رأي

هل حان الوقت لمنح التزكيات للكفاءات بدل الأعيان؟

هل حان الوقت لمنح التزكيات للكفاءات بدل الأعيان؟

بمناسبة الخطاب الملكي السامي الذي صادف الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه الميامين، أعطى جلالته توجيهاته السامية لوزير الداخلية، من أجل الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين قصد توفير المنظومة القانونية المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل متم السنة الحالية. وتفعيلا للتوجيهات الملكية عقد وزير الداخلية اجتماعين متواليين مع قادة الأحزاب السياسية خصصا لموضوع تحضير الانتخابات التشريعية المقبلة للعام 2026، تم الاتفاق بموجبهما أن تقوم الأحزاب بموافاة وزارة الداخلية، داخل أجل أقصاه نهاية شهر غشت الجاري، باقتراحاتها الخاصة بالإطار المنظم للانتخابات التشريعية 2026، حتى يتأتى دراستها والتوافق في شأن التدابير ذات الطابع التشريعي وعرضها على المسطرة التشريعية خلال الدورة التشريعية الخريفية، في أفق إخراجها إلى حيز الوجود قبل متم السنة الحالية.

تأسيسا عليه، يبدو واضحا أن توجيهات جلالة الملك، تجسد حرصه الثابت على تأمين شروط الشفافية والنزاهة في الاستحقاقات التشريعية المقبلة 2026، ذلك أن تأكيد جلالته على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها الدستوري والتشديد على ضرورة اعتماد المنظومة المؤطرة لها قبل متم السنة الجارية، يعكسان الإرادة الملكية الراسخة من أجل ترسيخ دعائم المسار الديمقراطي الوطني، وتعزيز مشروعية المؤسسات الدستورية التمثيلية، في انسجام تام مع مقتضيات الفصل 11 من الدستور، الذي يجعل من الانتخابات الحرة والنزيهة أساسا للتمثيل النيابي الديمقراطي، وهذا الحرص الملكي على نزاهة المسار الانتخابي نابع من الأدوار الدستورية التي يضطلع بها جلالة الملك كرئيس للدولة وضامن لاحترام الدستور، وحكم أسمى بين المؤسسات، وفق ما ينص عليه الفصل 42 من الدستور.

لكن في الوقت الذي يحظى فيه المسلسل الانتخابي بعناية ملكية لتعزيز الثقة في المؤسسات التمثيلية، وفي الوقت الذي يلاحظ فيه حرص وزارة الداخلية على التقيد بالتوجيهات الملكية الرامية لضمان الحياد التام وتكافؤ الفرص بين المترشحين، وتوسيع المشاورات مع مختلف الفاعلين السياسيين لتعزيز المكتسبات الديمقراطية، وفي الوقت الذي اعتمدت فيه الإدارة العديد من التدابير لبث الطمأنينة داخل صفوف الأحزاب التي ما فتئت تشكو من اشراف الجهاز التنفيذي ممثلا في وزارة الداخلية على تدبير العمليات الانتخابية، وبالرغم من اشراك الفاعلين الحزبيين في عملية تحضير القوانين الانتخابية والانفتاح على مقترحاتهم واعتمادها من داخل مؤسسة البرلمان بالشكل الذي يبدد الشكوك التي كانت تثيرها بعض الأحزاب السياسية، وبالرغم أيضا من سماح الإدارة للملاحظين الدوليين والوطنيين من مراقبة وملاحظة الانتخابات بموجب القانون رقم 30.11 واسناد رئاسة اللجنة الخاصة بذلك للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، طبقا للقانون رقم 76.15 لاسيما المادة 33 منه، وبالرغم من تمكين كل مرشح أو لائحة ترشيح من حق التوفر في كل مكتب على ممثل ليراقب عمليات التصويت وفرز الأصوات وإحصائها، بموجب المادة 58 من مدونة الانتخابات، إلا أنه لوحظ في المقابل من ذلك أن سلوك الفاعل الحزبي المرتبط بمنح التزكيات ما زالت تحكمه وتؤطره بعض الممارسات التقليدية ولم تلحقه أيه تغييرات في أفق تدبيره وفق معايير الكفاءة والاستحقاق التي تقتضيها الظرفية السياسية الجديدة والتحديات الراهنة لمستقبل المغرب دوليا وإقليميا وحتى ترابيا وجهويا قصد تنمية المجالات الترابية.

