الصوت الغربي الخافت في نزاع الصحراء المغربية

تتعامل الدول الكبرى، ولا سيما الأوروبية منها، مع نزاع الصحراء المغربية بتجاهلٍ، كما في الكثير من القضايا التي لا تشكل وجع دماغ بالنسبة لهم ولا مصلحة لهم فيها. وهذا ليس سرا، بسبب العقلية البراغماتية لساسة هذه الدول، بعيدًا عن سرديات التمويه المبتذلة حول الديمقراطية والحقوق والحريات والقانون الدولي، التي تُستخدم عند الحاجة كأدوات للضغط على الدول الصغرى وإخضاعها.
الجميع يعرف، على سبيل المثال، سبب تحرك الدول الغربية بكل قوتها في قضية أوكرانيا، بينما تبقى غير مكترثة بقضايا إنسانية أكثر إلحاحًا. وبالتالي، فإن هذا الموضوع، الذي يعده المغاربة قضية وجودية بالنسبة لبلدهم، لا يمثل لهؤلاء الساسة حدثًا ذا أهمية ما دام لا يسبب لهم أي إزعاج. بل إن هذه القضية تشكل مصدر ربح لا يستهان به؛ فهي أداة فعالة لفرض الضغط على المغرب والجزائر في أي ملف أو مفاوضات حول اتفاقيات تعاون محتملة، خصوصًا الاقتصادية والأمنية منها. وأفضل مثال على ذلك هو الاتفاق بين الجزائر والاتحاد الأوروبي. فالنظام الجزائري مستعد للتنازل عن أي شيء مقابل أي “مكسب”، مهما قلت أهميته في قضية الصحراء. والأمر الأكثر أهمية هو أن هذين البلدين أصبحا سوقين كبيرين للأسلحة.
وقد أدرك السياسيون المغاربة هذا المنطق التجاري للدول الكبرى، فوقعوا اتفاقات مؤلمة وفي غير أوانها (بسبب المآسي التي نعرفها جميعًا؛ ومن هنا يجب أن ندرك أن صانع القرار في بلد ما يجد نفسه أحيانا مرغما على اتخاذ قرارات مؤلمة لا تتفق مع قناعات من يحلم بعالم مثالي عادل).
هذه الاتفاقات مهّدت للمغرب اعترافات متتالية بجدية مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، ومكّنته من الحصول على التكنولوجيا والإشعاع الدولي (دون الدخول في الحيثيات والتفاصيل)، واستعمال أساليب مبتكرة للضغط أربكت بعض الدول الكبرى القريبة من الملف، بما في ذلك فرنسا التي أُجبرت على التراجع والاعتراف بالخطأ. والأمر نفسه تكرر مع إسبانيا، المهووسة بقضية الهجرة والثغرين المحتلين.
واستغل المغرب أيضا ريادته في القارة الإفريقية، التي تعززت مؤخرًا حتى في مناطق نفوذ الجزائر التقليدية، مثل الساحل وبعض البلدان الناطقة بالإنجليزية. كما اعتمد على جاليته المسلمة واليهودية المؤثرة في الدول الكبرى. في المجمل، المغرب قرأ الوضع الجيوسياسي في منطقته والعالم بشكل جيد، وتأقلم معه بسرعة، وأصبح قادرًا على الحصول على ما يريد من العديد من هذه الدول.
وتظل لدى المغرب وسيلة أخرى للضغط على أوروبا، وهي تذكيرها بما تعرفه مسبقًا، وهو أن المغرب بدون صحرائه يعني دولة ضعيفة ومضطربة، تحدها جنوبا دولة فاشلة تحت وصاية نظام عسكري مارق لا يمكن الوثوق به. ويعني أيضا قارة خالية من إحدى قياداتها الحكيمة الهامة. فهل الغرب مستعد لقبول هذا الوضع الكارثي في المنطقة؟ ماذا سيحدث في مجال الهجرة، الإرهاب، الاتجار بالبشر والمخدرات؟ هل أوروبا مستعدة للغرق في هذا المستنقع؟ بالطبع لا.
إن الغرب، وهو يواجه تهديدات متعددة مثل الهجرة غير الشرعية، الإرهاب، الاتجار بالبشر، والمخدرات، يعلم تمامًا أن الحفاظ على استقرار المغرب أمر ضروري لضمان استقرار المنطقة بشكل عام. فإذا قرر المغرب يومًا ما التنازل عن الصحراء (ولن يفعل)، فإن هذه الدول ستكون أول من يسعى للضغط على المغرب للعدول عن قراره، بل واعتبار هذا التنازل بمثابة تهديد حقيقي للأمن الأوروبي والدولي.