مركز: الدولة تعزز حضورها والأحزاب تفقد المبادرة قبل انتخابات 2026

اعتبر مركز المؤشر للدراسات والأبحاث أن المغرب يعيش، في أفق الانتخابات التشريعية لسنة 2026، تحولات بنيوية عميقة تتقاطع فيها رهانات الدولة وتطلعات المجتمع، في ظل نتائج انتخابات 2021 التي وصفها بغير المسبوقة في المشهد السياسي.
وأبرز أن هذه المحطة كانت فاصلة، ليس فقط بسبب التراجع الحاد لحزب العدالة والتنمية، بل أيضًا لبروز فاعلين سياسيين جدد، وعلى رأسهم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي قاد إلى جانب الأصالة والمعاصرة والاستقلال تحالفًا ثلاثيًا أفرز حكومة وُصفت بالتكنوقراطية من جهة، والموجهة برؤية اقتصادية ليبرالية من جهة ثانية.
ولفت المركز في قراءته إلى أن نتائج انتخابات 2021 جاءت في سياق متشابك من التحولات، بدءًا من تداعيات جائحة كوفيد 19 التي أعادت الدولة إلى مركز الفعل التدبيري بمقاربة تدخلية، وصولًا إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية تحت ضغط التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد أن الحكومة أطلقت أوراشًا اجتماعية كبرى، بينها ورش الحماية الاجتماعية وتوسيع التأمين الإجباري عن المرض وإعادة هيكلة المنظومة الصحية، في ما اعتبره تعبيرًا عن عودة الدولة القوية كلاعب مركزي.
وبيّن المركز أن هذه العودة القوية لم تقابلها استعادة للثقة في الأحزاب، بل سُجل تراجع لافت في نسب المشاركة الانتخابية، وتزايد الحذر الشعبي من قدرة القوى السياسية على تمثيل المطالب المجتمعية.
وأوضح أن هيمنة التكنوقراطية على الخطاب الرسمي وحياد الأحزاب في النقاش العمومي جعلا الانتخابات الأخيرة لحظة تقنية أكثر منها سياسية، بما يعكس أزمة ثقة عميقة بين المواطنين ومؤسسات الوساطة.
وكشف المركز عن إعادة رسم صامتة للعلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الدولة والأحزاب، حيث تعمل الدولة على تعزيز موقعها كمخطط وممول ومنفذ، مقابل تقلص الأدوار الوسيطة التي شكلت تاريخيًا جوهر العمل الحزبي والنقابي.
واعتبر أن هذا التوجه يظهر في طبيعة القيادة الحكومية، وفي محدودية النقاشات البرلمانية التي باتت شكلية وغير مؤثرة، في ما يشبه “تهذيبًا سياسيًا” يعيد ضبط أدوار الأحزاب لتأثيث المشهد أكثر من كونها فضاءات للصراع الديمقراطي.
وأشار المركز إلى أن التحولات الاجتماعية الراهنة تتسم بتفاقم الهشاشة الاقتصادية، واتساع الفوارق المجالية، واحتداد الإحساس بغياب العدالة الاجتماعية، ما ولّد شعورًا متزايدًا بالاغتراب السياسي وفقدان الثقة في مؤسسات الوساطة.
وأضاف أن ما يعرف بـ “أزمة الوساطة” يعكس عجز الأحزاب عن التعبئة واحتواء المطالب الاجتماعية، في ظل هيمنة البعد التدبيري وتراجع الفعل الترافعي لصالح التماهي مع السياسات الرسمية.
واعتبر المركز أن إعادة توزيع التمثيلية الحزبية في انتخابات 2021 أعقبها جمود سياسي واضح، مع غياب مبادرات مؤثرة من الأغلبية والمعارضة على حد سواء.
وحذّر من أن هذا الوضع يجعل من انتخابات 2026 اختبارًا لقدرة الأحزاب على تجديد خطابها واستعادة زمام المبادرة، خاصة أمام عزوف الشباب عن القنوات التقليدية مقابل انخراط أكبر في الفعل الرقمي.
وأوضح المركز أن المرحلة الحالية تمثل امتدادًا لمشروع إعادة تعريف السياسة في المغرب، ليس عبر تعديلات قانونية أو دستورية، بل من خلال ممارسات فعلية تعيد ترتيب الحقل السياسي على أسس غير تقليدية، حيث يتداخل الحزبي بالتقني، والمؤسساتي بالسيادي، والفردي بالجماعي.
وأكد أن هذا التحول يطرح أسئلة حول مستقبل العمل الحزبي، ووظيفة الانتخابات في نظام يعتمد على موازين الثقة والقدرات التدبيرية أكثر من الخطابات الإيديولوجية أو البرامج.
كما نبه المركز إلى أن التحديات الأمنية في منطقة الساحل، والأزمات الاقتصادية الناتجة عن التقلبات الدولية، وتأثيرات المناخ الجيوسياسي على الاقتصاد المغربي، تدفع نحو مزيد من تركيز السلطة، ما يجعل تحقيق انفراج سياسي حقيقي أكثر صعوبة.
لكنه أشار في المقابل إلى بوادر تجدد مجتمعي من خلال الحركات الاجتماعية القطاعية وأشكال الفعل المدني غير المؤطر حزبياً، والتي وإن كانت مشتتة، قد تعيد السياسة من خارج الأحزاب وتطرح السؤال حول جدوى البنية الحزبية القائمة.
وختم المركز قراءته بالتأكيد على أن انتخابات 2026 ستكون لحظة حاسمة، ليس فقط لتشكيل الحكومة المقبلة، بل لإعادة اختبار المسار الديمقراطي المغربي برمته، في ظل أسئلة مفتوحة حول مستقبل الوساطة الحزبية، ومآل التعددية، وجدوى الخيار الديمقراطي في سياق عودة الدولة القوية، وتراجع المبادرة الحزبية، وانكماش المشاركة السياسية، واحتدام التوترات الاجتماعية الصامتة.
وشدد على ضرورة إعادة الاعتبار للسياسة كمجال للتعبير عن التعددية وحماية الإطار الديمقراطي، محذرًا من بقاء الديمقراطية المغربية في وضع “الركود المتحرك”؛ أي ديمقراطية بلا دينامية، وتعددية بلا تعدد حقيقي في الخيارات.