فرغم كل التدابير القانونية والتنظيمية التي اعتمدتها الإدارة، والتي تستمد مشروعيتها من الدستور والقوانين التنظيمية والعادية الخاصة بالعملية الانتخابية، وفي مقدمتها تبني قانون تنظيمي جديد للأحزاب السياسية وتحيين القوانين الانتخابية، فقد ظل سلوك الفاعل السياسي المغربي يراوح مكانه، خاصة في الشق المتعلق بمنح التزكيات لانتخابات مجلس النواب، إذ لوحظ أن الأحزاب المغربية ما زالت حبيسة منطق تقليداني يؤسس للزبونية والمحسوبية بمناسبة منح التزكيات للترشح لانتخابات مجلس النواب، من خلال تفضيل بعض الأحزاب منح التزكيات للأعيان بدل الكفاءات كما أصبح معمولا به مثلا في التجربة المصرية، حيث اشترط مجلس النواب المصري، بموجب القانون رقم 84 لسنة 2025، القاضي بتعديل قانون مجلس الشيوخ الصادر بالقانون رقم 141 سنة 2020، الذي نشر بموجب قرار رئاسي بالجريدة الرسمية عدد 23 “تابع” بتاريخ 4 يونيه 2025، فيمن يريد الترشح لعضوية مجلس الشيوخ الحصول على شهادة جامعية، حيث نصت مادته 11: “على ضرورة أن يكون طلب الترشح مصحوبا ببيان يتضمن بصفة خاصة خبرته العلمية وشهادة المؤهل الجامعي أو ما يعادله على الأقل”. وفي نفس السياق، اشترطت المادة 102 من الدستور المصري في المترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون حاصلا على شهادة إتمام التعليم الأساسي على الأقل، وهناك نقاش سياسي يهدف إلى جعل الترشح لعضوية مجلس النواب حكرا على أصحاب المؤهلات العليا بدلا من شرط الحصول على شهادة إتمام التعليم الأساسي، واعتبار فلسفة هذا المقترح تنسجم مع متطلبات الجمهورية الجديدة.

ففي الوقت الذي تبحث فيه بعض التجارب المقارنة القريبة منا على بعض المداخل الكفيلة بالرفع من نجاعة وجودة العمل النيابي باشتراط عنصر الكفاءة داخل أوساط النخب البرلمانية، نجد بأن أغلب الأحزاب السياسية المغربية ظلت تعمل في السياق السياسي الجديد بنفس الأساليب والممارسات القديمة، ففي الوقت الذي من المفترض فيه أن يحصل تحول في منهجية تدبير التزكيات الحزبية للترشح لعضوية مجلس النواب، نجد أن هناك استمرار وشيوع لثقافة الأعيان وأصحاب النفوذ الاقتصادي، والحالة هذه فإنه لا يمكن للأحزاب أن تحمل شعار الدولة الحديثة دون أن تسود مظاهر الحداثة تنظيمات الفاعلين السياسيين أنفسهم، ذلك لأن هناك علاقة وطيدة بين تحديث ودمقرطة الدولة والمجتمع ووجود تنظيمات حزبية قادرة على التأصيل الفعلي لمفهومي الحداثة والديمقراطية كما متعارف عليهما سياسيا، إذ لا يمكن لأحزاب أن تطمح لتطوير المجتمع وإصلاح الدولة وهي ذاتها في حاجة لإصلاح ذاتي؟

ولعل ما يزيد من إلحاحية مطمح ترشيد التزكيات الحزبية بناء على مبدأ الكفاءة، هي التحولات والتحديات الاجتماعية والمجالية التي يعرفها المغرب خاصة على مستوى بعض المناطق بالعالم القروي التي تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة والتي أضحت تتطلب إعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية يتأسس على مبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية بالشكل الذي يساهم في تحقيق العدالة الجغرافية وتحقيق الانصاف الترابي بين جميع الجهات دون إقصاء، ووضع حد للتفاوتات المجالية والترابية وهو ما يحتاج كفاءات برلمانية قادرة على تشخيص الوضعية الراهنة وهندسة الحلول المناسبة لها، أخذا بعين الاعتبار الدلالة الاصطلاحية واللغوية لمفهوم التزكية التي من معانيها نظافة الظاهر والباطن من الصفات الرديئة وتحلي صاحبها بالمصداقية والقدرة للقيام بالأشياء التي حصل فيها على التزكية على أحسن وجه، وهي الصفات التي تقتضي أن تكون للشخص الذي حصل عليها في المجال الانتخابي الكفاءة للقيام بمهامه التمثيلية، دون أن ننسى مدلولها الديني الذي يعني الصلاح والطهارة والنقاء.

