مجلس حقوق الإنسان.. الخلوة المغربية

استقبل المغرب حدثاً حقوقياً أممياً يومي 21-22 نونبر سيظل راسخاً في مساره الأممي والدبلوماسي، متعلق باحتضان الرباط خلوة مجلس حقوق الإنسان التي لا تعني غير اعتراف هذه المؤسسة الأممية بالتطور النوعي للمغرب على المستوى الحقوقي، ممارسةً داخلية وبما يشير إلى كون المغرب في علاقة نظامية حقوقياً مع لوائح مجلس حقوق الإنسان خاصة انخراطه في تنفيذ التزاماته الدولية المرتبطة بالآليات الحقوقية الأممية.
وإذا كان مجلس حقوق الإنسان بدوله لا يمكن أن تقدم على هذه الخطوة على سبيل المجاملة، فإن المغرب أثبت أنه ملتزم بالخطاب الذي روج له قبل انتخاب السفير المغربي على رأسه، والذي اعتبر بمثابة التزام مغربي رسمي في المساهمة في إصلاح هذه المؤسسة الأممية باعتبارها واحدة من الالتزامات المغربية على صعيد رئاسته للمجلس، لذلك فالخطوة الحالية هي استمرار لهذا الاعتراف الأممي بالمغرب وبالخطوات التي قام بها وبقدرته على ترجمة خطابه الإصلاحي الموجه للمجلس على أرض الواقع، مما عزز وسيعزز من مصداقيته داخل أروقة الأمم المتحدة وسيفتح له الباب لتولي مناصب قيادية أخرى داخل الأمم المتحدة.
ويمكن القول إن احتضان المغرب لهذه الخلوة هو تعبير عن أن:
- المغرب طريقه سالكة اليوم لتولي مقعد دائم داخل مجلس الأمن تزامناً مع النقاش الذي يعرفه مجلس الأمن بتوسيع دائرته وإعطاء مقعد واحد على الأقل لإفريقيا، وإذا ما تحقق هذا المطلب الإفريقي فإنه لن يكون إلا من نصيبه “المغرب” بعد كل ما يقوم به داخل مجلس الأمن وما أثبته من التزام وحس مسؤول تجاه القضايا الأممية سواء في ملفات السلم والأمن أو في مجلس حقوق الإنسان، ثم في دوره الكبير الذي يتجه نحو فتح الباب أمام إصلاح مجلس حقوق الإنسان ليلعب دوره الكامل في مجال حماية حقوق الإنسان بالعالم والنهوض بها في مختلف البقاع.
- المغرب باحتضانه لهذه الخلوة سيكون عليه الاستمرار في إصلاح تشريعاته الداخلية وجعلها ملائمة للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، نخص بالذكر القانون الجنائي، المسطرة الجنائية..، ثم مدونة الأسرة التي يُنتظر أن تنتهي مسطرتها لعرضها على البرلمان للمناقشة والتصديق وهي المدونة التي ستكون علامة على قدرة المغرب على الانخراط في هذا المسار الحقوقي الأممي، وبتكييف خصوصيته الوطنية مع الاتفاقيات الدولية بما يجعل نص المدونة معززاً لحقوق المرأة والطفل وضامنة لتماسك الأسرة المغربية، وهو معطى يجب استحضاره أثناء طرحها للنقاش، تكييف الخصوصية المحلية مع الاتفاقيات الدولية خاصة وأنها كانت موضوع توصيات أثناء مناقشة التقرير الوطني للمغرب بالمجلس.
- المغرب ما بعد خلوته سيُسلط عليه الضوء داخلياً مما سيجعل من هذه الخلوة خاصة ما بعد انتهاءها، مناسبة لاطلاع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على مسار الإصلاحات الحقوقية التي شهدها منذ سنة 1999، وستكون مناسبة لتسويق وجه المغرب الحقوقي الذي تعزز بدستور فاتح يوليوز، كما سيجعله محكوماً بالمزيد من الانفتاح كجزء من سياسته الداخلية حقوقياً، وهو الانفتاح الذي وبلا شك سيعزز من صورة المغرب ومكانته الحقوقية داخل مجلس حقوق الإنسان من خلاله الأمم المتحدة، وقد يكون اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المغربي بالمفوض السامي لحقوق الإنسان مقدمة لتنظيم زيارة هذا الأخير للمغرب ولمختلف مناطقه مع تحديد أجندة واضحة لأية زيارة محتملة سواء أكانت الآن أو مستقبلاً، المهم أن تحدث هذه الزيارة لأنه ليس للمغرب ما يخفيه وقد كان اللقاء الذي احتضن ممثل مكتب المفوضية حول ” ظروف الاحتجاز والتعذيب” مناسبة للإقرار بكون المغرب أمنياً وحقوقياً قد قطع أشواطاً كبيرة تجعله يستقبل أي مسؤول دون أي عقد أو تخوفات اللهم ما يتعلق بترتيب وتنظيم أي زيارة لأي مبعوث أممي.
- المغرب سيكون عليه ما بعد الخلوة الانفتاح على الجيل الجديد لحقوق الإنسان، وهو الجيل الذي يتعدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، كذا الحقوق المدنية والسياسية.. أيضا الحقوق المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والدور الذي يمكن أن يقوم به أممياً على هذا المستوى من خلال فتح الباب لاعتناق هذا الجيل الجديد من الحقوق بكل أبعاده الحقوقية ويمكن المساهمة في إصدار اتفاقيات دولية مرتبطة بالذكاء الاصطناعي تكون مرجعية لدول العالم استكمالا للدور الذي يقوم به على مستوى مجلس حقوق الإنسان.
المغرب منذ رئاسته لمجلس حقوق الإنسان أثبت من خلال العمل الذي يقوم به سفيره في بلورة الاستراتيجية التي حددها ووضعها الملك في هذا الإطار التي تعتبر خارطة طريق المغرب على مستوى هذه الرئاسة، وهي الاستراتيجية التي جعلت من هذه المهمة ليست “نزهة” يل مناسبة لتكون رئاسة فارقة في تاريخ مجلس حقوق الإنسان تنتقل به من المستوى الحالي الذي بات معه عمل المجلس “شكلياً” دون أثر حقوقي ملموس على مستوى الممارسة الاتفاقية للدول، إلى مستوى آخر يكون فيه عمله مؤثراً على سياسة الدول خاصة تلك التي مازالت تنتمي لعوالم ماضوية، لا تعترف بحقوق الإنسان ولا تدخل ضمن أجندتها الداخلية.