المغرب فرنسا.. أكثر من شراكة!

انتهت، قبل يومين، زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، مرفوقا بوفد هام من الوزراء ورجال الأعمال وأعلام الثقافة والفكر، لتوقع بذلك على نجاح جديد للمملكة في رسم الحدود مع كبار العالم وجني ثمار الدبلوماسية الرصينة، إن على صعيد القضية الوطنية الأولى للمغاربة، أو على المستوى التنموي والاقتصادي.
ومع النتائج المهمة لهذه الزيارة، لا ضير أن نذكر بعض الذين كانوا يتابعون المواجهات التي يخوضها المغرب بعين مستصغرة، والذين كانوا ينتظرون البلاد “في الدورة” ليقولوا “حذرناكم.. حذرناكم”، (نذكرهم) أن رؤية الدول الأصيلة تتعدى ما قد يبدو للعموم من قمة جبل المعطيات، حتى وإن اكتست التحليلات طابع “العلمية” المفترى عليها.
نغلق قوس المشككين لنفتح علبة الرسائل الدافئة التي بعثها الاستقبال الشعبي المهيب للموكب الرسمي للرئيس الفرنسي، على امتداد الطريق من مطار سلا إلى القصر الملكي بالرباط، ما يعكس إيمانا شعبيا بصوابية خيارات الدولة المغربية وتصديقا لنجاعة الرؤية الملكية في اتخاذ القرارات الكبرى، وهو ما عكسه الدعم الشعبي الهائل الذي عبر عنه المغاربة إبان الزيارة لملكهم وبلادهم.
ولعل أهم ما حملته الزيارة الفرنسية إلى المغرب، تجديد التأكيد على دعم مغربية الصحراء ومقترح الحكم الذاتي، واعتزام التحرك دوليا بناء على هذا الموقف. هذا الموقف الفرنسي ليس حدثا عاديا، بل انعطاف نوعي في مسار الدفاع المغربي على السيادة والوحدة الترابية، نظرا للارتباط التاريخي لفرنسا باختلاق النزاع المفتعل بالصحراء المغربية. كما يعكس الموقف الفرنسي قوة الدبلوماسية المغربية برئاسة الملك وقدرتها على انتزاع المواقف.
من جانب آخر، لا يخجل المغرب من شراكته الاقتصادية التي تعززت أكثر عبر هذه الزيارة، من خلال توقيع 22 اتفاقية ومذكرة، بل تعتبر المملكة العلاقات الاقتصادية معطى بديهيا في بناء العلاقات السليمة بين الدول، مع دامت تتم بمنطق الندية ورابح-رابح.
من جهة أخرى، جاء خطاب الرئيس الفرنسي أمام البرلمان المغربي خلال هذه الزيارة مكثفا من ناحية الدلالات وغزيرا بالمعاني، عن التاريخ المشترك، وعن التقدير العميق من الدولة الفرنسية لنظيرتها المغربية، وكذا الارتباط الوثيق على عدد من الأصعدة مما يعد توجها لترسيخ هذه العلاقة مستقبلا، وهو ما تأكد من خلال توقيع ملك المغرب ورئيس فرنسا على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
ومرة أخرى، تأكد لمن كان يحتاج لتأكيد، المكانة التي يحتلها المغرب إفريقيا وإقليميا، ما جعل فرنسا تعتمد عليه كبوابة لإفريقيا، وهذا ما يختزل الموقع الجديد الذي يتبوءه المغرب إفريقيا والقوة التي يؤسس لها الوضوح مع الشركاء الكبار، ومنهم فرنسا وإسبانيا وقبلها الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا المسار الواعد الذي تسير فيه البلاد والخطى المتسارعة نحو حشد التأييد الدولي في قضية الصحراء المغربية، يرتبط بتوجه مغربي نحو حسم هذا الملف في أقرب الآجال، وهو أكده خطاب الملك خلال افتتاح البرلمان الذي خُصص بالكامل لهذه القضية الصحراء والذي تأكد خلاله أن المغرب انتقل من مقاربة رد الفعل إلى أخذ زمام المبادرة لحسم النزاع في أقرب الآجال.
وأخيرا، فإن الأهم فيما يحققه المغرب أن الطرح الانفصالي، الذي تدعمه الجزائر، بات منحصرا وبدون أفق، بعدما ضيقت أمامه الدبلوماسية المغربية المساحات، في انتظار الحسم النهائي مع الكيان الوهمي بما لا تنفع معه محاولات الإحياء من كابرانات الجارة الشرقية.