وفي سياق المشاورات الموسعة حول منظومة القوانين المؤطرة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يبدو أن الوقت قد حان لطرح هذا الامتياز الحزبي على طاولة النقاش العمومي والسياسي بالشكل الذي تتحمل فيه الأحزاب السياسية الشجاعة والجرأة اللازمتين لترشيح أطر برلمانية بناء على معيار الكفاءة لا على معيار القدرة المالية التي أفرزت لنا منطق الأعيان الذين سيطروا على  المؤسسة التشريعية رغم افتقار أغلبيتهم لأدنى المؤهلات التي تؤهلهم للقيام بمهامهم كما هي محددة في الدستور، من انتاج نصوص قانونية ومناقشتها والتصويت عليها، مرورا بتقييم السياسات العمومية ومراقبة الأداء الحكومي وأدوار دبلوماسية …، وهي مهام تحتاج التوفر على مستوى تعليمي معين ونوعا من الخبرة والمعرفة الدقيقة لحقيقة السياسة العمومية، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المالية السنوي وقانون التصفية والتحليل المالي لتكلفة السياسات العمومية … هذه كلها قضايا تحتاج لخبرة وإلمام بقراءة لغة الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، وهو ما يفسر استفراد الحكومة، من خلال السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، بإعداد القانون المالي مستعينة بالخبرة التي توفرها لها السلطة الحكومية المكلفة بالاقتصاد والمالية وبعض المؤسسات الدستورية، وإن كان النظام الداخلي لمجلس النواب يعطي للفرق والمجموعات النيابية الحق في اللجوء لخبرة الخبراء وَوَفَّرَ لها دعما ماليا لهذا الغرض عبر المادة 104 من النظام الداخلي لمجلس النواب، إلا أن هذا الدعم وهذه الإمكانية لا تسقط مسؤولية الأحزاب السياسية في ترشيد وعقلنة عملية منح التزكيات بتفضيل من يتوفرون على مستوى تعليمي جامعي، وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل إن كان الوقت قد حان للانتقال لمنح التزكيات للكفاءات بدل منحها للأعيان، وذلك من خلال اشتراط:

(أ) ضرورة الحصول على الأقل على شهادة جامعية في جميع التخصصات أو في تخصصات بعينها: كالقانون والاقتصاد، خاصة بالنسبة لمن يريد الترشح لعضوية مجلس النواب. (ب) ضرورة الحصول على الأقل على شهادة البكالوريا لمن يرغب في الترشح لعضوية مجالس الجماعات الترابية بأنواعها الثلاثة: الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات كما هي محددة في الفصل 135 من دستور 2011.

لكن لا بد من الإشارة إلى أن اشتراط معيار الكفاءة بالحصول على شهادة جامعية بالنسبة لعضوية مجلسي البرلمان، وشهادة البكالوريا بالنسبة لعضوية مجالس الجماعات الترابية، يقتضي تعديل أهلية الترشح وموانعه بموجب النصوص القانونية التنظيمية والعادية، بمناسبة المشاورات الجارية حاليا، إما أن تقوم الأحزاب السياسية بأخذ المبادرة في هذا الموضوع، أو أن تأتي المبادرة من وزارة الداخلية بتعديل:

  • القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب كما وقع تعديله، خاصة المقتضيات المتعلقة بأهلية الترشح؛
  • القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين كما وقع تعديله، خاصة المقتضيات المتعلقة بأهلية الترشح؛
  • القانون التنظيمي رقم 57.11 يتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء، خاصة المادة 122 وباقي المواد المتعلقة بأهلية الترشح؛
  • القانون التنظيمي رقم 59.11 يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، خاصة المادتين 4 و111 منه وباقي المواد المتعلقة بأهلية الترشح؛
  • القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات، خاصة المادة 41 منه.

