المجلس الوطني لحقوق الإنسان: التضليل تهديد حقيقي للقيم والمبادئ وقد يصل حد المس بالحق في الحياة

اعتبر عبد الغاني بردي، رئيس شعبة بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن الأخبار الزائفة أو بالأصح التضليل هو واحد من أبرز وأخطر تحديات تداعيات التطور التكنولوجي واعتماد الخوارزميات ونظم الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان والديمقراطية، وأكثرها شيوعا.
وأوضح في كلمته خلال ندوة “محاربة الأخبار الزائفة بين دور الإعلام المهنب ومسؤولية المجتمع “لقد لمسنا خطورته بشكل ملموس وواضح على حقوق الإنسان والحريات الأساسية خلال جائحة كوفيد 19، التي كان الوباء الإعلامي والتضليل واحدا من الاشكاليات التي لازمت الجائحة”.
وقال بردي إن المجلس يفرق بين التضليل وبين الأخبار الزائفة على اعتبار أن الخبر الزائف يمكن أن يكون نتيجة خطأ غير مقصود، في حين تحرك التضليل نية الفعل، التي هي مكون أساسي في تعريفيه. مبرزا أن مصطلح الأخبار الزائفة يمكن أن يستخدم في عدة سياقات إقليمية ودولية، لأغراض سياسية؛ وهذه واحدة من المحاذير التي يجب مراعاتها حتى لا يكون هناك أي تضييق على الحق في حرية التعبير.
وأشار المتحدث في كلمته إلى أن التضليل ظاهرة ليست جديدة لكنها باتت اليوم تأخذ أبعادًا مهولة وأكثر خطورة، في ظل امكانيات انتشار غير مسبوقة، مع تطور التكنولوجيا الرقمية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي.
ولفت إلى أن خطورة تتزايد حدتها بالأساس على تطبيقات المراسلات المشفرة مثل WhatsApp وSignal و Telegram وMessenger, التي لا تتيح بطبيعتها لا إمكانية التعليق أو التشكيك أو التصويب أو حتى النقاش، عكس منصات التواصل مثل فايسبوك ويوتيوب وانستغرام وغيرها.
ويشكل التضليل من منظور المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وفق المسؤول، تهديدا حقيقيا على قيم ومبادئ وغايات كونية، قد تصل حد المس بالحق في الحياة (كوفيد19 كمثال) وليس آخرها المس بمبدأ أساسي في جوهر العمليات الديمقراطية، ألا وهو الحق في الاختيار وفي التصرف، خاصة حين يعتمد التضليل ضمن إستراتيجيات استهداف تغيير السلوك الانتخابي والتأثير فيه، بالإضافة إلى تغذية الانغلاق والتقاطب والتطرف، التي يمكن أن تحفزه “الفوقعات الإعلامية” (filter bubbles).
كما أن إشكال التضليل، يضيف بردي، يستفحل بشكل أكثر حدة في الأزمات (وربما هذا أكثره خطورة، مثل الأزمات الصحية) وفي ظل السعي إلى تحقيق أكبر عدد مشاهدات ممكنة، واستغلال زخم حدث أو تظاهرة معينة، مثلما حدث في قضية الطفل ريان، ومثلما حدث مؤخرا خلال المبارتين الأخيرتين للمنتخب المغربي في كأس العالم…
واعتبر أنه وفي ظل غياب أي إطار أخلاقي أو تنظيمي وطني والنموذج الاقتصادي لعمالقة الويب وترجيح التنظيم الذاتي (l’auto-régulation) بالنسبة لمنصات التواصل الاجتماعي وإفلاتها من أي مسائلة فعلية على مسؤلية النشر بها (منصات للنشر، غير مسؤولة على ما ينشر بها)، “تبقى في نظرنا مسؤولية مواجهة التضليل والأخبار الزائفة على المستوى الوطني مسؤلية مجتمعية بالأساس”.
وأكد على أن مسؤولية المؤسسات الوطنية والقطاعات المعنية، تتلخص في التحصين والتحسيس والتوعية من خلال التربية الإعلامية؛ وتعزيز الحس النقدي والتربية على تقاسم المعلومات بمسؤلية والوعي بالعواقب الكبيرة المحتملة ل “برطاج” صغير وبأن ما نتقاسمه عبر الإنترنت قد ينتشر مثل النار في الهشيم بعواقب وخيمة.
كما أشار إلى أهمية المسؤولية المجتمعية للصحافة والإعلام، والتي تنقسم في إلى قسمين، الأولى “مسؤلية تقتضي أولا وقبل كل شيء عدم السقوط في التضليل وممارسته، على اعتبار أنه خرق لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، وموجب لعقوبات تأديبية وخلاف جوهري مع أبسط قواعد الإعلام والصحافة ومكون أساسي من مكونات تعريف الخبر”،
ونبه المسؤول د إلى ضرورة خدمة التحقق من المعلومات Fact-Checking في محاربة الأخبار المضللة “للأسف هذه الخدمة شبه غائبة في المشهد الإعلامي والصحافي الوطني.. لقد وقفنا بشكل ملموس على أهميتها وقدرتها على تغيير السلوك في التعامل مع الأخبار خلال أزمة كوفيد19، عندما كان الجميع يسأل عن مصادر الأخبار”.
وأبرز بردي أن المجلس في تقريره السنوي نوه بالانخراط الفعلي لعدد من المنابر المغربية التي بادرت إلى إطلاق منصات للتحقق من المعلومات “غير أنه للأسف لم يواصل أي منبر وطني مغربي تقديم هذه الخدمة التي يمكن أن تأخذ أحيانا بعدا استراتيجيا، في سياق الأزمات الإقليمية والتعبئة الإعلامية المضللة المؤدى عنها على مواقع تواصل اجتماعي ضد مصالح المغرب والمغاربة”.
وأضاف في سياق متصل “لذلك يجدد المجلس الوطني لحقوق الإنسان الدعوة للصحافة والإعلام الوطني من أجل تعزيز الانخراط في هذا الورش واستحضار أبعاده وأدواره الاستراتيجية… كما يقترح على السلطات الوصية والهيئات التنظيمية والمنظمات المعنية التفكير في جعل هذه الخدمة ضمر أولويات المنظمومة الجديدة المرتقبة لآلية دعم الصحافة الوطنية”.