الأضعف في تاريخ نبيل عيوش.. “الكل يحب تودا” في ميزان النقد

لم ترقَ معالجة نبيل عيوش لجزء من التراث الشعبي المغربي، من خلال تناول قصة “شيخة” تغني العيطة، في أحدث أفلامه “الكل يحب تودا” الذي وصل إلى القاعات السينمائية بعد عرضه الأول في المغرب في المهرجان الدولي للفليم بمراكش.
وهاجم العديد من النقاد طبيعة تناول عيوش لفن العيطة بسطحية، في غياب لتسليط حقيقي يعكس قوة هذه الموسيقى الشعبية بشكل يفتقر للبناء الدرامي.
الناقد السينمائي فؤاد زويرق صنف فيلم “الكل يحب تودا” من أضعف أفلام نبيل عيوش في كل عناصره، لكونه يفتقر للحبكة والبناء الدراميين، وفي موسيقاه وصورته، ويدخل المشاهد في ملل.
ويرى الناقد ذاته في رأي شاركه حول الفليم أنه لا يمكن تصنيف هذا الفيلم كونه غنائيا أو موسيقيا ولا ينتمي إلى الأفلام التاريخية والدرامية والتجريبية، واصفا محاولته الاستثمار فيه من التراث والفن الشعبي، وتوظيف ثنائية الشيخة الشريفة والعيطة بـ”المفلس، بأحداث غير متناسقة، وأغان وموسيقى هجينة، ترافقها أصوات بشعة، لا علاقة لها بهذا الفن العريق”.
وقال إنه “كان من الممكن أن يخلق نبيل عيوش بإمكاناته المادية وحتى الفنية والتقنية، فيلما يغازل فن العيطة بشكل احترافي وفني أرقى وأجمل من هذا الهراء، ليكون بذلك وثيقة سينمائية متكاملة، لكنه اختار للأسف السبيل الأسهل والأفشل، لينضاف فيلمه هذا إلى باقي إخفاقاته الأخيرة”.
بدوره، الناقد السينمائي محمد بدرنة انتقد ما قدمه المخرج نبيل عيوش في فيلم “الكل يحب تودا”، باعتباره فشل في تكريم الشيخة والاحتفاء بفن الشيخات والعيطة، التي تعتبر رمزا للمقاومة سواء ضد الاستعمار أو ضد القياد أو ضد القهر المجتمعي.
وأضاف أن الفيلم لم ينجح في الدفاع عن الشيخة ولا عيطة، من خلال سيناريو غير محبوك وغير عميق ولا متعاطف، مشيرا إلى أن دفاع المخرج عن الشيخة لم ينصفها بل كرس كثيرا من الأحكام الجاهزة “من تحقير وقدح وتبخيس والكثير من سوء الفهم، والتي بصمت اسم الشيخة خلال عقود من الزمن”.
وكان الممثل محمد الشوبي، الذي حضر عرض الفليم في مهرجان مراكش، انتقد نبيل عيوش وزوجته عادا أنهما يجهلان خيوط الثقافة المغربية الأصيلة خصوصا العيطة، مما جعل تركيبهما للسيناريو “مهلهلا”.
وسجل الشوبي أن الممثلة نسرين الراضي افتقدت في هذا الفليم الاتقان في أداء الإيقاع، إذ بحسبه رغم نجاحها في مشاهد تمثيلية، لم تنجح في مقاربتها لشخصية الشيخة، لعدم انخراط السيناريست في حبكة جيوب الأداء، مما أضاع على نسرين التمكن من الانتصار للشيخة والعبور بها إيقاعا نحو المتلقي.
واختار المخرج والمنتج نبيل عيوش في أحدث أفلامه “الكل يحب تودا” الذي عرض بشكل حصري في المغرب بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، خارج المسابقة الرسمية، قبل الوصول إلى القاعات السينمائية التطرق إلى حياة “الشيخة” المغربية وارتباطها بفن العيطة من خلال رصد معناتها اليومية التي تتأرجح بين “الكباريه” في الليل وما يليه من تحرش والبحث عن مستقبل ابنها الأبكم في النهار.
ويتناول فيلم “تودا” قصة فتاة تحلم بأن تصبح “شيخة”، إذ تستغل كل الفرص التي تأتي أمامها، دون أن تتخلى عن مبادئها الرافضة للخضوع لأطماع العديد من الرجال الذين تصادفهم خلال رحلة بحثها عن نيل ما تطمح إليه.
تودا ستقود المشاهد لـ103 دقائق في رحلة انتقال من قريتها إلى مدينة الدار البيضاء للبحث عن فرصة لغناء العيطة، ومساعدة ابنها على الدراسة في مدرسة للبكم والصم.
ينطلق فيلم “تودا” بمشهد جلسة من النساء “الشيخات” اللواتي يغنين فن العيطة في جبل وسط رجال يحتسون الخمر، الذين يزداد حماسهم مع تعالي أصوات هؤلاء النسوة اللائي تتمايلن برقصات شعبية.
في مشهد موال مؤثر، تظهر تودا تركض نحو غابة بسبب حدوث فوضى في ذلك التجمع، غير أنها لم تستطع الإفلات من مجموعة من ذئاب يصطادون جسدها ليتم اغتصابها بشكل جماعي.
وترصد عدسة الكاميرا تودا بعد عودتها محطمة في سريرها بجانب ابنها الذي يبلغ من العمر 9 سنوات (ياسين)، دون إشارة إلى ماضيها.
وتقضي تودا الكثير من الوقت في الملاهي الشعبية التي تُغني فيها، بعدما عملت في الأعراس والمواسم، إذ تحاول إغراء الزبناء لاقتناء المزيد من المشروبات الكحولية، دون أن تسمح بتجاوز الحدود.
تودا رغم أنها تقضي الكثير من الوقت في الملاهي الشعبية، وتعاطيها الخمر، فهي ترفض التحرش وممارسة الدعارة رغم العروض التي قد تبدو مغرية لواحدة تنحدر من منطقة قروية وتعيش الفقر المذقع.
ولتحقيق حلم “الشهرة” واحتراف أداء فن العيطة في الملاهي الليلية، ستختار تودا السفر نحو الدار البيضاء، لتنطلق مغامرتها في مدينة مليئة بالضجيج والاكتظاظ.
وفي مشهد آخر، يوضح نبيل عيوش أن والدي تودا اللذين يعيشان في منطقة نائية، لا يمانعا احتراف ابنتهما مهنة “الشيخة”، إذ يدعمانها من أجل تحقيق حلمها، باحتضان ابنها إلى حين استقرارها وتأمين فضاء يأويهما.
وفي نهاية الفيلم ستتخلى تودا عن حلم الغناء وتحقيق حلمها رغم الإغراءات واقترابها من الوصول إلى هدفها هربا من التحرش.
ويحمل الفيلم الكثير من الرسائل، ضمنها رعاية تودا لابنها، وعدم تنازلها عن مبادئها لامتهان الدعارة، في الوقت الذي تعمل فيه ليلا في أماكن مليئة بالممارسات اللاأخلاقية.
ولم يختر عيوش في هذا الفيلم الاتكاء على المشاهد الجريئة التي اعتاد عليها المشاهد في أفلامه، رغم توظيفه للكلام النابي.