العدوان الإسرائيلي على قطر: نقطة تحول في التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط

في تطور شديد الدهشة وغير مسبوق، شنّت إسرائيل عملية عسكرية استهدفت خلالها مقرًّا لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في العاصمة القطرية، الدوحة، بهدف تصفية قيادات بارزة داخل الحركة. وعلى الرغم من أن العملية باءت بالفشل التكتيكي، إذ نجت القيادات المستهدفة، فإنها تشكّل منعطفًا حادًا، ليس فقط من الناحية القانونية، بل كذلك من الناحيتين السياسية والجيوستراتيجية.
من منظور القانون الدولي، تمثل هذه “الضربة” انتهاكًا صارخًا للسيادة القطرية، وتندرج تحت خانة العمل العدواني المعرّف وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 (السؤال التاسع والعشرون). ولم يصدر أي تفويض من مجلس الأمن، ولا ينبع العمل من حق الدفاع الشرعي المباشر.
إضافة إلى ذلك، يتجاوز الأمر المحيط القانوني ليمس أعماق البُعد السياسي والاستراتيجي. إذ نقلت عدة وسائل إعلامية، إسرائيلية وأمريكية، أن العملية تمّت بالتنسيق المسبق — بل وربما بمباركة — الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تتمتّع بعلاقة عسكرية استراتيجية متينة مع قطر، وخصوصًا عبر قاعدة “العديد” أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة. وإن صحّ ذلك ،فهذا يُعد «مفاجأة»، بل مؤشرا قويًا يكشف هشاشة الموقف الأمريكي على الساحة العربية ويفتح الباب أمام الأزمات الديبلوماسية.
إنها ليست عمليّة عسكرية عادية، بل إعادة تشكيل استراتيجي شامل يقوّض الوساطة ويزيح توازن القوى الإقليمي. وهذا العدوان على قطر رسالة مفادها أن الدبلوماسية تراجعت أمام منطق القوة.
الدوحة: وسيط مُحاصر ومحاولة محو النفوذ
كانت قطر تُعدّ وسيطًا محوريًا في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، بفضل قدرتها على الحفاظ على تواصل مع طرفين متنازعين في ظلّ ولائها المزدوج.
لكن هذه العملية تُطرح سؤالاً محوريًا: كيف يمكن لقطر أن تستمر في أداء دور الوسيط إذا كانت هي نفسها هدفًا لاعتداء عسكري؟ قد تُفضي هذه الضربة إلى تعليق مؤقت، وربما دائم، لدور الوساطة الذي كانت تلعبه الدوحة. الأمر الذي يُشكّل ضربة خطيرة للتسوية السياسية الممكنة.
واشنطن–الدوحة: تحالف وسط زعزعة الثقة
بعكس ما قد يُتوقع، فإن الدوحة تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، قاعدة العُديد. ومع ذلك، يبدو أن واشنطن كانت على علم — بل مشاركة — في تنفيذ العملية.
الرّد الأمريكي الرسمي جاء “أسفًا” لما حدث واصفًا العملية بأنها “تطوّر مؤسف”، دون إدانة صريحة لإسرائيل. ولعلّ هذا الصمت يعزز المشاعر القطرية بأن واشنطن باعت ثقتها بتبرير خيار استراتيجي يبدو غير موثوق.
نتنياهو: هروب إلى الأمام تحت ضغط الداخل
اعتبرت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، أن العملية قرارٌ فردي اتّخذته رئاسة الحكومة، في لحظة ضغط داخلي تحت وطأة الرأي العام، والمعارضة، والعائلات التي تطالب بإعادة الأسرى.
يبدو أن نتنياهو راهن على التصعيد ليخفي واقع الجمود في غزة ويُظهر نفسه قويًا، متحصّنًا وراء خطاب الردع. لكن هذا المسار قد يحمل نتائج مضادّة: مزيد من العزلة الإقليمية والدولية، وتراجع في الدعم العربي نحو إسرائيل.
الخليج موحّد خلف قطر
غير مسبوقة هي تلك الوحدة الخليجية الرافضة للعملية. المملكة العربية السعودية، والإمارات، وسلطنة عمان، والكويت، دانوا الضربة، مؤكدين دعمهم لقطر ورفضهم فرض القوة على سيادة عربية. ومن الملحوظ أن المغرب كان من أوائل من أدانوا العدوان خارج دول الخليج.
هذا التكتّل نادر الحدوث يعكس رغبة الخليج في تكريس المصالح المشتركة، وربما إعادة تقييم علاقة السلام مع إسرائيل، التي اعتبرها كثيرون جزءًا من اتفاقات إبراهام، لكنها الآن مهدّدة بفعل تراجع الثقة والمبررات الأخلاقية.
هيمنة جديدة في الشرق الأوسط: قطب ضدّ قطب
ضربة كهذه تعيد تشكيل التحالفات الإقليمية:
• القطب المؤيّد لإسرائيل: يضم دولًا عربية مطبعة، الولايات المتحدة، وقوى غربية أخرى.
• القطب المناوئ: إيران، تركيا، قطر، وحلفاء المقاومة.
الهجوم على دولة من هذا المستوى يُعيد دمج قطر ضمن محور الضغط على إسرائيل، ما يفتح فصلًا جديدًا من تصعيد الصراعات الاستراتيجية.
حماس: انتصار رمزي، ضيق أفق التفاوض
من الناحية الرمزية، فشلت إسرائيل في تصفية قيادات حماس. هذا الفشل أعطى الحركة قوة شرعية إضافية داخل الشارع الفلسطيني، وأظهر أنها قوية أمام اعتداء خارجي.
هذا الاعتداء ربما يُعزّز موقف حماس على طاولة الحوار، لكنّه في الوقت نفسه، يقوّض من فرص التوصل إلى تسويات أو تنازلات مستقبلية.
إلى أين تتجه الأمور؟: مستنقع أم هدوء؟
التداعيات المتوقعة تشمل:
• تعطيل دائم للوساطة السياسية.
• تهديد اتفاقات السلام وتقويضها.
• احتمال تفجّر ردود فعل إيرانية أو من حلفائها، سواء عبر الوكلاء في العراق أو لبنان أو سوريا.
• خطر على حياة الأسرى بسبب اختفاء قنوات التفاوض.
• تجميد تطوّر تسوية سلمية وإعادة ترتيب جدول أولويات الإقليم.
ختاما: سابقة تهدّد ما تبقى من نظام دولي
العملية العدوانية الإسرائيلية على قطر ليست مجرّد عمل عسكري بل استثمار جريء في مبدأ القوة على حساب القواعد الدولية.
إذا توفّرت ضربة كهذه دون محاسبة، فإن ديمقراطية الصمت الدولي تصبح السمة المسيطرة، وحينها القانون الدولي يصبح مجرد ورقة شفافة تُستبدل بسيادة القوة.