سياسة

دخول سياسي على صفيح ساخن واحتجاجات “جيل زد” تختبر تماسك الأغلبية

دخول سياسي على صفيح ساخن واحتجاجات “جيل زد” تختبر تماسك الأغلبية

مع قرب انطلاق السنة التشريعية الأخيرة في عمر الولاية الحكومية، تتجه الأنظار إلى البرلمان حيث تختبر المكونات السياسية قدرتها على الإنصات لصوت الشارع وتفكيك رسائل الاحتجاجات الشبابية التي هزّت صمت المشهد السياسي خلال الأيام الماضية. دخولٌ سياسي بطعم المساءلة، تسعى فيه الأغلبية إلى ترميم الثقة، بينما تترقب المعارضة ما إذا كانت الحكومة ستلتقط أخيرًا إشارات التحول الاجتماعي وتترجمها إلى سياسات واقعية في مشروع قانون المالية لسنة 2026.

رهانات هذا الدخول السياسي والبرلماني ستكون مطبوعة بفرض ملفات التشغيل والتعليم والصحة ومكافحة الفساد نفسها في واجهة النقاش، باعتبارها اختبارًا لمدى قدرة الحكومة على التجاوب مع صوت الشارع. فيما سيكون مطلوبا من الفرق والمجموعة البرلمانية، ليس فقط تمرير القوانين، بل المساهمة في إعادة صياغة العلاقة بين الشباب والدولة، في امتحان عسير لاسترجاع الثقة والتشجيع على المشاركة السياسية.

غير بعيد عن هذه الرهانات، تلوح ملامح سنة سياسية ساخنة تُنذر بارتفاع منسوب التوتر بين مكونات الأغلبية نفسها، وهي تتهيأ لدخول استحقاق انتخابي مبكر في خطابه وإشاراته، خاصة بعدما ظهرت ملامح التصعيد السياسي بين أطرافها، وهو أمر متوقع في تقاليد السياسة المغربية، غير أن السياق الاحتجاجي الحالي يزيد من حدة الخلافات ومعها تعقيد مهمة الحفاظ على “بيضة الأغلبية” إلى نهاية هذه الولاية.

فيما يخص أبرز الرهانات خلال هذه السنة التشريعية، يرى أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، أنها تتجلى في “ضرورة أن يقدم قانون المالية لسنة 2026 إجابات واضحة عن المطالب التي يرفعها الشباب المغاربة، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد والتشغيل، ما يعني أن مشروع المالية الجديد يجب أن يتضمن إشارات بأن الحكومة التقطت رسائل الاحتجاجات، وذلك من خلال رصد التمويلات اللازمة من أجل المساهمة ما أمكن في حل المشاكل القائمة”.

وأردف التويزي أنه “من الصعب القول إنه يمكن إيجاد حلول لمشاكل الصحة والتعليم والتشغيل في سنة واحدة، لكن يجب إظهار للشباب المغربي أن هناك فعلا إرادة وعمل وإحساس بمشروعية المطالب التي ترفعها التعبيرات الشبابية”.

ومن جهة أخرى، أضاف التويزي أن “هذه السنة ستكون سنة انتخابية بامتياز وستعرف بعض النقاشات الساخنة، وهذا أمر طبيعي لأن جميع الأحزاب تُعِد للانتخابات مما سيثير صراعات سياسية وسياسوية، ولكن على جميع الأحزاب السياسية العمل على تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات القادمة”.

وقال التويزي “إذا كنا نقول إن هناك عزوف انتخابي، فإن ذلك نابع من مجموعة من الممارسات، ومنها تشويه صورة الأحزاب التي لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في غيابها”، مضيفا بأن “هناك مساهمة بالفعل من داخل هذه الأحزاب في الإساءة لصورتها، لكن أيضا هناك محاولات من خارجها لإلصاق جميع الأمراض المجتمعية بالأحزاب”.

وأكد رئيس فريق “البام” على ضرورة “انضباط الأحزاب وأن تلعب دورا في تشجيع الشباب على المشاركة السياسية، خاصة وأن الانطباع السائد فيما قبل أن الشباب غير مهتم بالسياسة وأنه غارق في الأنترنيت، قبل أن تأتي التعبيرات الأخيرة لتؤكد بالفعل أنه شباب واعي وخرج للتعبير عن المطالب بطرق حضارية خالية من أشكال العنف، وأنه حامل لهموم الشعب ويفهم السياسة ويشعر بمختلف المشاكل التي يعانيها المواطنين”.

أما بالنسبة لرشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، فيرى أن “كل ما له علاقة بقضايا وطننا، وكل ما يتعلق بمصلحة المواطن، هو أولوية بالنسبة إلينا في فريق التقدم والاشتراكية”، مضيفا: “مثلاً، إسهامنا في الديبلوماسية البرلمانية، دفاعاً عن قضية الصحراء المغربية، نضعه دوماً على رأس الأولويات. كما نضع ضمن الرهانات كل ما يرتبط بتمتين جبهتنا الداخلية اقتصاديا واجتماعيا وديمقراطيا”.

