سياسة

لم تحل على المحكمة الدستورية.. المسطرة الجنائية تصدر بالجريدة الرسمية

لم تحل على المحكمة الدستورية.. المسطرة الجنائية تصدر بالجريدة الرسمية

رغم موجة الضغوط والانتقادات التي رافقت مسار التصديق عليه، والمطالب الداعية إلى إحالته على المحكمة الدستورية للتأكد من مطابقته لأحكام الدستور، صدر قانون المسطرة الجنائية بالجريدة الرسمية، على أن يدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من نشره.

عدم الإحالة على المحكمة الدستورية، على غرار المسطرة المدنية، تؤشر على إصرار وزير العدل على المضي قدما في اعتماد النص القانوني الجديد، باعتباره حلقة أساسية في ورش إصلاح العدالة، غير آبه بإبقاء باب الجدل مفتوحا حول مدى استيعاب القانون لملاحظات الفاعلين الحقوقيين والسياسيين، الذين اعتبروا بعض مقتضياته مثيرة للتحفظ وتحتاج إلى مراجعة دقيقة قبل أن تتحول إلى قواعد ملزمة، سيما المادتان 3 و7، اللتين تكبلان دور المجتمع المدني في التصدي لمظاهر الإفلات من العقاب المرتبطة بالجرائم المالية ونهب المال العام والإثراء.

وزير العدل عبد اللطيف وهبي، قال، بمناسبة صدور المسطرة الجنائية بالجريدة الرسمية، إن قانون المسطرة الجنائية “يشكّل ركيزة أساسية في البناء الإصلاحي الكبير الذي تعرفه بلادنا، ويعكس ثقة الدولة في مؤسساتها وقدرتها على تنزيل إصلاحات كبرى تجعل من العدالة المغربية نموذجا يحتذى إقليميا ودوليا، وترسّخ الاختيار الثابت للمغرب في بناء دولة الحق والقانون ودعم مسار الديمقراطية والتنمية المستدامة”.

وأوضح الوزير أن “الحكومة الحالية، انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية، عازمة على جعل ورش إصلاح العدالة رافعة أساسية لنجاح الاستحقاقات الوطنية المقبلة، وفي مقدمتها احتضان المملكة لكأس العالم 2030، حيث يشكل تحديث المنظومة القضائية وضمان أمن قضائي حديث عاملا حاسما لتعزيز جاذبية المغرب الدولية وترسيخ مكانته كدولة مؤسسات وقانون”.

وأكدت وزارة العدل، في بلاغ بالمناسبة، أن اعتماد هذا النص يشكل “لبنة مركزية في ورش إصلاح منظومة العدالة، إلى جانب مراجعة القانون الجنائي وقوانين المهن القضائية، وتسريع وتيرة التحول الرقمي داخل المحاكم. هذا الورش الوازن، الذي قادته وزارة العدل بثبات حتى استكماله، يعزز مكانة المغرب كبلد رائد في تحديث العدالة، ويواكب طموحات النموذج التنموي الجديد ورؤية المملكة لمغرب 2030”.

وأشادت باستكمال المسار الذي أفضى إلى الاعتماد النهائي للقانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 7437 بتاريخ 8 شتنبر 2025، مشددة على أن ذلك يمثل محطة تاريخية تجسد الإرادة السياسية القوية للمملكة المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون وتحديث منظومة العدالة بما يواكب التحولات العميقة التي تشهدها البلاد.

وأشار إلى أن هذا الإصلاح الجوهري يأتي “استجابة للتوجيهات الملكية السامية الواردة في خطب الملك، الداعية إلى تحديث السياسة الجنائية وضمان عدالة ناجعة وفعالة، وترجمة لروح دستور 2011 الذي جعل من حماية الحقوق والحريات الأساسية مرتكزا لبناء المغرب الديمقراطي الحداثي”.

ويرسّخ القانون الجديد قفزة نوعية في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة وتعزيز الثقة في العدالة، من خلال تحصين حقوق الدفاع وتكريس قرينة البراءة وضمان الحق في محاكمة داخل أجل معقول، مع توسيع الاستفادة من المساعدة القانونية، وتعزيز الضمانات المتعلقة بالحراسة النظرية، بإلزامية إخبار المشتبه فيه بحقوقه، وتمكينه من الاتصال بمحام والاستفادة من خدمات الترجمة عند الحاجة.

ويحد أيضا من اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي وحصره في أضيق الحالات، مع إلزامية تعليل قرارات الإيداع بالسجن وتفعيل بدائل احترازية حديثة، زيادة على تمكين الضحايا من حقوق موسَّعة، تشمل الإشعار بمآل الدعوى، والدعم القانوني والاجتماعي، مع تدابير خاصة لفائدة النساء والأطفال ضحايا العنف.

وبموجب القانون الجديد، فسيتم إحداث مرصد وطني للإجرام كآلية علمية لتوجيه السياسة الجنائية على أسس دقيقة ومعطيات موثوقة.

وكان التصديق النهائي على مشروع قانون المسطرة الجنائية بغرفتي البرلمان قد أثاء امتعاضا واسعا وسط فعاليات حقوقية ومدنية، طالبت بحذف المقتضيات التي تتناقض مع الدستور المغربي والمواثيق الدولية، معتبرة إياها بمثابة منحة للوبيات الفساد وأنها تشجع على الإفلات من العقاب.

وتتوحد مطالب الهيئات الحقوقية بالأساس فيالمادة 3 التي ما زالت “تحصر حق تقديم الشكايات ومباشرة المتابعات في أطراف محددة، مقصية الجمعيات النسائية والحقوقية من لعب دورها في مؤازرة الضحايا وفضح مرتكبي الجرائم، خاصة في قضايا العنف المبني على النوع”.

وتنص المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية على منع جمعيات المجتمع المدني من تقديم شكايات تتعلق بقضايا المال العام والفساد المالي، إذ “لا يمكن إجراء الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية بشأن الجرائم الماسة بالمال العام إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، وذلك بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو أي هيئة أخرى يمنحها القانون صراحة هذا الاختصاص”.

وأثار المادة 7 أيضا غضب الحقوقيين والمجتمع المدني، والتي تبقي على قيود غير مبررة في ولوج الضحايا للعدالة، وتفتح الباب أمام إسقاط المتابعات بطرق تؤدي إلى الضغط على النساء للتنازل أو الصلح القسري.

ويشير المطالبون بإحادة المسطرة الجنائية على المحكمة الدستوية إلى “غياب أي تنصيص واضح على حماية الضحايا والشهود في قضايا العنف القائم على النوع، مما يدفع العديد من النساء إلى الإحجام عن التقاضي خوفا من الانتقام أو الوصم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News