فن

لماذا المسرح المغربي متوهّج بالخارج وواقعه مظلم على المستوى الوطني؟

لماذا المسرح المغربي متوهّج بالخارج وواقعه مظلم على المستوى الوطني؟

“حينما نشارك في مهرجانات عربية أو دولية، كل الفرق الأجنبية تكون في حالة ترقب وانتظار للمنتوج المغربي، لأنه مشهود له بالكفاءة في مجموعة من المحافل العربية والدولية، ونُستقبل من قبل اللجان المنظمة بهذه المهرجانات باحترام تام، ونحظى بالتقدير والمعاملة الجيدة، إضافة إلى توفير الإمكانيات اللازمة لتقديم عروضنا في أحسن الظروف، الأمر الذي لا نحظى به في المغرب”. بهذه الكلمات وصفت الممثلة المسرحية مونية لمكيمل، في حديث إلى جريدة مدار21، التوهج الذي يعيشه المسرح المغربي خارجيا، والتقهقر الذي يتخبط فيه داخليا.

ففي الوقت الذي تنال فيه التجارب المسرحية المغربية اهتماما وتقديرا كبيرين خارج المملكة المغربية، تعاني الفرق في عدد من التظاهرات والمهرجانات المسرحية الوطنية إكراهات كثيرة، إذ يُجمع المهتمين على أن الوجه المشرق لأبي الفنون بالخارج لن يغطي على واقعه المظلم ببيته الأم، وهو الأمر الذي كشفته الدورة الـ22 للمهرجان الوطني للمسرح الاحترافي بتطوان، التي أسدل الستار على فعالياتها نهاية دجنبر المنصرم.

لمكيمل: “غياب القاعات والدعم وضعف التسيير أبرز إكراهات أبي الفنون بالمغرب”

تقول مونية لمكيمل إن تألق الفرق المسرحية المغربية بالخارج يعود إلى عدة أسباب من بينها “ريادة المغرب في المجال المسرحي، الذي أثبتته هذه الفرق في مجموعة من المحافل الدولية، ثم قيمة الممثلين المغاربة سواء على مستوى الموهبة أو التكوين الأكاديمي، وأيضا التمرس والتجربة والثقافة العامة، إذ يمثلون بلدهم أحسن تمثيل على الصعيدين الفني والأخلاقي”.

وبخصوص الاختلالات التي تشلّ الجسم المسرحي في المغرب، ترى لمكيمل في حديثها للجريدة، أن “مهمة وزارة الثقافة، وفق ما جاء في الدستور المغربي، تقريب الثقافة من المواطنين”، متسائلة في هذا الإطار: “كيف يمكن تحقيق هذا الأمر في ظل غياب مركبات صالحة للعروض في كل المدن المغربية، وأقصد هنا مركبات صالحة للعروض، وليست مجرد بنايات.

وتشير المتحدث نفسها إلى أن القاعات المجهزة غالبا ما “تتمركز في المدن الكبرى مع تفاوت الإمكانيات التقنية من واحدة إلى أخرى”، مردفة: “وهنا سأتحدث عن مدينتي بنسليمان التي ناضلنا ما يزيد عن 15 سنة لإحداث مركب ثقافي بها، ولم يتم ذلك إلا هذه السنة”.

وتابعت: “أظن أنه يجب على القطاع الوصي تكثيف الجهود لتوفير على الأقل قاعات عروض صالحة، ومجهزة في كل مدينة مغربية، إضافة إلى تنفيذ مجموعة من المشاريع التي أُقبرت، مثل توطين الفرق المسرحية في المركبات الثقافية، ثم توقف المشروع الخاص بالعروض المخصصة للجاليات المغربية، ونحن نعلم أن الجالية المغربية متعطشة لمتابعة الفن المغربي، وتسعد بحضور العروض في الدول حيث تقطن”.

واسترسلت لمكيمل حديثها عن الإكراهات، التي تعيق تطور أبي الفنون بالمغرب، مؤكدة أنه حينما “توكل مهمة تسيير القطاع الفني لأشخاص إداريين أكثر مما هم فنيين، يصبح الأمر صعبا، لأن الإداري الذي لا يتمتع بنَفس فني من الصعب جدا أن يوفق في تدبيره للشأن الثقافي”، حسب تعبيرها.

أما على مستوى الدعم، شّددت المتحدثة ذاتها على أنه “ما تزال هناك العديد من الفرق المسرحية التي لم تحصل على حقها في هذا الجانب، حيث إنها تودع ملفاتها في عدد من المشاريع دون توصلها بأي رد سواء من حيث الإنتاج أو الترويج”، لافتة إلى أن هذا الدعم “لا يعد منحة، بل قيمة مالية مخصصة لإنتاج مشاريع معينة”.

