“دوري توفير الإنتاج”.. هل تَهَّرب البواري من مسؤولية غلاء اللحوم؟

أثار تهرب وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، من مناقشة أزمة غلاء اللحوم، بنوعيها الحمراء والبيضاء، مع نواب الأمة استغراب فعاليات مدنية مهتمة بحماية المستهلكين، معتبرين أن “تصريح الوزير محاولة لتخطي النقاش الدائر خلال الأيام الأخيرة بين المواطنين حول ارتفاع أسعار اللحوم رغم لجوء الحكومة إلى خيار الاستيراد”.
وفي تعقيبه على تدخلات النواب البرلمانيين بجلسة الأسئلة الشفوية، أمس الإثنين، قال البواري: “لا أرغب في الدخول في ما له علاقة بارتفاع الأسعار”، مشيرا إلى أنه “يمكن أن نجد ثمنا في الصباح لإحدى هذه المنتوجات ليصبح ثمنا مغايرا مساءً في نفس السوق وخلال نفس اليوم”.
وأضاف المسؤول الوزاري أن “دوري كوزير هو توفير الإنتاج للمواطن المغربي بوفرة في الأسواق الوطنية”، مشيرا إلى أن “الوزارة بادرت إلى القيام بإحصاء للغنم والماعز لمعرفة وضعية الماشية في كل جهة”.
مبررات “مرفوضة”
عبد الكريم الشافعي، رئيس الجمعية المغربية لتوجيه وحماية المستهلك، اعتبر “مبررات وزير الفلاحة مرفوضة وغير مقبولة بحكم أن الوزارة التي يشرف على إدارتها هي التي أتت بمخطط المغرب الأخضر والآن مخطط الجيل الأخضر”، مبرزا أن “هذه السياسات العمومية لوحدها كافية لإثارة مسؤولية الوزير في ما يتعلق بالغلاء الذي تعرفه أسعار المواد الفلاحية اليوم في الأسواق الوطنية”.
وأوضح الشافعي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه “لا يقبل من الوزير أن يتهرب من مسؤوليته في الوقت الذي يفتح فيه الباب للتسهيلات والتحفيزات لصالح الفلاحين والكسابة من أجل خفض وضبط الأسعار في السوق الوطنية”.
وأمام محاولة البواري حصر مسؤوليته في توفير الإنتاج بوفرة دون الاكتراث إلى أسعاره، سجَّل الفاعل المدني أن “الدقيق والسكر مثلا هي مواد مدعمة ومتوفرة في الأسواق الوطنية بأسعار مُحددة وقارة”، متسائلا “لماذا لم تتغير أسعار هذه المواد في الوقت الذي تقفز فيه أثمنة المواد الغدائية واللحوم إلى مستويات قياسية على الرغم من دعمها؟”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “الحكومة حينما تدعم منتوج معين فلا بد أن تراقب أسعار بيعه في الأسواق وليس التهرب والتملص من مسؤوليتها بمبرر توفير الإنتاج بوفرة”، لافتا إلى أنه “لا مبرر اليوم لغلاء أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء بعد إقرار الدعم المخصص لها بالملايير وإعفاء مدخلات إنتاجها من الضريبة”.
وبالمعيار القانوني، أشار الشافعي إلى أن “قانون حرية الأسعار والمنافسة يمنح للحكومة، ممثلة في هذه الحالة في وزارة الفلاحة، بعد استشارة مجلس المنافسة، صلاحية التدخل بتدابير مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش للأسعار تعلله ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين خلال مدة 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة”، مبرزا أن “هذه المادة تسقط الصحة والموضوعية عن مبرر الوزير”.
“مسؤولية مشتركة”
من جهته، اعتبر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن “وزير الفلاحة هو المسؤول الوحيد الأكثر دراية بتركيبة أسعار المواد الفلاحية في السوق الوطنية بحكم موقعه ومسؤولياته الوزارية وبحكم علمه بحجم الدعم الموجه للفلاحين ومستوى تأثيره على الأسعار في السوق الوطنية”.
وأورد الخراطي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “مراقبة العلاقة بين الفلاحة وبين المستهلكين هي في الأصل مسؤولية وزارة الفلاحة”، مستدركا أن “وزارات ومؤسسات أخرى تتدخل في هذه العملية وعلى رأسها وزارة التجارة ومؤسسات دستورية يتقدمها مجلس المنافسة”.
وحتى إن استفاد الفلاحون من الدعم الخاص بمدخلات الإنتاج أو استفادة المستثمرين من الدعم الموجه لاستيراد اللحوم الحمراء، سجل الخراطي أن “مسؤولية وزارة الفلاحة تتوقف عند مراقبة جودة وصحة هذه المنتوجات عن طريق المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية”.
وأوضح الفاعل المدني ذاته أن “تشتت المؤسسات الرسمية المكلفة بالمراقبة في غياب مؤسسة بصلاحية واسعة وقوية في اتخاذ القرارات ومراقبة تأثير هذه الإجراءات على مستوى الأسعار في السوق الوطنية من بين أبرز أسباب استمرار هذه الأزمة”، مشددا على أنه “حان الوقت لتأسيس مؤسسة خاصة بالاستهلاك والمستهلك”.
واعتبر المتحدث ذاته أنه “بالنسبة لنا فإن أي منتوج مدعم لابد من أن تحدد الدولة سعر بيعه”، مشيرا إلى أن “الإعفاءات الضريبية وإقرار دعم للفلاحين يجبر مكونات الحكومة المتدخلة في مراقبة الأسعار على ضمان خفض الأثمنة حتى لا نوفر ريعا لهؤلاء الفلاحين والمستثمرين”.