الطالب: النقد الفني علم لا ارتجال وغياب معاهد متخصصة يفتح الباب للمتطفلين

فتح الناقد الفني مصطفى الطالب النقاش حول غياب معهد عالِِ متخصص في النقد الفني بالمغرب، داعيا إلى التفكير الجدي في إحداث مؤسسة أكاديمية تساهم في مأسسة هذا المجال، أسوة بتجارب عربية رائدة.
وأوضح الطالب في تصريح لجريدة “مدار21” أن غياب مدارس ومعاهد متخصصة في النقد الفني بالمغرب يُعد من بين الأسباب الرئيسية وراء فوضى النقاد المتطفلين على المشهد الفني الوطني، مشيرا إلى أن هذا الغياب يطرح تساؤلات حول الأسباب التي حالت دون إحداث معهد أو مدرسة عليا تُعنى بالنقد الفني، رغم توفر الإمكانيات المادية والبشرية الكافية.
وأشار إلى أنه، ورغم تدريس النقد الأدبي وأحيانا الفني في بعض الجامعات، خصوصا في شعب اللغات، فإن هذا التخصص لا يُدرس بشكل أكاديمي موسع، إذ تبقى الكليات التي تتيحه محدودة جدا، مستحضرا تجربة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في تسعينيات القرن الماضي، التي كانت من بين المؤسسات القليلة التي أتاحت هذا التوجه في الدراسات العليا، قبل أن يتحول الاهتمام لاحقا إلى مجالات الإبداع والفنون والوساطة الثقافية.
وأكد الطالب أن غياب مدارس للنقد يؤدي فعلا إلى انتشار التطفل على هذا المجال الحيوي، الذي يُفترض أن يقوم بدور أساسي في تقييم الأعمال الفنية بمختلف تخصصاتها وتيسير فهمها وتقديرها من طرف الجمهور.
وبيّن أن النقاد في المغرب، على قلتهم، ينقسمون إلى نوعين، نوع أول أكاديمي درس الأدب أو الفلسفة أو الفنون وتكون في المدارس النقدية الأدبية والفنية، مما مكنه من ممارسة النقد باحترافية، ونوع ثان هاوٍ جاء إلى النقد بدافع الشغف بالفن أو من خلال الصحافة أو النوادي أو الاحتكاك بالفنانين، دون تكوين أكاديمي متخصص.
وأضاف الناقد الفني مصطفى الطالب أن الإشكال اليوم تفاقم مع وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت الباب على مصراعيه أمام كل من يرغب في “الإفتاء” في الشأن الفني، حتى وصلت الأمور أحيانا إلى التجريح والسب، مما جعل المشهد يختلط فيه الجاد بالسطحي، مشددا على أن النقد، رغم انفتاح الثقافة الفنية على الجميع، يظل علما له أدواته ومناهجه وخصوصياته التي ينبغي احترامها.
وفي سياق متصل، أكد المتحدث ذاته أن تدريس النقد الفني يمكن أن يساهم بشكل مباشر في رفع مستوى الأعمال الفنية بالمغرب، مبرزا أن إحداث معهد عالٍ خاص بالنقد أصبح اليوم ضرورة ملحّة لعدة اعتبارات، موضحا أن أول هذه الأسباب علمي وأكاديمي، لأن النقد تخصص قائم بذاته ينبغي دراسته والتعمق فيه، كما هو معمول به في عدد من الدول الأوروبية ومصر، التي سبقت المغرب في هذا المجال، فوجود معهد متخصص، يضيف، من شأنه أن يحد من الفوضى والعشوائية ويمنع التطفل على الميدان.
وأشار أيضا إلى أن تأسيس معهد للنقد من شأنه إعادة الاعتبار لدور الناقد المغربي، الذي يعاني من التهميش مقارنة بالمبدعين في مختلف المجالات الفنية.
