المغرب في مواجهة التحديات العالمية: من فخ الهويات إلى روح تيويزي

في ظل التحولات العميقة التي يعرفها العالم اليوم، من أزمات اقتصادية خانقة وصراعات جيوسياسية متسارعة، إلى تحديات مناخية ملحة، يجد المغرب نفسه أمام سؤال محوري: كيف يستطيع بلدنا المغرب، وهو بلد الأمن والاستقرار، أن يواصل دفع عجلة التنمية وتعزيز مكانته في محيط إقليمي متأزم وسياق دولي متقلب ؟
التفاوتات المجالية والاجورية والاجتماعية لا تزال قائمة بحدة، وتشكل جزءاً من ما يسميه علماء الاجتماع بـ structural inequalities، أي الاختلالات البنيوية التي تتشكل عبر عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية متشابكة. وجلالة الملك محمد السادس نصره الله وايده ، كان واضحاً في توجيهه حين قال: «لا نريد مغرب يسير بسرعتين». هذه العبارة ليست مجرد شعار، بل تمثل مرجعية استراتيجية تجعل من العدالة المجالية والاجتماعية محور كل مشروع وطني.
لكن جزءاً من الزمن التنموي الثمين ضاع خلال ولايتين متتاليتين لحكومات ((الإسلاميين)) ، التي ركزت على رفع الشعارات والهويات السياسية أكثر من الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية الجوهرية. وهنا نرى تطبيقاً عملياً لما وصفه الأستاذ حسن أوريد في كتابه الجديد “فخ الهويات” : حين تتحول السياسة إلى صراع هوياتي ضيق، تضيع الطاقات وتؤجل المعارك الكبرى المرتبطة بالتنمية والعدالة. كما أن المفهوم الذي طرحه بورديو، capital social، يوضح أن تعزيز الثقة والتضامن بين المواطنين والدولة أمر أساسي لأي مشروع تنموي مستدام.
اليوم، المغرب، رغم التحديات الدولية المتزايدة—من ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا، والجفاف الذي يهدد القطاعات الحيوية—تواصل الحكومة الحالية برئاسة السيد عزيز أخنوش عملها على تنفيذ برنامجها الانتخابي والحكومي. وتشمل هذه الأوراش الكبرى:
-تعميم الحماية الاجتماعية كأضخم مشروع اجتماعي عرفه المغرب.
-متابعة ورش الجهوية المتقدمة لتقليص fractures sociales بين الجهات والمجالات.
ـتنفيذ برامج لدعم الاستثمار وخلق فرص الشغل.
-اتخاذ إجراءات استثنائية للتخفيف من آثار الغلاء وحماية الفئات الهشة والتي لأحد سينكرها طبعا.
وعلى بعد سنة واحدة من نهاية ولايتها، يبقى التحدي الأساسي هو تحويل هذه الأوراش إلى نتائج ملموسة على الأرض، وتعزيز بناء الدولة الحديثة (modern state-building) التي تضع المواطن في صلب التنمية، وتضمن أن تتحقق العدالة الاجتماعية والمجالية لكل فئات المجتمع.
إن المغرب، بما يتوفر عليه من أمن واستقرار ورصيد تاريخي وحضاري عميق، يمتلك اليوم كل المؤهلات لمواصلة مسار التنمية رغم صعوبة السياقات الإقليمية والدولية. غير أن الرهان الحقيقي يكمن في جعل الأوراش المفتوحة تنعكس مباشرة على حياة المواطنين، بما يحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية ويعزز الثقة في المؤسسات.
ولعل قوة المغرب كانت دائمًا في هويته الجامعة، أي تمغربيت، التي تمثل إطارًا حضاريًا يوازن بين الأصالة والانفتاح، ويجعل من التضامن قيمة مؤسسة للمجتمع المغربي. هذه القيمة تجسدها بامتياز ممارسة تيويزي الأصيلة عند المغاربة منذ القدم، حيث تتكامل الجهود الجماعية من أجل خدمة الصالح العام. إن استحضار هذه الروح، إلى جانب السياسات العمومية الرشيدة، هو ما سيُمكن المغرب من ترسيخ مكانته كدولة صاعدة، قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، وبناء نموذج تنموي يقوم على العدالة والتكافل والابتكار.