لكن، من غير المستبعد أن تطرح قضية تعديل شروط وأهلية الترشح وموانعه داخل هذه النصوص القانونية العادية والتنظيمية بعض الاشكالات المتعلقة أساسا بعدم الدستورية أي مخالفتها لبعض فصول الدستور سيما الفصل 30 منه الذي ينص على أنه لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، لكن نص في نفس الوقت على أن ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية. وهو الأمر الذي يقتضي طرح ملاحظتين أساسيتين:

الملاحظة الأولى: تهم القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات، ما دام أن الأمر يتعلق بقانون عادي، فإنه لن يطرح أي اشكال دستوري بخصوص مدى تعارض هذا التعديل (شرط الحصول على مؤهل جامعي أو شهادة البكالوريا) مع مضمون الفصل 30 من دستور 2011، لأن القوانين العادية كما هو معلوم تبقى مسألة احالتها على أنظار المحكمة الدستورية اختيارية، وذلك طبقا للفصل 132 من الدستور. وهناك سوابق في هذا المجال نذكر منها على سبيل المثال: (المادة الخامسة من القانون رقم 36.04 المتعلـق بالأحـزاب السياسـية سابقا)، حيث تدخل المشرع أول مرة ومنع كل من يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان بتزكية من حزب سياسي، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه، التي كانت فيها من الناحية القانونية والدستورية “مخالفة صريحة” للفصل التاسع من دستور 1996، الذي يضمن حرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب الاختيار، لكن جميع الأحزاب بما في ذلك مجلسي البرلمان والوزير الأول (آنذاك) قرروا عدم تفعيل مقتضيات الفصل 81 من دستور 1996. وبالتالي، لم تتم احالة هذا القانون العادي المتعلق بالأحزاب السياسية على أنظار المجلس الدستوري وذلك (بمبرر الرغبة والإرادة الجماعية الرامية لمحاصرة وتطويق ظاهرة الترحال السياسي) التي عانى منها البرلمان المغربي في جميع الولايات الانتدابية والانتخابية.

علما بأن القانون 9.97 بمثابة مدونة الانتخابات، خاصة فيما يتعلق بسن الرشد للترشح للانتخابات حدده، بموجب المادة 41، في 21 سنة شمسية كاملة على الأقل في التاريخ المحدد للاقتراع، وهو نفس السن في المادة 66 من ذات المدونة سيما في حالة ما أحرز مرشحان أو عدة مرشحين عددا متساويا من الأصوات، ينتخب أكبرهم سنا .وفي حالة تعادل السن، تجرى القرعة لتعيين المرشح الفائز، علما بأن هاتين المادتين لا تنسجمان مع سن الرشد القانوني المنصوص عليه بموجب الفصل 44 من الدستور والفصل 30 الذي حدده بالنسبة لحق الترشح لكل من بلغ سن الرشد القانونية (18 سنة)، التي هي نفس سن الرشد القانوني المنصوص عليها في المادة 209 من مدونة الأسرة، والفصل الرابع من الظهير الشريف رقم 1.58.250 بسن قانون الجنسية المغربية. وبالرغم من هذا الاختلاف بين مقتضيات المادتين 41 و66 من مدونة الانتخابات ودستور 2011، فإن هذا الأمر لم يُطرح أمام المحكمة الدستورية بمناسبة انتخابات 2021، مع العلم أن هذا التعارض في سن الرشد بين مدونة الانتخابات والدستور، صاحبته بعد انتخابات 2021 بعض الطعون الانتخابية، ففيما فاز بعض المترشحين رغم صغر سنهم، تم إسقاط آخرين بسبب هذه المادة 41.

وفي نفس السياق، كان الميثاق الجماعي الذي تم نسخه، يشترط في رئيس المجلس الجماعي، ضرورة التوفر على شهادة الدروس الابتدائية، إلا أن هذا الشرط تم إلغاؤه بموجب القانون التنظيمي الجديد للجماعات، وذلك في الوقت الذي كان ينتظر من المشرع الرفع من المستوى التعليمي لرؤساء الجماعات، سيما وأن الممارسة أبانت أن هناك فئة من المنتخبين داخل مجالس الجماعات الترابية بأصنافها الثلاث لا يتوفرون على مؤهل يساعدهم على تبني برامج عمل قادرة على الرفع من قدرة وأداء المجلس الجماعي وتأهيله بالشكل الذي يجعل الجماعات قادر على التعاطي مع تحديات اللامركزية الترابية.

