برنامج انتخابي عنوانه مُحاربة أخنوش

تنَاوبَ على الفضَاء السياسي المغربي على مدار 60 سنة الماضية، ثلاث سرديات سياسية أساسية، كانت المُحرك الفكري والإيدولوجي لتيارات سياسية كُبرى في البلاد.
السرديةُ الأولى تَبنَت الطرح الوَطني القومِي المُحافظ الهادِف الى التحَرُر وبناء الدولة الوطنية، والشكل السياسي لهذا التوجُه هو حزب الاستقلال، الذي هيمَن على الحياة السياسية المغربية خلال العشرين سنة الأولى بعد الاستقلال.
ثم جاءَ الدورُ بعد صعود الاتحاد السوفياتي لصالح سيادة الطرح اليساري، الذي تشَابَكت فيه الافكار الاشتراكية مع النزعة الماركسية. والتعبير السياسي لهذا المُناخ هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي هيمَن على المشهد السياسي المغرب لفترة الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي.
مع إنهيار جدار برلين، كان العالم بأسره ينظرُ بنوع من الترقب والحذَر الى الصعود المضطرد للتيارات الإسلامية بكل تنوعاتها وتفرعاتها، خصوصاً الإسلام السياسي، وجاء كتاب صدام الحضارات “لصامويل هنتنجتون” ليرصد النفوذ المتزايد للإسلامين في الشارع، ويقول بحتمية صدام الحضارة الغربية مع الحضارة الإسلامية والكونفشيوسية.
لكن الذي جنَى ثِمار هذا الَمد الهادر، على شكل حَظوة انتخابية وشعبية هو التيار الإسلامي في شكل حزب العدالة والتنمية الذي رفع شعار الإصلاح في ظل الاستقرار ومحاربة الفساد والاستبداد، على أنقاض شعار الإسلام هو الحل الذي تبينّ عدم واقعيته في السياق المشرقي.
بعد عشر سنوات من الحكم استنفذ فيه الحزب كل رصيده الشعبي، بعد أن منَحُه المغاربة الوقت الكافي لكي يُترجم الاماني السياسية الى وقائع تنموية ملمُوسة.
ثم جاءَ الرد في انتخابات 2021، وتذَيل الحزب المشهد السياسي المغربي في منظر درامَاتيكي لم يسبق له مثيل في الحياة السياسية المغربية، والتحق الحزب، ديموقراطياً بقائمة الانهيار الكبير لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية.
في الجهة المُقابلة صعَد نجم فاعل جديد هو حزب التجمع الوطني للأحرار الذي اختار قيادة جديدة في شخص عزيز اخنوش، وتبنَى روح تنظيمية جديدة اعتمدت على الانفتاح والتواصل ومنح هامش أوسع لعنصر التشبيب والتنظيمات الموازية.
وأطلقَ دورة أيدولُوجية جديدة انتهت الى تبني أطروحة الديموقراطية الاجتماعية المَبنية على تحسِين القطاعات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بالمقابل تحسين الاقتصاد ومناخ الاعمال، كل هذا دون تضخم في الخطابات والامعان في لغة الشعارات الشعوبة الرنانة.
طبعاً ليست كل الحكايات في السياسة وردِية.
بل أغلبيُها كَيدية وتأمُرية، وهذا ما وقع بالضبط لحكومة اخنوش مند الأسبوع الأول لتشكيلها، حيث انطلقت حملة فايسبوكية قوية على الحكُومة وعلى رئيسها، مطالبةً بإقالة الحكومة حتى قبل أن تُباشر مهامها.
ثم مع اكتمال سنة ونصف، انطلقت حملة جديدة مع تأزُم الوضع الدولي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتعَقُد وضعية الجفاف وارتفاع الأسعار بسبب التضخُم المستورد وانفجار أسعار المحروقات في السوق العالمية.
وظنَّ القومُ أن هذا هو المُناخ المِثالي للمطالبة بانتخابات سابقة لأوانها لإسقاط الحكومة من طرف الملك، وهو المطلب الذي يبدو سُوريالياً في السياق السياسي المغربي، المُتسم بالتوازن والاستمرارية، والمفارقة أن الدعوة صادرة من حزب لازال لم يُفسر لنفسه، ولأعضائه، ولا لعموم الشعب المغربي سبب هذا الانهيار السياسي الكبير.
بيدَ أنه مع اقتراب منتصف الولاية خرَج الحزب الأول في المعارضة، بالدعوة لأسقاط الحكومة عبر ملتمس للرقابة، حينئذ تمَّ تفسير هذه الحركية، التي لم تلقى قبول كل مكونات المعارضة، بأنها الية للضغط على رئيس الحكومة لإقرار تعديل حكومي واسع لإدخال أحزاب أخرى من خارج أحزاب التحالف الثلاثي.
بعد فشَل ملتمس الرقابة، طفَى على السطح فجأة خطاب جديد، هذه المرَّة من داخل بيت التحالف، رافعهاً شعار حكومة المونديال ومن هو الاجدر بقيادتها.
فمتى كانت المحطات والاحداث الرياضية برامج انتخابية؟
وسبب لكي يتحمَّل حزبٌ مُعين مسؤولية تدبير الشأن العام، خُصوصاً وأن تنظيم المونديال هو ملف سيادي ترأسه لجنة دائمة ملتزمة مع الفيفا، وتشتغل على أساس دفتر تحملات دقيق وفي محاور أساسية حدّدها بلاغ الديوان الملكي عند تنصيب رئيس اللجنة المكلفة بالمونديال.
