“حراك فجيج”.. مطالب بتعديل قانون الماء لحفظ الخصوصيات التاريخية والثقافية

دعا المعهد المغربي لتحليل السياسات، في ورقة حديثة، إلى ضرورة مراجعة وتعديل المغرب قانون 15-36 بما يتوافق مع الخصوصيات التاريخية والثقافية لمناطق مثل فكيك، مفيدا أن التعديلات ينبغي أن تحمي هذه الممارسات المجتمعية التقليدية، مثل الحقوق المائية التاريخية، وتعمل على دمجها ضمن أطر حكامة حديثة ومستدامة، مبرزة أن هذه الخطوة ستضمن مواءمة الحكامة البيئية المحلية مع الاحتياجات الواقعية والبيئية للمجتمعات الهشة.
وتطرقت الورقة، التي اطلعت عليها جريدة “مدار21″، والتي حملت عنوان: “الترافع البيئي في المغرب: التحديات، الاستراتيجيات، والعوائق المؤسساتية”، بإسهاب لموضوع الترافع البيئي في فكيك من خلال حركة المياه، مفيدة أنها انبثقت “كرد فعل على دخول قانون 36.15 المتعلق بتدبير الموارد المائية حيز التنفيذ في المغرب سنة 2021، وهو قانون ينظم استعمال المياه ويشجع الشراكات بين القطاعين العام والخاص”.
واعتبرت الدراسة أن هذا التوجه يعد “متناقضا مع الخصوصية التاريخية للحقوق المائية في المنطقة، وهي حقوق اعترفت بها الجريدة الرسمية منذ عام 1975، حيث ينظر إلى الماء في فكيك بوصفه ملكية خاصة تعود لعائلات محددة”، مشددة على أن النشطاء يرون أن “تطبيق هذا القانون لا يشكل تهديدا للنظام البيئي الواحي الهش فحسب، بل يقوض أيضًا الممارسات الاجتماعية والثقافية المتجذرة في تقاليد إدارة المياه المحلية”.
واستحضرت الدراسة الاحتجاجات الأسبوعية، التي قادتها النساء، في المقام الأول، للمطالبة “باستثناء فكيك من سياسات الخوصصة، مما يسلّط الضوء على الدور الجوهري للمرأة في إدارة المياه وعلى صلتها العميقة بهذه الموارد من خلال مسؤولياتها اليومية وممارساتها الجماعية”.
وأوردت أن الحركة حظيت “بدعم من أحزاب سياسية، ونقابات، ومنظمات غير حكومية مما أسفر عن نشوء ائتلاف واسع لمناهضة مبدأ تسليع المياه”، لافتة إلى أن “الناشطين عبروا عن استيائهم من القانون، معتبرين أنه تغافل عن الخصوصية التاريخية لفكيك، ولم يشمل حوارًا تشاركيا مع المجتمعات المحلية في صياغته”.
واعتبرت أن حركة المياه في فكيك “لا تمثل مجرد مطالبة بسيادة الموارد، بل تشكل أيضًا دعوة شاملة لصون الإرث الثقافي وضمان إدارة مستدامة للمياه. ويعكس هذا الحراك قدرة المبادرات المحلية على مقاومة السياسات المنهجية التي تتعارض مع الحقوق والعادات المتجذرة في المجتمع”.
وأوضحت الورقة أن التصدي للتحديات التي وردت في هذا التقرير يتطلب “اتخاذ إجراءات منسقة على مختلف المستويات بدءًا من الحكامة الوطنية والمحلية، مرورا بمنظمات المجتمع المدني، وصولا إلى الشراكات الدولية، وبعد اتباع نهج شامل ومتعدد الجوانب، يركز على الإصلاح القانوني، وبناء القدرات والحكامة اللامركزية، والقيادة الشاملة أمرا ضروريا لضمان فعالية واستدامة الترافع البيئي في المغرب”.
ولسد الفجوة بين السياسات المركزية والاحتياجات البيئية المحلية، يتعين على الحكومة “تنفيذ مشاريع تجريبية في إطار الحكامة اللامركزية، خاصة في مجال إدارة الموارد ويمكن أن تصبح مناطق مثل طاطا وفكيك ميدانا للاختبار، حيث تدمج نماذج مبتكرة لإدارة المياه تعتمد على المشاركة المحلية والمعرفة البيئية التقليدية، ويلزم الاستفادة من التجارب السابقة في المغرب، مثل استراتيجية الجهوية المتقدمة، ومخطط المغرب الأخضر والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أثبتت فاعلية نهج صنع القرارات على المستوى المحلي”، وفق توصيات الورقة.
وشددت على أنه ينبغي على منظمات المجتمع المدني “إعطاء الأولوية لبناء قدراتها بهدف تعزيز كفاءتها التشغيلية وفاعليتها في الترافع، وتشمل البرامج المقترحة تدريب الأفراد على جمع البيانات وتحليلها واستخدامها في السياسات المعتمدة على الأدلة، بما يمكن هذه المنظمات من التفاعل بفاعلية أكبر مع النظام المؤسسي”.
ولفتت إلى أنه ينبغي على منظمات المجتمع المدني “توسيع شراكاتها مع الجامعات ومؤسسات البحث والشبكات العالمية لضمان الوصول إلى التدريب المتخصص والمعرفة التقنية”، مفيدة أنه “لتعظيم الأثر، يجب إضفاء طابع مؤسسي على هذه الجهود عبر آليات تمويل مستدامة ومنصات لتبادل المعرفة وبرامج للمواكبة والإرشاد، بما يعزز من تطوير قطاع مجتمعي مهني ومستدام”.
وأوصت الدراسة بـ”التركيز على تعزيز المبادرات المشتركة العابرة للحدود لتعزيز التعاون الإقليمي في إدارة النظم البيئية المترابطة والاستفادة من التعاون العلمي ونماذج الإدارة الميدانية للموارد”، مفيدة أن مناطق المغرب الحدودية مثل فكيك وزاكورة وطاطا، تشترك في “خصائص بيئية مماثلة لتلك التي تتميز بها البلدان المجاورة، ولاسيما الجزائر وموريتانيا، مما يجعل الشراكات العابرة للحدود عنصرًا محوريا لمواجهة التحديات البيئية المشتركة، كالتصحر وندرة المياه وتدهور الأراضي”.
ودعا المعهد المغربي لتحليل السياسات الحكومة المغربية إلى “تعزيز إشراك فاعلي المجتمع المدني بصورة فعالة في وضع وتنفيذ ومتابعة السياسات البيئية، مستندة إلى التجارب الناجحة للمقاربات التشاركية في قطاعات أخرى”، مبرزا أن “اعتماد هذه التوصيات يمكن المغرب من بناء منظومة حكامة بيئية أكثر صلابة وتكاملا وفعالية، تسهم في حماية تنوعه الطبيعي الغني وتراثه الثقافي الأصيل، وتجعله رائنا على الصعيد الإقليمي في مجالات الاستدامة والتكيف المناخي”.