وضمن أولى الأولويات، يضيف حموني، “الدفعُ في اتجاه أن تتفاعل مؤسستا الحكومة والبرلمان مع مطالب وتطلعات وانتظارات المجتمع، بما في ذلك الفئات الشابة، وهي كثيرة: الارتقاء بالخدمات العمومية في التعليم والصحة أساساً؛ خفض معدلات البطالة؛ العدالة الاجتماعية؛ الإنصاف المجالي؛ مكافحة مظاهر الفساد وإعمال الحكامة الجيدة في الشأن العام وفي أشكال الدعم العمومي وفي عالَم المنافسة الاقتصادية؛ وإنقاذ نسيج المقاولات الصغرى والمتوسطة من وضعية الاختناق؛ ودعم الفلاحين الصغار؛ … إلخ”.

وأكد رئيس فريق “الكتاب” أن “هذه الأولويات هي ما كنا نثير انتباه الحكومة إليها على مدى أربع سنوات، لكن الحكومة كانت في غالب الأحيان تُجيبنا، كمعارضة وطنية مسؤولة ومؤسساتية، بكثير من العجرفة والاستعلاء وادِّعاء إنجاز كل شيء، وبأنها “حكومة العمل والإنجاز وليس حكومة الكلام”…  وكانت تجيبنا بالتجاهل أحياناً، في احتقار لأدوار البرلمان والمعارضة، بل ذهبت أحياناً إلى اتهامنا بالتشويش…”.

وفي السياق نفسه تابع حموني “والحقيقة أن الحكومة لو كانت لها ميزة التواضع والإنصات لكانت تفادت استفزاز الناس بخطابها الغارق في الغرور”، مستدركا “طبعا الحكومة اشتغلت، كباقي الحكومات السابقة، وارتكزت على إيجابيات المراحل السابقة، لكنها حاولت احتكار الإيجابيات والمكتسبات، والرمي بالسلبيات إلى “إرث الماضي”…. وهذا أمرٌ غير مقبول في منطق العمل السياسي، لأن المغرب تقوم فيه الإصلاحات على التراكُم وليس على القطائع… اليوم، أتمنى أن تكون الحكومة قد فهمت الدرس، ولو بشكلٍ جد متأخر”.

وبخصوص احتجاجات “جيل زد” على العمل البرلماني، شدد أحمد التويزي على أن هذا الشباب الواعي “يجب أن يعمل على المشاركة في السياسة والانتخابات القادمة”، موضحا أن “هذه المشاركة ستجعلهم يزيلون الصور النمطية المتعلقة بالفساد المالي والانتخابات، كما أن مشاركتهم ستحدث الفرق وتجعلهم يشكلون الحكومة التي يريدون”.

وأردف التويزي أن “البرلمان يجب أن يعمل على خلق أجواء النقاش الهادئ لدفع الشباب والمواطنين إلى المشاركة السياسية باعتبارها أكبر التحديات، لأنه في غياب المشاركة الواسعة تحوم شكوك حول التمثيلية التي تكون لا تعكس الواقع المغربي.

وأوضح التويزي أن “مشكلتنا في المغرب هو أنه أحيانا يكون الإفراط في التواصل الذي يظهر فقط سيئات بلادنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإظهار المغرب وكأنه بلاد لا يوجد فيها شيئ إيجابي”، مضيفا أن “أحزاب الأغلبية والحكومة يجب أن تتواصل وتشرح للناس ما يتم القيام به من مشاريع وعدم تركهم عرضة لبعض الأبواق في الداخل والخارج”.

وأكد رئيس “فريق الجرار” أن “أي وزير في الحكومة عليه أن يكون مُتواصلا مع الناس حول المشاريع التي يشرف على إنجازها، فالسياسي ليس هو التقنوقراط إذ يجب أن يكون أول أدواره التواصل مع المواطنين وعبر الإعلام”، مضيفا أن “غياب تواصل الوزراء يجعل الخطاب المنتشر هو ذلك الذي يظهر البلاد على أنها ممكلة فساد وتخلف ومشاكل، مشددا على أن الوزير والفريق البرلماني الذين لا يتواصلون يخلون بعمله وواجبه إزاء الوطن:.

ومن جهته يؤكد رشيد حموني أن “الاحتجاجات السلمية والحضارية والراقية لجيل “زد” هي “صرخة قلوبٍ صادقة” لمواطنين ومواطنات شباب… يحملون مطالب اجتماعية عادلة ومشروعة وطبيعية، من قبيل الكرامة، ومحاربة الفساد وإصلاح التعليم والصحة وتوفير فرص الشغل اللائق… وهي مطالب حقيقية بالنظر للمشاكل الحقيقية التي نشهدها في الواقع المعيشي اليومي”.