الملاحظة الثانية: تهم أساسا القوانين التنظيمية المشار إليها أعلاه، والتي تحال وجوبا على نظر المحكمة الدستورية للنظر في مدى مطابقتها للدستور قبل نشرها بالجريدة الرسمية، طبقا لمنطوق الفصل 132 من دستور 2011. وإن كان يبدو من الناحية الدستورية أنه في حالة وضع شرط الشهادة، قد يكون المشرع  -البرلمان- وضع قيودا مستحدثة على أهلية الترشح للانتخابات التي حددها الفصل 30 من دستور 2011، في شرطي أساسين بعد أن نص على أنه لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية.

لكن، بالرغم من إضافة شروط جديدة لأهلية الترشح بناء على معيار أو مبدأ الكفاءة داخل القوانين التنظيمية، فإن هذا الشرط ليس فيه ما يمس بجوهر وروح هذا الفصل لأن القاعدة الأساسية والجوهرية فيه، بالإضافة إلى شرطي الترشح للانتخابات هي ضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية. وبالتالي، فاشتراط معيار الكفاءة بالحصول على شهادة جامعية، ليس فيه ما يخالف هذه القاعدة الدستورية الجوهرية التي هي تكريس تكافؤ الفرص بين الجنسين، مادام أن هذا الشرط الجديد سيسري على الجنسين ممن يتوفرون على المؤهل بالنسبة لعضوية مجلس النواب.

وحتى في حالة الخوف من أن تطرح مسألة عدم دستورية إدراج شرط الكفاءة داخل القوانين التنظيمية، هل تملك جميع الأحزاب السياسية الشجاعة والجرأة على تبني ميثاق أخلاقي والتزام أدبي فيما بينها من أجل العمل بشرط الكفاءة أثناء منح التزكيات الانتخابية لمرشحيها في جميع الدوائر الانتخابية برسم استحقاقات 2026؟، سيما وأن الإحصائيات الرسمية التي سبق الكشف عنها في شتنبر 2021، أكدت أن 132 برلمانيا من الذين أفرزتهم هذه الانتخابات التشريعية، لا يتوفرون على شهادة البكالوريا، في حين يتوفر حوالي 109 نائبا على تعليم ثانوي فقط، بينما المستوى التعليمي لـ 21 برلمانيا لا يتجاوز الابتدائي، أم أن أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي، سينزلون بثقلهم السياسي لمعارضة ومناهضة كل مبادرة حزبية تحاصر رغباتهم في الاستمرار بعضوية مؤسسة البرلمان، الذي تفترض مهامه التشريعية والرقابية والدبلوماسية التوفر على مستوى تعليمي جامعي وخبرة عالية.

في الختام، لا بد من القول إن كل محاولات التسويغ التي قد تقوم بها بعض الأحزاب السياسية من أجل تبرير ممارستها التقليدية والتي مفادها بأن التنصيص على شرط الكفاءة والمؤهل الجامعي من شأنه أن يخلق برلمان “نخبوي منغلق”، ويشكل خروجا عن المبادئ والأسس الدستورية التي أرست مبدأ المساواة في الحقوق السياسية، واعتبار اشتراط الكفاءة أو المؤهل الجامعي بمثابة اجراء يشرعن للتمييز ويقنن الإقصاء، وفيه ضرب للمبادئ الديمقراطية التي تستوجب عدم التمييز بين المرشحين، يبقى تبريرا فاقدا للمبررات الموضوعية لأن المصلحة العامة والتمثيلية الديمقراطية لا تتعارض مع عنصر الكفاءة والاستحقاق، بل في حاجة إليها إن لم نقل أنهما شرطا لنجاعتها، لأنه من غير المعقول في ظل التحديات المطروحة والرهانات المستقبلية للبلاد، أن تستمر أطر حزبية لا تتوفر على الحد الأدنى من المؤهلات في تدبير الشأن العام الوطني والترابي، سيما في ظل سطوة الرقميات وعصر الذكاء الاصطناعي.

أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News