التلمسي: المشكل يكمن في السياسة الثقافية بالمغرب وحان وقت التغيير

وحول النقاش الذي أثير حول تكوينات الفنانين المسرحيين، بمواقع التواصل الاجتماعي، على هامش الدورة الـ22 للمهرجان الوطني للمسرح الاحترافي بتطوان، أوضحت الممثلة جليلة التلمسي أن “الحديث عن التكوين بدل وضع الاختلالات، التي طبعت هذه النسخة من المهرجان، تحت المجهر، يعد من بين الأشياء التي تلهينا عن القضية الأساسية المتعلقة بالنهوض بالمسرح المغربي”، مضيفة “بحكم أنني خريجة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، واشتغلت مع ممثلين ليسوا من خريجي المعهد، أجد أن هذا الأمر لا يقلل من شأن أي شخص، لأن المشكل أكبر من ذلك، ويتجلى في السياسة الثقافية بالمغرب”.

وواصلت التلمسي، في تصريح لجريدة مدار21، بالقول: “لقد توجهنا بشكل مباشر إلى مدير الفنون، لكونه المسؤول الرئيس عن هذه الاختلالات في المهرجان، إذ هناك أشياء غير مقبولة”، مؤكدة أن الموضوع “لا يرتبط بتكوين الممثل من عدمه، وليس الهدف انتهاك عرض أي طرف”.

ولفتت المتحدثة عينها إلى أن الممثلين عاشوا ظروفا قاسية خلال جائحة “كورونا”، مردفة: “كانت من المفروض أن تكون محطة للعبرة واستخلاص الدروس، لكن المفاجأة أننا لم نلمس أي تغيير بعد استئناف الأنشطة الفنية.

وبخصوص أزمة المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي الذي أقيم أخيرا بتطوان، قالت التلمسي إن هذا المهرجان ارتبط بالوطنية والاحترافية، ويفرض عليهم تمثيل هذا الوطن خير تمثيل، لكنهم اصطدموا بتعاقد الوزارة مع شركة لا تتوفر على الوسائل التقنية واللوجستكية الخاصة بالعروض المسرحية”.

وأكدت التلمسي أن عدة فرق مسرحية تعرضت لـ”التهميش” في إحدى الدورات السابقة للمهرجان ذاته، لكنها لم تتحدث حينها، لأن الجوائز، في نظرها، كانت نوعا ما “شبه معقولة وعادلة”، مشددة على أنه “ما لا نقبله هو القصد في تهميش مجموعة من التجارب المسرحية التي تشرف المغرب وطنيا ودوليا، بسبب حسابات شخصية، أو بسبب شخص غير نزيه في اللجنة، وهذا مظهر من مظاهر البؤس الذي لا يقبله الفن بصفة عامة، وأبوهم المسرح بصفة خاصة، سيما أن هذه الفرق المهمشة توجت عربيا، كمحمد الحر في قرطاج، وأمين نسور بالقاهرة وأمين الساهل بالأردن”، مردفة: “ألا نستحق التقدير في بلدنا وتهنئة من وزارة الثقافة”.

واستطردت بالقول: “نحن أشخاص درسنا المجال وكرسنا حياتنا له، وعدد منا يتوفر على ماستر أو دكتوراه فيه، وليس لهم مراكز لتسيير الثقافة، ومراكز القرار يفترض تسييرها من قبل مثقف يواكب الحركة المسرحية”.

وترى الممثلة المسرحية أن “المشكل لا يكمن في الجوائز، بل أكبر من ذلك، وما فضحته عضوة من أعضاء لجنة التحكيم كان كافيا لاستيعاب ما يجري، من بينها مناقشة اللجنة المسائل الشخصية وليست الفنية”، وفق تصريحها.

وشددت التلمسي على أنه حان الوقت للتغيير، والارتقاء بهذا المجال، قائلة: “لا نريد إيذاء أي جهة، ولن نقبل من اليوم فصاعدا التقليل من احترامنا، ولن نصمت عن المشاكل التي تعترضنا، لتطوير هذا الميدان بأسلوب راق، نحصل على دعم زهيد ولا نتحدث إلا حبا في الفن، لأن أغلبنا يشتغل في السينما والتلفزيون، لكن الاحترام واجب لأننا نعمل بتفان في مجالنا”.

“أما الحديث عن التكوين، هو سياسة فاشلة لطمس المشكل الأساسي، إضافة إلى بعض الرسائل المجهولة والتهديدات والاتهامات الباطلة التي تتوصل بها مجموعة من الفرق المسرحية التي عارضت هذا الوضع المزري الذي يشهده المسرح، المغرب عرف تغييرات ملحوظة في جل المجالات، بخلاف المجال الفني، ونتمنى الارتقاء به”، تختم التلمسي حديثها إلى الجريدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News