وأوضح أن تأثير النقد في المشهد الفني والسينمائي والدرامي بالمغرب يظل محدودا، إذ غالبا ما يُقبل المبدعون على النقد فقط عندما يكون في صالحهم، بينما في البلدان التي تحترم التخصص، يُحسب للنقاد وزن وتأثير كبير كما هو الحال في فرنسا أو الولايات المتحدة، ومع ذلك، نوه بالمجهودات الكبيرة التي يبذلها النقاد المغاربة في ظل ضعف الإمكانيات وانعدام الدعم.
وأكد الطالب أن إحداث معهد متخصص في النقد الفني بات مطلبا ملحا للأجيال الجديدة التي تُقبل اليوم على دراسة الفنون بمختلف مجالاتها، وتطمح إلى التكوين الأكاديمي الجاد في النقد، مشددا على أن إنشاء هذا المعهد ضرورة تُوازي باقي المعاهد الفنية القائمة، مثل المعهد العالي للمسرح والفنون الجميلة والمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما.
ودعا الطالب الحكومة إلى الالتفات لهذا الموضوع وإحداث معهد عالٍ للنقد الفني، على غرار التجربة المصرية الرائدة في هذا المجال.
وكان الطالب، تساءل في تدوينة نشرها على حسابه بموقع “فيسبوك”، عن موعد تأسيس معهد عالٍ خاص بالنقد الفني، على غرار المعهد العالي للنقد الفني في مصر، الذي يكون متخصصين في النقد الفني والسينمائي والتلفزيوني، مؤكدا أن هذا السؤال الجوهري يعيد طرح إشكالية وضعية النقد والناقد في المغرب، ومدى تأثيره في المشهد الفني والسينمائي والدرامي.
ويرى الطالب أن دور الناقد في المغرب لا يزال محدودا، ولا يترك أثرا فعليا على العملية الإبداعية، إلا في الحالات التي يتقاطع فيها النقد مع التوجه العام الذي تفرضه منظومة “السيستم”، مثل المهرجانات، والدعم، والندوات، والبرامج التلفزية، وغيرها، مضيفا: “هذا لا يعني أن النقاد ليسوا في المستوى، بالعكس (وإن كان النقاد ذو النزعة الاستقلالية قلة)، فهناك عمل جبار يقومون به، سواء على مستوى الكتابة أو النشر أو المشاركة في اللقاءات”.
وأشار إلى أن بعض هذه الكتابات تصدر أحيانا بطلب مسبق أو عند توفر الدعم، وهو ما يشكل، برأيه، عائقا حقيقيا يواجه النقاد ويحد من استقلاليتهم.
ولفت الطالب في تدوينته إلى أن العديد من المبدعين، خصوصا المخرجين، لا يتقبلون النقد بسهولة، وهو أمر لا يقتصر على المغرب وحده، بل يلاحظ عالميا، غير أن الفرق، حسب رأيه، يكمن في أن الساحة الفنية الأوروبية أو الأمريكية تعترف بأهمية تكتل النقاد وتمنح وزنا لتقييماتهم.
وقال: “صحيح أن المهرجان الوطني للفيلم يمنح جائزة باسم النقد تُقدم من طرف “جواسم”، وهذا أمر جميل لأنه يمثل اعترافا بالنقد”، غير أنه تساءل عن مدى تأثير هذا التتويج على العملية الإبداعية وعلى المشهد السينمائي ككل، مضيفا أن نفس التساؤل يمكن أن يُطرح بالنسبة للمسرح والفنون التشكيلية والغناء.
وختم تدوينته قائلا إن الوقت قد حان للتفكير الجدي في تأسيس معهد عالٍ للنقد الفني، بدل الانتظار لسنوات، كما حصل سابقا مع المعهد العالي للمسرح والمعهد العالي للسينما، مؤكدا أن الحاجة أصبحت ملحة لمثل هذه المؤسسة، من أجل تنظيم النقد الفني في المغرب وفق معايير أكاديمية، بعيدا عن العشوائية والزبونية، وللإقرار بشرعية سلطة النقد والناقد، على غرار ما يتمتع به الفنان والمخرج والتقني من اعتراف قانوني ومهني.





