هل تُعطِّل “ثورة برادة” وتيرة تنزيل “إصلاحات” المدرسة العمومية؟

في الوقت الذي يقود فيه وزير التربية الوطنية، محمد برادة، ما يشبه “الثورة” على الهياكل الإدارية لوزارته على المستوى الإقليمي والمركزي، ساد تخوف في الأوساط التربوية من تأثر البرامج والمخططات “الإصلاحية” للمدرسة العمومية بعدما اهتزت أركان الوزارة على وقع “زلزال الإعفاءات”.
وتوالت منذ الأسبوع الفارط سلسلة إعفاءات في صفوف المسؤولين الإداريين للوزارة، ابتدأت بإنهاء مهام 16 مديراً إقليميا وانتهت عند إعفاء الكاتب العام للوزارة نفسها، يونس السحيمي، أمس الخميس، على خلفية تقييمات إدارية وتدبيرية، على حد قول الوزارة.
وتكمن صوابية التخوفات من “تعطل” البرامج التي تنزلها الحكومة الحالية في ارتباط أبرزها بالتدبير اللامركزي لها وفي مقدمتها مشروع مدارس الريادة الذي تشرف عليه مركزيا الوزارة، والمديريات الإقليمية، على المستوى الإقليمي.
عبد الناصر الناجي، خبير تربوي، قال إنه “من حيث المبدأ يمكن لوزير التربية الوطنية، بموجب القانون، أن يعفي أي مسؤول تحت سلطته إذا ثبت أي إخلال جسيم بمهامه في إطار تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة”، مؤكداً أن “تقييم الأداء من أجل تطويره يظل مطلوباً خاصة إذا شمل جميع الفاعلين بما في ذلك المسؤولين في مختلف مواقع المسؤولية”.
واستدرك الناجي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه “إذا لم يتم احترام الضوابط والشروط التي ينبغي أن تحتكم إليها هذه العملية ذات الأثر الكبير على تفعيل الإصلاح، فإنها قد تؤدي إلى انعكاسات سلبية على درجة الانخراط في الأوراش المفتوحة وإلى تفشي بعض الممارسات الملتوية يكون هدفها تحقيق الأهداف المسطرة من حيث الكم لكن دون اكتراث بالكيف”.
ولتفادي هذه السلبيات، يشير المهتم بالقضايا التربوية، أنه ينبغي من جهة، الحرص على موضوعية التقييم من خلال استناده إلى معايير مضبوطة تمكن من تحديد المسؤوليات بدقة لا تحتمل الخطأ. ومن جهة أخرى التركيز على التقييم التكويني الذي يروم تصحيح الاختلالات المرصودة بطريقة بيداغوجية مبنية على المواكبة الحثيثة للمعنيين بالأمر من أجل الرفع من قدراتهم التدبيرية، وعدم المرور إلى التقييم الجزائي إلا بعد فشل كل محاولات التقييم التكويني.
وعن توقيت هذه الإعفاءات، سجل المتحدث ذاته أن “تزامنها مع الربع الأخير من السنة الدراسية من المرجح أن يخلف نوعا من الارتباك على مستوى تدبير المشاريع في المديريات الإقليمية المعنية خاصة إذا طالت مرحلة تعيين المديرين الجدد”.
وتابع الناجي أن “سياق هذه الإعفاءات الذي جاء في مرحلة مفصلية من مسار تعميم مؤسسات الريادة، قد يتأثر فيه مستوى انخراط الأطراف المعنية في تفعيله خاصة إذا علمنا بأن المنحة التي يستفيد منها المنخرطون في المشروع لا تسلم سوى مرة واحدة، فإذا أصبحوا أمام شبح محنة الإعفاء أو التوقيف قد يتراجع منسوب الانخراط في الإصلاح”.
واعتبر الناجي أن “إعفاء مسؤولين إقليميين في الوقت الذي يدبر فيه مشروع مؤسسات الريادة مركزيا يطرح بحدة سؤال مدى مسؤولية المسؤولين المركزيين والجهويين في تعثر المشروع على الصعيد الإقليمي”، متسائلاً: “هل تم تمكين المديرين الإقليميين من جميع الإمكانات والوسائل لأداء واجبهم على الوجه الأكمل؟ وهل لهم أي سلطة على الفاعلين الحقيقيين في الميدان وأعني بهم أطر التدريس؟”.
وسجل المتحدث ذاته أنه “إذا أضفنا إلى قائمة الإعفاءات حالة الكاتب العام لربما كان الأمر يعكس نهجا تدبيريا صارما يقضي بإبعاد كل من ثبت عليه أي إخلال بواجباته أو تقصير في مهامه بغض النظر عن موقعه في السلم الإداري”، مستدركاً أن “ما يروج من مصادر متعددة هو أن تدبير مشاريع الوزارة وعلى رأسها مدارس الريادة يتم من قبل بشكل مباشر من طرف ديوان الوزير وهو ما يطرح بقوة سؤال المسؤولية السياسية وليس فقط المسؤولية الإدارية عن الاختلالات التي تم رصدها وبنيت عليها قرارات إنهاء المهام”.