحد العاملين ” حتى واحد مكيجاوبك، بغيت نعرف نوع اللقاح”، لكن من يتلقى البيانات “ادعى” على حد تعبيرها أنه لم يسمع قولها وهنا تقاسم آخرون شكواهم معها وكسرت بعض الأصوات سكون الحركة، والرؤيا.

فيما عبرت آراء أخرى عن رضاها عن تعامل رجال السلطة المحلية، وأن الخلافات الظاهرة ما هي إلا نتيجة لتوتر مشحون بسبب الضغط، والجهد المبذول قصد إنجاح هذه العملية، معبرين عن أفكارهم بصوت عال بالقول ” الله يحسن العوان”.

ما يطبع المشهد الأخير من مراحل تلقي جرعات اللقاح، هو ما بدا جليا رغم المخاوف، والشكوك أحيانا في رغبة جل المغاربة اليوم في الخلاص من واقع فرضته ظروف الجائحة، وأن الإقبال على مراكز التلقيح دليل كاف لا يترك مجالا للشك على ذلك، ولا مجالا للوقوف على صغائر الخلافات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News