الاحتجاجات الشبابية السلمية، وفق حموني، هي “تجسيدٌ لكون مغرب اليوم والغد لا خيار له سوى المضي قُدُما في توسيع فضاء الدمقراطية والحريات وحقوق الإنسان بجميع أصنافها وأجيالها”، مشددا على “الاحتجاجات الشبابية هي مساءلة لنا كدولة وكوسائط مجتمعية، من أحزاب ونقابات وجمعيات، حول أدوارنا في التأطير، وفي استعادة الثقة والمصداقية؛ وهي تذكير لنا جميعاً أنه ليس مقبولاً أن يَترك مسارنا التنموي البعضَ منا على الهامش، فلا مكان اليوم وغدا لمغربٍ يسير بسرعتيْن، كما أكد على ذلك الملك محمد السادس”.

واعتبر حموني أن “الاحتجاجات الشبابية لن يكون لها تأثير على العمل البرلماني فقط، بل أعتقد أنه سيكون لها تأثير، ويجب أن يكون لها تأثير إيجابي، على كل السياسات العمومية، وعلى كل المقاربات التقليدية في ممارسة السياسة، وعلى طبيعة الخطاب، وعلى طبيعة النخب، وطبيعة الأولويات، وعلى وتيرة وطبيعة عمل المؤسسات المنتخبة، وعلى طبيعة حكامة الشأن العام… إننا أمام رجَّة وصرخة جيل جديد علينا الإنصات إليه جيداً من أجل مغربٍ أفضل للجميع”.

وبخصوص مدى تماسك الأغلبية خلال السنة التشريعية الأخيرة، أكد أحمد التويزي أن الأغلبية “لن تكون انتهازية وستكون مساندة للحكومة، ولكن ستعمل أيضا على أن يأخذ مشروع قانون المالية المقبل ومختلف القوانين بعين الاعتبار المشاغل الأساسية للمواطن المغربي”.

وأوضح التويزي أن “الحكومة المسؤولة والبرلمان المسؤول والسياسات المسؤولة هي التي يجب أن تحول الشباب من مشكل إلى فرصة تمكن المغرب من الالتحاق بالدول الصاعدة”، مشيرا من جهة أخرى إلى أن “البرلمانيين سيكونون تحت الضغط وبالتالي فإن أسلوب حوارهم سيكون حادا وسترتفع حدة مطالب النواب لأنهم يوجدون تحت ضغط ساكنة الدوائر التي يمثلونها والأسئلة المحرجة التي يوجهونها إليهم.

ولفت إلى أنه من “المنتظر أن تشهد هذه السنة قوة في الأسئلة الموجهة إلى الوزراء الذين عليهم أن يتفهموا هذا الأمر ويتحضروا بشكل جيد لتقديم أجوبة مقنعة للنواب وللشعب المغربي”، مؤكدا أن “انسجام الأغلبية سيظل مستمرا وأنها لا تشتغل بمنطق “رِجل هنا ورِجل هناك” بل ستبقى متحملة لمسؤوليتها الكاملة، غير أن الأسئلة البرلمانية ستكون حادة مع الحفاظ على تماسك الأغلبية.

وبخصوص تقدير فريق التقدم والاشتراكية لمدى قدرة الأغلبية قادرة على التماسك خلال ما تبقى من ولايتها يؤكد حموني أن “المرحلة والظروف ليست ملائمة للدخول في مثل هكذا موضوع يتعلق بما يجري داخل الأغلبية، أو بما يجري داخل المعارضة…. لأن اعتقادي راسخ، رغم تفاوت المسؤوليات طبعاً، أن المرحلة تسائلنا جميعاً، من حيث مسارنا الديمقراطي، ومن حيث درجة تأطير المواطنين، ومن حيث مسارنا التنموي ومدى عدالته وإنصافه”.

مع ذلك، يستدرك حموني، بالقول إن “الأغلبية الحالية بدأت تسخيناتها الانتخابوية منذ سنة، تحت شعار فارغ عنوانه “من سيرأس حكومة المونديال”… لكن جاء إحداث مؤسسة مؤسسة مغرب 2030″ ليضع حدًّا لهذا التنافس المفتعل والسابق لأوانه”.

ولفت حموني إلى أنه “رغم البلاغ الذي صدر عن الأغلبية الحكومية إثر احتجاجات الشباب، إلاَّ أن مكونات الأغلبية سارعت بعضُ وجوهها إلى التنصل الضمني، أو حتى الصريح، من مسؤوليتها كمُكَوِّن من مكونات الحكومة… وهذا أمرٌ لا يستقيم ولا علاقة له بالمسؤولية السياسية”، مؤكدا أنه “في جميع الحالات، وبغض النظر عما يجري راهناً، فهذه الأغلبية، رغم شعارات التماسك، فإن الصراعات من داخلها واضحة وضوح الشمس ولا يمكن إخفاؤها باجتماعاتٍ وبلاغات موسمية..”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News