تعليم بسرعتين.. “مدارس الريادة” تنذر بفوارق جسيمة بين المتمدرسين

يبدو أن مغرب السرعتين، الذي سلط عليه الملك محمد السادس الضوء في خطابه الأخير، لا يقتصر على الفوارق المجالية بين المركز والهامش، بل يمتد ليشمل مجالات أخرى حتى داخل المركز نفسه، لاسيما في مجال التعليم العمومي الذي، ومنذ إحداث تجربة “مدارس الريادة”، أصبح يهدد بخلق جيل تفصل بينه هوة سحيقة على مستوى التكوين.
مدارس الريادة هذه، جاءت في سياق إرادة وخطط الإصلاح المتعددة التي عرفها القطاع التربوي بالمغرب، فبعد تقييم سنة 2013، الذي تمخضت عنه خارطة طريق جديدة بنيت أساسا على الرؤية الاستراتيجية التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والتي أفرزت قانونا إطارا يلزم أي وزير للتربية الوطنية بالبقاء وفيا لنفس النهج.
غير أن هذه المدارس التي يتفق عدد لا بأس به من المراقبين على تثمين تصورها العام، تهدد من جهة أخرى بتوسيع الهوة التعليمية والتربوية بين جيل كامل من المغاربة، قد ينقسمون إلى فئتين “مغاربة الريادة” و”مغاربة المدارس العادية”.
ذلك ما أكده الخبير التربوي، عبد اللطيف اليوسفي، مشيرا إلى أن مدرسة الريادة قامت على تعويض السير بصيغة السنوات التعليمية، بمبدأ المجموعات المدرسية؛ “الفكرة في حد ذاتها والعمل والخطة والروافع والمرتكزات كلها جيدة في تقديري الشخصي؛ وأرى أن كل ما كتب في المغرب حول إصلاح المنظومة التربوية مكتوب بطريقة جيدة”.
لكن المدير السابق للأكاديمية الجهوية لجهة الغرب، لفت إلى أن الإشكال هو “عندما نجد في نفس الحي مدرسة للريادة وإلى جانبها مدرسة أو مدارس أخرى، لم يحن دورها بعد للالتحاق بركب الريادة، ما يعني أنه لا أستاذها مؤهل بالكافي ولا هي متوفرة على التجهيز الجيد لمدرسة الريادة، فهذا يعني أن تلامذتها لا يستفيدون من نفس جودة التكوين، فنصبح أمام تعليم يسير بسرعات مختلفة”.
وأضاف اليوسفي خلال حديثه لبرنامج “حديث الثلاثاء” من تنظيم “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، أن هذا الواقع سيخلق تمايزات وفوارق بين المؤسسات التربوية ومن ثمة بين تلاميذها، خاصة إذا ما أضيفت للفوارق المجالية القائمة بين المدارس المغربية؛ “إذا انتقلنا من مؤسسة ريادة بالمركز، إلى مدرسة عادية في العالم القروي مثلا، فسنجد هوة سحيقة بين مستوى المتعلمين، وهم من جيل واحد من المغاربة”.
وشدد اليوسفي على ضرورة الالتفات لتكافؤ الفرص والإنصاف والعدالة المجالية، مشيرا إلى أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والمؤسسة المعنية بالتقييم، أصدرا رأيا في هذا الصدد يؤكد أن مدارس الريادة عمل جيد ومُستقبلي، لكن من الضروري الانتباه لاختلالاته وفي مقدمتها التمايزات والفوارق الكبيرة في الجودة”.
المسؤولون عن المشروع بالوزارة الوصية لا يفوتهم هذا التحدي، وفقا لليوسفي، لكنهم يتذرعون بعدم توفر الإمكانيات للتوجه نحو تجربة الريادة بنسبة 100 في المئة، وينبغي السير إليها عبر مراحل؛ “صحيح، لكن أعتد أنه من الضروري عدم إهمال تلاميذ المدارس الاعتيادية، والاشتغال قدر الإمكان على تقريب المستوى حتى لا تصبح التمايزات غير قابلة للرأب” يخلص الخبير.