فما الذي يمكن أن نفهم من هذه الضوضاء السياسية غير المنتجة؟
بِبساطة، ليس هناك طرح سياسي ولا عرض سياسي يُوازي ما طرحه التجمع الوطني للأحرار، وما عملت الحكومة على تحقيقه عملياً في ظرف ثلاث سنوات من عمرها.
فالحكُومة أسست مُبادرتها الإصلاحية على أساس رؤية ناظمة وهي الدولة الاجتماعية المتكاملة مع دعم الانتعاش الاقتصادي والحركية المُنتجة للرأسمال الوطني ، وهذا يعني تَنضيد جديد لاختيارات التدبيرية ، فمن جهة هناك حاجة لإجابة الفورية على عجز أداء القطاعات الاجتماعية والحماية الصحية، عبر تعميم الحماية الاجتماعية على 24 مليون مغربي، وإقرار دعم اجتماعي دائم لفائدة 4 مليون اسرة، بالمقابل رفَع ميزانية القطاعات الاجتماعية بشكل غير مسبوق (التعليم 73 مليار درهم / الصحة 32 مليار درهم / الحماية الاجتماعية 40 مليار درهم/ التشغيل 13 مليار درهم).
ومن جهة أخرى دعم الاقتصاد الوطني باستثمار عمومي يفُوق 340 مليار درهم، والذي تستفيد منه المقاولات المغربية وِفق مبدَأ الأفضلية الوطنية، وبالتالي خلق أكثر لفرص الشغل.
على أرض الواقع تم تحقيق رقم عائدات تاريخية للقطاع السياحي فاقت 120 مليار درهم بجلب 17.5 مليون سائح، وتجاوزت أرقام صادرات القطاع الصناعي، لأول مرة في تاريخ المملكة 800 مليار درهم.
المثيرُ أن الحكومة رفَعت قدرة الدولة على إنتاج الثورة، حيث إن الناتج الوطني الخام كان سنة 2021 لا يتجاوز 1275 مليار درهم، واليوم الرقم تتجاوز 1430 مليار درهم.
فهل هناك دليل أكثر من هذا للنجاح الاقتصادي للحكومة، في ظل ثلاث سنوات من الجفاف الُمزمن، وما يعني ذلك من فقدان القيمة المضافة الفلاحية.
فهل كل هذه المنجزات مجرد صُدفة تحققت في غياب فعالية الحكومة؟
لكن يبدو أن هذه الوقائع التي تُعززها الأرقام حشَرت الفعاليات السياسية في أزمة، خُصوصاً مع اقتراب الموعد الانتخابي.
فما هو الطرح الذي سوف تقدمه للناخب المغربي حتى تكسب ثقتُه في صناديق الاقتراع. في ظل حالة تصحُّر حاد في الأفكار والمبادرات، وفي سياق فَقر سياسي مُدقع، لجأ فيه الجميع الى جعل رئيس الحكومة هو مِحور الاستهداف ودِروة سنام جهاد المعارضة.
فلا نسمَع مقارعة الحجة بالحجة، ولا تقييم نقدي واضح للسياسات العمومية، ولا طرح للبدائل وفق مُؤشرات عِلمية دقيقة كما هو معرُوف في التدافع الديموقراطي الحي.
الكلُ يحاول بناء شَرعية سياسية جديدة عبر شيطَنة رئيس الحكومة، واللعب على وثَر حساس هو أسطورة زواج المال بالسلطة، كما لو أن رئيس الحكومة لم يدخُل مجال المال والاعمال الا وهو في موقع المدبر العمومي بل العكس هو الحاصل.
وإحقاقاً للحق، الحكومة تتحمل جزءً من المسؤولية في عدم القوة في الدفاع على مُنجزاتها بالقوة والفعالية الطلوبة، وتركت الرأي العام المُتضرر من تداعيات التضخم المستورد، فريسة لكثافة هذا الخطاب، وبالتالي تشكلت انطباعات مغلوطة عن الحقيقة.
ومن مفارقات الزمن السياسي أن رئيس الحكومة السابق في أخر ظهور له أقر أن للحكومة مُنجزات قوية، فقط يجب ان تتكلم معنا.
بيانُ القول في كل ما سلف، أن الطبقة السياسة في تحظيرها للانتخابات المقبلة عالقة في أزمة مُركبة، وتحتاج الى طرح أوضح وأكثر ابتكاراً في عرضها السياسي، الذي يبقى بلا معالم، باستثناء الاستهداف المكتف لرئيس الحكومة.
بالمُقابل الحكومة، وخصوصاً الحزب القائد لهذه التجربة، مطلوب منه إطلاق دورة تواصلية جديدة مع المواطنين لأشراكهم في قراءة الحصيلة الحكومة بشكل جمَاعي، خارج منطق الدفاع المرتبك أو المتردد، بل من منطق التعاقد العمومي الذي يربط العرض السياسي بالأداء الحكومي.
Analyse pertinente en effet. Le gouvernement doit communiquer à propos de ses réalisations, jamais égales auparavant, ne serait ce que pour rétablir la réalité et s’éloigner du discours populiste si cher au PJD. À bon entendeur